"إيش تخرب".. عين أسطورية في الوادي الجديد عمرها آلاف السنين -صور
كتب : مصراوي
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
الوادي الجديد – محمد الباريسي:
على بُعد نحو 7 كيلومترات من طريق الخارجة - باريس، تقع قرية صغيرة تخفي في طياتها تاريخًا عميقًا وأسرارًا مدفونة في رمال الواحات.
إنها قرية "جناح"، إحدى القرى القديمة في الواحات الخارجة، التي تعود جذورها إلى العصر الروماني، وكانت محل اهتمام المستكشفين والرحالة الأجانب منذ أوائل القرن التاسع عشر.
عين استخرب "إيش تخرب"
يروى أن أصل اسم "استخرب" مشتق من عبارة "إيش تخرب"، أي "لا تخرب أبداً"، في إشارة إلى قدم العين ودوام جريان مائها، التي امتدت لعشرات السنين، كمصدر أساسي للحياة والزراعة في المنطقة، تقع هذه العين في قرية جناح، الواقعة في الواحات الخارجة جنوب مصر، التي كانت وما زالت شاهدة على تاريخ امتد لآلاف السنين، وفقا لتصريح الخبير الأثري بهجت أحمد، مدير الآثار السابق بالوادي الجديد.
وأضاف الخبير الأثري، أنه الجغرافي ورسام الخرائط البريطاني هيو جون ليولين بيدنيل زار عين "استخرب" في جناح الواحات عام 1909، ليؤكد أهمية هذا المصدر العريق للمياه الذي ظل يغذي الواحة منذ مئات وربما آلاف السنين، هذه العين ليست مجرد نقطة مائية في الصحراء الغربية، بل شاهد حي على تاريخ عريق وحياة استمرت لعقود طويلة، وربطت بين الحضارات القديمة ومستوطني الواحات حتى يومنا هذا.
جناح والزعيم الباكستاني
أكد بهجت، أنه تنتشر في بعض المصادر والمقالات الصحفية معلومة خاطئة تفيد بأن اسم قرية جناح يعود للزعيم الباكستاني محمد علي جناح في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، إلا أن المصادر الحقيقية تكشف عن خطأ هذه المعلومة، حيث يؤكد الرحالة البريطاني جورج ألكسندر هوسكينز في كتابه "زيارة إلى الواحة العظمى في الصحراء الليبية" (1832) أن اسم القرية (Genah) كان معروفاً منذ القرن التاسع عشر، أي قبل ظهور الزعيم الباكستاني.
ويضيف بهجت، إنه تقع جناح البلد القديمة على بعد حوالي 7 كيلومترات غرب طريق الخارجة باريس، وهي من قرى بورسعيد التاريخية، وأول من دون اسم قرية جناح في اكتشافاته كان المستكشف الإيطالي برناردينو دروفيتي، الذي زار الواحات حوالي عام 1820 وذكر أن الوصول إليها يتطلب ساعة مشياً على الأقدام من منطقة النسيمه القريبة.
جناح بين العصور والرومانيين
قال الأثري محمد إبراهيم، مدير الآثار المصرية بالوادي الجديد، إنه يرجع تاريخ قرية جناح إلى العصور الرومانية، حيث استقر سكانها في منطقة "عين الديب" على بعد 3 كيلومترات غرباً، وهي منطقة مغطاة بالرمال اليوم، لكنها تحوي بقايا مستوطنة رومانية قديمة تشمل مبانٍ من الطوب اللبن ومقبرة، يروي السكان أن الذئاب كانت تتجمع ليلاً في هذه المنطقة لمطاردة الحيوانات الأليفة، ولذلك سُميت بعين الديب.
وأضاف محمد، أن الرحالة البريطاني جورج ألكسندر هوسكينز (1802-1863) أشار إلى كثرة القنوات الرومانية في سهل قرن جناح القديمة، ووصف شوارع القرية بأنها كانت صغيرة ومفتوحة من الأعلى، مما يميزها عن واحة الخارجة التي تحوي سقائف.
وأكد أن ظلال الأشجار والنخيل غطت بعض الأزقة، مما جعل من الصعب مرور الجمال والإبل المحملة عبرها، في عام 1832، كان عدد سكان القرية حوالي 250 نسمة بينهم 50 رجلاً. الرجال كانوا يرتدون ملابس من الصوف البني المصنوع يدوياً، مع أحذية حمراء، حسب وصف هوسكينز.
أصل سكان جناح وقبيلة الأبروسي
قال محسن عبد المنعم الصايغ مدير الهيئة المصرية لتنشيط السياحة بالوادي الجديد، إنه بحسب عالم الأنثروبولوجيا الألماني فرانك بليس، وبتأكيد عمدة القرية الشيخ أحمد نوار رضوان من عائلة الأبروسي، تأسست قرية جناح بين عامي 1730 و1750 على يد الأبروسيين من قبيلة بنو غازي، قبل عام 1800، انتقلت العديد من العائلات من دلتا النيل وصعيد مصر إلى الواحات، واستقر البعض في جناح القديمة، التي بُنيت حول عين استخرب، التي أسست عليها حقول نخيل تمور مشهورة بجودتها وإنتاجها العالي في الواحات.
رئة الواحات
وأضاف محسن، أنه قد رسم الخرائط البريطاني هيو جون ليولين بيدنيل، الذي أجرى أبحاثًا في الواحات عام 1898، تحدث عن مصدرين رائعين للمياه في جناح، هما عين استخرب وعين مقرين، وصف هذين المصدرين بأنهما الأكثر إنتاجاً في الصحراء الغربية، حيث تخرج منهما مياه عذبة منذ مئات وربما آلاف السنين. وقدر كمية المياه المنبعثة من العيون بين 700 و800 جالون في الدقيقة، ما يجعلها شريان الحياة الرئيسي للزراعة والتمور في المنطقة.
قال خبير التراث الواحاتي محمود عبد ربه، من أبناء واحة الخارجة، "عين استخرب ليست مجرد عين ماء، بل هي كنز تاريخي وحيوي للقرية والواحات بأكملها. هذه العين جعلت من جناح الواحات مركزًا للزراعة والاستقرار، وظلت حتى اليوم موردًا لا غنى عنه".
وأضاف: "القرية لا تزال تحافظ على تراثها الأثري، رغم التحديات التي تواجهها في مواجهة التصحر وتغير المناخ. نحن نحرص على الحفاظ على هذه العيون التاريخية لأنها تعني لنا الحياة".
وأكد عبد ربه، أن التاريخ يوضح كيف أن قرية جناح القديمة كانت مركزًا للزراعة والرعي، واستمر سكانها في استغلال مياه عين استخرب لزراعة نخيل التمر الذي يعد من أجود أنواع التمور في الواحات، مع مرور الوقت، استمرت القرية في الحفاظ على نمط حياتها التقليدي الذي يعود إلى قرون، وسط صحراء غربية شاسعة.
تظل عين استخرب وجناح من العلامات التاريخية الفريدة في الواحات المصرية، حيث يجتمع التاريخ والجغرافيا والثقافة في نبع ماء عذب لا ينضب.
هذه العيون العتيقة تعكس إرثًا بيئيًا وإنسانيًا يجب أن يحظى بالمزيد من الحماية والاهتمام في ظل التحديات التي تواجهها الواحات اليوم.