إعلان

"أم الدبادب".. حكاية حصن روماني وظاهرة فلكية فريدة بالوادي الجديد (صور)

كتب : مصراوي

05:06 م 01/09/2025

تابعنا على

الوادي الجديد - محمد الباريسي:

على بُعد 65 كيلومترًا شمال مدينة الخارجة، تقف منطقة أم الدبادب (المعروفة أيضًا بـ"أم الدباديب" و"عين أم الدبادب") كأنها مشهد معلّق بين زمنين: آثار رومانية مهيبة، وشبكات ريّ عتيقة مطمورة تحت الرمال، وظاهرة فلكية لا تتكرر سوى مرة واحدة في فبراير من كل عام.

بين الاسم الذي حيّر أهل الواحة، والطرق الوعرة المؤدية إليها، تروي المنطقة قصة استيطانٍ قديم وحياة زراعية وتجارية ازدهرت قرونًا قبل أن تنحسر مع نضوب المياه.

- من عصور ما قبل التاريخ إلى الفرس: المياه سرّ الاستيطان

يقول الأثري محمد جابر، خبير آثار الخارجة، إن دلائل النشاط الإنساني الأقدم بالمنطقة تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، من خلال لُقى سطحية ونقوش صخرية متناثرة. لكن التحوّل الأبرز جاء مع الفرس في القرن الخامس قبل الميلاد، حين أنشأوا شبكة من القنوات الجوفية المعروفة محليًا بـ"المناور" لسحب المياه وتوزيعها بالجاذبية، وهي تقنية استُخدمت أيضًا في مواقع مجاورة مثل عين مناوِير، حيث وثّق الباحثون أكثر من 20 قناة وأنفاق خدمة رأسية (مناور) للصيانة والتهوية.

- الحصن الروماني: مدينة متكاملة على تخوم الصحراء

مع مطلع القرن الرابع الميلادي، شيد الرومان حصن أم الدبادب ضمن منظومة تحصينات وطرق قوافل تجارية.

وبحسب الأثري محمد إبراهيم، مدير عام آثار الخارجة، أظهرت أعمال المسح الأثري وجود ثلاثة تجمعات سكنية وحصن مركزي متعدد الطوابق مزوّد بمزاغل وفتحات دفاعية، إلى جانب كنيسة قبطية، معبد روماني، عشرات المقابر، وسبعة خطوط رئيسية من القنوات الجوفية.

- "عين" الاسم.. و"المناور" سرّ الزراعة

يوضح منصور عثمان، مدير آثار الخارجة القبطية والإسلامية السابق، أن كلمة "عين" تشير إلى المياه الجوفية التي كانت تجري عبر سراديب صخرية تتخللها "مناور" رأسية للفحص والتحكم في تدفق المياه. هذه الشبكة جعلت من أم الدبادب مركزًا زراعيًا مزدهرًا ومخزنًا لمؤن القوافل، قبل أن تتراجع الحياة تدريجيًا مع جفاف المياه.

- عقدة قوافل على "درب الأربعين"

بحسب قائمة اليونسكو الإرشادية، شكّلت الواحة عقدة التقاء لطريقين رئيسيين: درب عين آمور شرق–غرب بين الخارجة والداخلة، ودرب الأربعين شمال–جنوب بين مصر والسودان. ومن هنا جاء تفسير اسم "الدبادب"، إما من كثرة الدواب المارة، أو من كثرة الزواحف (الدبيب) في محيطها.

- "بدر فبراير": حين يكتمل القمر فوق الحصن

تسجّل أم الدبادب ظاهرة فلكية سنوية فريدة؛ إذ يظهر القمر بدرًا بعد الغروب مباشرة فوق صرحي الحصن في فبراير كل عام، في مشهد يجذب الزوار والباحثين، ووُثق في صور وتقارير محلية ودولية.

- بعثات ومشروعات بحثية

منذ 2003، قادت بعثات مصرية وإيطالية، بينها بعثة جامعة بوليتكنيكو دي ميلانو بقيادة كورينا روسّي، أعمال مسح ثلاثي الأبعاد ودراسات معمارية للموقع. وأسفرت هذه الجهود عن توثيق رقمي شامل للحصن والتجمعات السكنية والكنيسة والمعبد، وأعادت قراءة الموقع ضمن "سلسلة استيطان محصّن" على حافة الواحة.

- الوصول الصعب.. والطريقان الممكنان

يوضح محسن عبد المنعم، مدير هيئة تنشيط السياحة بالوادي الجديد، أن الوصول إلى أم الدبادب يتطلب سيارات دفع رباعي مزوّدة بأجهزة ملاحة، عبر مسارين: طريق أقصر عبر عين اللبخة لكنه صعب بسبب الكثبان الرملية، أو طريق أطول يبدأ من الكيلو 17 على طريق الخارجة–الداخلة ويمتد شمالًا لمسافة 40 كيلومترًا.

- جهود حماية وتحويله إلى مقصد سياحي

في 2016 أطلقت وزارة الآثار بالتعاون مع اليونسكو مشروعًا لتأهيل أم الدبادب وعدة مواقع مجاورة كمزارات سياحية محمية. وبعد عام، كرّم محافظ الوادي الجديد فريق البعثة الإيطالية، مؤكدًا دعم المحافظة لتحويل الموقع إلى "محمية طبيعية" بمعايير التراث العالمي.

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان