إعلان

دهليز الملك.. متحف مفتوح يحكي أسرار حكام وأعيان رشيد (صور)

كتب : أحمد نصرة

05:24 م 15/10/2025

تابعنا على

البحيرة - أحمد نصرة:

في قلب مدينة رشيد، حيث تختلط رائحة النيل بعبق التاريخ، يمتد شارع ضيق يحمل اسمًا غامضًا وساحرًا: دهليز الملك.

ليس مجرد شارعٍ عادي تسير فيه الأقدام، بل ممرٌّ زمنيٌّ يربط بين أزقة المدينة وروحها القديمة.

حجارة الجدران هنا تنطق بما لم تكتبه الكتب، والنقوش فوق أبواب المنازل العتيقة تحكي عن عصورٍ مضت وممالك قامت وسقطت، لكنها تركت بصمتها في كل زاوية ونافذة ومئذنة.

سُمّي الشارع دهليز الملك لأنه كان مسكنًا لعلية القوم من أمراء المماليك وكبار تجار المدينة خلال الحقبة المملوكية – العثمانية.

ويضم مجموعة فريدة من المباني التاريخية، ويمتاز بطابعه التراثي الفريد وتخطيطه الضيق المتعرج الذي يشبه دهليزًا حقيقيًا، كأنه يحجب أسراره عن العابرين ولا يكشفها إلا لمن يتأمل بروح عاشقة للتاريخ.

- الطراز المعماري للمنازل والمساجد

يغلب على مباني دهليز الملك الطراز العثماني الممزوج بالتأثيرات المملوكية، حيث تتجاور المآذن الحجرية الدقيقة مع الشبابيك الخشبية المزخرفة والأبواب الحديدية الضخمة.

تبدو الممرات الداخلية كمتاهات صغيرة تربط بين غرف مرتفعة وسلالم ضيقة حلزونية تؤدي إلى أسطح تُطل على المدينة.

في المساجد، تتجلى الأناقة في المحاريب المزخرفة والقباب المرتفعة التي تتزين بالزخارف الهندسية والآيات القرآنية المنقوشة بخط الثلث.

أما المنازل فتتميز بواجهاتها المتناسقة ونوافذها الخشبية الدقيقة التي تجمع بين الجمال والوظيفة، لتشكل مزيجًا من الفخامة الشرقية والبساطة الشعبية.

- المباني الأثرية في دهليز الملك

يقول الأثري محمود الحشاش: "يحتضن الشارع عددًا من المنازل والمساجد التي تمثل علامات بارزة في العمارة الرشيدية القديمة، لكلٍ منها سحره الخاص وسماته التي تروي فصولًا من تاريخ المدينة."

ويضيف: "من أبرز هذه المباني منزل رمضان، الذي يتميز بتناسق فريد بين الطوب المنجور الأسود والأحمر الذي يزين واجهته، ويضم قاعة رئيسية تتوسطها إيوانات واسعة وشبابيك خرط صهريجي، إضافة إلى حمام علوي بزخارف دقيقة تعكس الثراء الفني للعصر العثماني.

كما يُعد منزل علوان نموذجًا يجمع بين الأصالة والجمال، إذ تتخلل أدواره الثلاثة أقبية متقاطعة وإيوان مطل على فناء مزين ببلاطات القاشاني الأندلسية، مع شبابيك خشبية محفورة بعناية."

ويتابع: "منزل محارم يتميز بواجهة مزخرفة بالعقود والنجوم السداسية، ومشربيات خرط متقنة الصنع، وتزدان حجراته ببلاطات من القاشاني والرخام الملون، في مشهد يعكس رقي الذوق الرشيدي القديم.

أما منزل كوهية فيضم فناءً داخليًا واسعًا تلتف حوله الغرف بتناغم معماري أنيق، وواجهات منقوشة بالطوب الملون ومداخل مقوسة تعكس التأثر بالعمارة العثمانية في رشيد.

ويتميز منزل بسيوني بزخارف هندسية بسيطة تعلو واجهته، مع شبابيك مشربيات دقيقة تجمع بين الطابع السكني والتجاري كما كان في بيوت التجار آنذاك."

ويستطرد: "هناك أيضًا منزل أبوهم، الذي يتميز بتخطيط متكامل يجمع بين المتانة والذوق، بواجهة من الطوب الأحمر وأعمدة حجرية داخلية تدعم الأدوار العليا، ما يعكس فخامة بيوت الطبقة الثرية في رشيد القديمة.

أما منزل الجمل، فيضم فناءً تتوسطه بئر حجرية محاطة بحجرات ذات نوافذ منقوشة وأبواب مزخرفة بنقوش نباتية دقيقة، ما يجعله من أبرز النماذج الرشيدية الأصيلة."

ويختتم الحشاش حديثه قائلًا: "يضم الشارع أيضًا مسجد العرابي الأثري، الذي يتميز بطراز عثماني بسيط تحمله القباب الصغيرة والمئذنة القصيرة، وتزين جدرانه الداخلية كتابات وزخارف هندسية بديعة تشهد على مهارة البنّائين في ذلك العصر."

- متحف مفتوح

اليوم لم يعد دهليز الملك مجرد ممر أثري صامت، بل تحول إلى متحف مفتوح وسجلٍّ حيٍّ يقرأه الزائر بعينيه قبل أن يسمعه بأذنيه.

كل حجر هنا يحمل أثر يد بنّاء، أو قصة تاجرٍ كان يعقد صفقاته في ظل المشربية، أو همسة امرأة كانت تطل خلسة من خلف النوافذ الخشبية.

إنه دهليز الملك، قطعة من روح رشيد التي تأبى أن تُنسى، حيث يظل عبق النيل ممزوجًا بصوت الأذان ودفء البيوت القديمة، شاهدًا على زمنٍ لم يغب بعد.

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان