إعلان

"لُمّ حالك".. شهادات صحفيي غزة عن "الثمن المضاعف" في الحرب

كتب : مصراوي

05:38 م 27/08/2025

صحفيو غزة

تابعنا على

- مارينا ميلاد:

على الطريق في وسط غزة، يقف شاب مرتدي الدرع الأزرق المميز للصحفيين، يشاور لعربات يجرها حمار. عليه التحرك بسرعة. فقد حلقت طائرة مسيرة إسرائيلية فوقه قبل دقائق، مما ينبئ أن المكان يمكن قصفه في أي لحظة. لكن مرت عربة تلو الأخرى، ولا يوافق أحد أن يصاحبهم.. لأنه ببساطة "هدف محتمل لإسرائيل".

هذا المشهد بات مألوفًا للصحفيين بقطاع غزة، وفقا لشهاداتهم التي أتت بعد مقتل خمسة صحفيين قبل يومين إثر استهدافهم بمجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس. فاتسعت القائمة لتشمل نحو 240 صحفيًا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع في أكتوبر عام 2023 (وفقا لمكتب الإعلام الحكومي بغزة ونقابة الصحفيين الفلسطينيين).

"نحن ندفع أثمانًا مضاعفة"، هكذا وصف الأمر الصحفي الغزي محمد عمران، وهو يروي شهادات عن الجانب الآخر من المعركة. فيحكي عن نفسه وأربعة زملاء له أن "صاحب أرض في المواصي أبلغ أحدهم بأنه أسكن عائلةً أخرى مكان خيمته، فيما تفاجأ الثاني بجيرانه في النزوح وهم يقفزون جماعةً، ويطلبون منه تقليل التصوير والتنقل، قائلين: (لِم حالك)".

ويتابع: "أما الثالث، فيسمع همسات النازحين من حوله: (يا رب يسلّمنا من جيرته)، في حين خاض الرابع معركةً مع ركاب عربة يجرّها حمار بالكاد نجح في إقناعهم ليقبلوا بقاءه معهم حتى يصل مشواره.. وخامس وسادس وغيرهم".

ويكمل عليه الصحفي نسيم عبد العال قائلا: "ولا تتوقف لنا السيارات، ونحن في الطريق لأعمالنا، ليس لشيء، فقط غير أننا نرتدي الدروع وننقل الحقيقة للعالم!".

فيما يروي الصحفي فؤاد جرادة: "زملاء تعرضوا للطرد من منازل استأجروها، وآخرون رفض أصحاب منازل التأجير لهم، وفي الشارع الناس تنفض من حولنا". ثم يضيف: " لكن الروح عزيزة، فلا نلوم أحد!". وشبه الصحفي سليمان حجي كل ما يجري لهم بأن "الناس يهربون من الصحفي قبل الطائرة، لأن الكاميرا صارت تُستهدف، ومن يقف بجوارها يُقتل".

ومن قبل، ذكرت لجنة حماية الصحفيين أن "العديد من أسرهم قتلوا أيضاً معهم".

وبشكل أساسي، تعتمد المؤسسات الإعلامية الدولية على الصحفيين المحليين لتغطية يوميات الحرب دون أي وسائل حماية أو تأمين. ولا تسمح إسرائيل بوصول أي أطقم جديدة إلى داخل غزة.

وغالبيتهم يعملون وينامون داخل خيم من القماش والبلاستيك بالقرب من المستشفيات على امتداد القطاع. أولا لتكون نقطة قريبة لنقل الأحداث، فلا تحتاج للكثير من التحرك والمخاطرة، وثانيًا يحصلون على الكهرباء من مولداتها، حسبما يقولون. وفي البداية، ظنوا أن هناك ميزة ثالثة وهي أنها "أماكن توفر الحماية إلى حد ما"، لكن تبدد ذلك بمرور الوقت مع كثرة استهدافها، وكان آخرها مستشفى ناصر الطبي الذي راح فيه الصحفيون الخمسة: حسام المصري، ومحمد سلامة، ومريم أبو دقة، ومعاذ أبو طه، وأحمد أبو عزيز.

فشنت إسرائيل، يوم 25 أغسطس الجاري، غارتين على المستشفى الواقعة بخان يونس جنوب القطاع، أسفرتا عن مقتل نحو 20 شخصًا. وبتوثيق وتحليل مقاطع الفيديو المتداولة للحادثة، فقد وقعت الغارة الأولى، وتحرك على إثرها أفراد الإسعاف والصحفيون، وبعد وقت قليل، أصابتهم جميعًا الغارة الثانية المباشرة.

وقال الصحفي حاتم عمر، مصور وكالة رويترز، الذي أصيب في هذا القصف: "لقد نجوت من الموت، لكن ما شاهدته أن كل من كان في الصورة هو الهدف، فالصحافة صارت مهنة الموت والحصار، وأنا أعيد التفكير بشأن أن أعمل أشياء أخرى تكون أقل قسوة وخطورة".

وأدانت نقابة الصحفيين الفلسطينيين ما وصفته بـ"المجزرة الجديدة بحق الصحافة"، معتبرة أنها تُمثل "حرباً مفتوحة على الإعلام، بهدف إرهاب الصحفيين ومنعهم من أداء رسالتهم المهنية في كشف الجرائم الإسرائيلية للعالم".

ووصف مقال للفريق التحريري لصحيفة الإندبندنت البريطانية ما يحدث بـأنه "إسكات مخزٍ للتغطية الإعلامية لأحداث غزة". وأشار إلى أن "هؤلاء الصحفيين ليسوا أكثر أهمية من 62 ألفاً من الفلسطينيين الذين قُتلوا أثناء حرب غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وإسرائيل لا تهتم بالقوانين الدولية التي تحمي الصحفيين أو غيرهم من المدنيين".

وردت إسرائيل بأنها "تأسف لأي أذى يلحق بأفراد غير متورطين، ولا يستهدف الصحفيين في حد ذاتهم". وقال بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) إن الجيش "يجري تحقيقا شاملا" في ما وصفه بـ"الحادث المأساوي".

لكن ذلك لم يمنع ردود الأفعال الدولية المنددة بهذه الضربة من الولايات المتحدة وكندا وفرنسا. إذ قال دونالد ترامب (الرئيس الأمريكي)، "إنه لم يكن على دراية بها ومستاء من الحادث". كما وصف إيمانويل ماكرون (الرئيس الفرنسي)، الهجوم بأنه "غير مقبول ولا يمكن تحمله".

وقالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان "إن مقتل الصحفيين في غزة ينبغي أن يصدم العالم ويدفعه إلى التحرك من أجل المطالبة بالمساءلة والعدالة، وليس إلى صمت مذهول". وذكر ثمين الخيطان (المتحدث باسم المفوضية) "أنهم وثقوا العديد من الهجمات غير المقبولة على الصحفيين.. لكن ليس هناك أي نتائج أو إجراءات للمساءلة"، مختتمًا مؤتمره بقوله: "هؤلاء الصحفيين هم عيون وآذان العالم بأسره، وينبغي أن تتم حمايتهم".

اقرأ أيضا: غزة خارج التغطية قريبًا.. عندما يوقف الجوع الصحفيين عن العمل

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان