إعلان

نبيل فهمي في حوار لمصراوي: العلاقات المصرية الإسرائيلية في أسوأ مراحلها.. وهذا أكبر عدو لتل أبيب

كتب : محمد جعفر

08:58 م 30/09/2025

تابعنا على

حوار: محمد جعفر

تصوير: محمد معروف

في قراءة مفتوحة عن تطورات الأوضاع الحالية، أكد السفير نبيل فهمي، وزير خارجية مصر الأسبق، أن الضربة الإسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة، ستغير خارطة التحالفات في منطقة الشرق الأوسط.

وكشف فهمي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هدد مصر أكثر من مرة بقطع المساعدات العسكرية في محاولة للضغط على القاهرة لتغيير مواقفها من الأحداث التي تشهدها المنطقة، لكنه كان يتراجع في كل مرة لأنه سيخسر كثيرا في حال تنفيذ تهديده، ويرى أن الأحداث الحالية سيكون لها تداعيات كبيرة على أمريكا والأمم المتحدة وليس العرب وحدهم، وأن الساحة السياسية الأمريكية سيعاد تشكيلها ولن تستقر قبل عشر سنوات.

وفي حواره مع مصراوي، فتح السفير نبيل فهمي، ملفات شائكة تتعلق بالسياسة الخارجية المصرية والعربية والعلاقات الدولية، بدءًا من العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية التي يصفها بأنها في أسوأ مراحلها حاليًا، مرورًا بمستقبل المنطقة العربية ودور إيران، وتطورات سوريا، ورومانة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط. وإلى نص الحوار:

ما تعليقك على أن أشرف مروان كان رأس الحربة للخداع المصري لإسرائيل؟.. وما دلالة التوقيت حاليًا؟

أولًا كل ما يرتبط بحرب أكتوبر كان سابق عن تخرجي من الجامعة، وعملي مع الدكتور أشرف مروان كان بعد الحرب وليس قبلها، إذًا كل ما قيل عن دوره تمهيدًا للحرب كان سابق لمعرفتي به، فضلًا عن أن الدكتور أشرف كان رئيس المكتب أثناء فترة تواجدي به كمجند بالقوات المسلحة، فكان هناك فجوة في المسؤوليات والتعامل.

ورؤيتي لمسألة لماذا الآن؟، هو أن هناك اضطراب حتى داخل اسرائيل، فنتنياهو و تزمته في مواقفه في غزة، من ناحية بيستجيب للغضبة الإسرائيلية والرغبة في الانتقام، ومن ناحية أخرى يتصرف بشكل لا يؤدي إلى إلا مزيد من المشاكل وعدم حل القضايا، وعدم الإفراج عن المختطفين، و كذلك عزلة اسرائيلية واسعة، فذلك يدفع الساحة الإسرائيلية لإعادة البحث في الملفات القديمة، إذ أن هناك صراع بين تيارات مختلفة، بشأن مَن يتحمل المسئولية؟ وهل هي الجهات الأمنية أم المخابراتية أم السياسية؟.

العلاقات المصرية الإسرائيلية في أسوأ مراحلها.. وهذا أكبر عدو لتل أبيب

تقييمك للعلاقات المصرية الحالية بعد وصف السيسي لإسرائيل بـ "العدو"؟ وهل دخلت مرحلة جديدة؟

أعتقد أنها الآن في أسوأ مراحلها، بالرغم من أنها تعرضت في الماضي إلى الكثير من المشاكل، أبرزها غزو لبنان، والسبب في سوء العلاقة حاليًا هو اتخاذ اسرائيل لخطوات عملية على الأرض بل والتهديد بالمزيد منها، وهو ما وصفته مصر عدة مرات وحذرت منه سواء من خلال تصريحات الرئيس أو وزير الخارجية بأن ذلك تهديد للأمن القومي المصري، وخاصة مسألة تهجير الفلسطينين عبر معبر رفح، والتي سيكون لها رد فعل قوي.

هناك مرحلة جديدة من العلاقات سببها الإجراء الإسرائيلي وليس وصف الرئيس السيسي، فهذا التعبير لم نستخدمه من قبل، ولا يستخدم بسهولة ودون عناية، ولكنه ارتبط بإشارة سابقة، هي أن أي مساس بالحدود أو بالمعبر تهديد للأمن القومي المصري، بيننا وبين إسرائيل اتفاقية سلام، والحفاظ عليها هدف استراتيجي، إنما هو سلام بين دولتين يحترموا حدودهم، وإذا كانت إسرائيل مش هتحترم الحدود فيبقى هي اللي بتخالف مش مصر.

استطلاعات الرأي تظهر أن 60% من الشباب الأمريكي يفضلون حماس على إسرائيل.. هل تعتقد أنهم قادرون على إعادة تشكيل علاقة واشنطن بإسرائيل؟

يشكلوا العلاقة وحدهم لأ، إنما سيؤثرون على العلاقة بدون شك، في التقدير العام للتوجه السياسي في أمريكا حاليًا، أحداث غزة غيرت الرؤية الغربية تجاه إسرائيل، وقضت كذلك على فكرة أن اسرائيل طرف ضعيف ومهدد من جيرانه، في حين أنها دولة احتلال، فأحداث غزة غيرت هذه الصورة، خاصة وأن الأجيال الجديدة في الغرب لم ترى إسرائيل في حالة حرب كانت هي الطرف الأضعف فيه، وبدون شك أحداث غزة أثرت وغيرت من التأييد الغربي لإسرائيل.

وهذا سيؤثر تدريجيًا على الموقف السياسي للدول تدريجيًا، ومن الإنعكاس العملي والفعلي لذلك، عدد من الدول الغربية المؤيدة لإسرائيل وصديقة لها اعترفت بدولة فلسطين في الفترة الماضية.

كيف ترى موجة الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية؟ وما تأثير ذلك دوليأ؟

أكبر عدو لإسرائيل هي اسرائيل، بتصرفاتها وتجاوزاتها، وقد أثرت سلبًا في الرؤى الغربية المؤيدة لها في سنتين أكثر من جهود أطراف كثيرة كانت تحاول تحقيق مصالحة أو سلام بين العرب والاسرائيليين، بالإضافة إلى أن تلك الاعترافات وقرارات المحاكم الدولية، والتقارير الدولية بأن هناك تهجير قسري وإبادة جماعية، ومحاولة للقضاء على الهوية الفلسطينية، قد تم تثبيته وإقراره على المستوى الدولي.

كل هذه أمور يجب البناء عليها للضغط بخطوات محددة، ومطالبة تلك الدول، طالما أنها اعترفت بدولة فلسطين فيجب أن يتم التعامل مع أراضيها على حدود 1967، ويجب محاسبة إسرائيل على تجاوزتها في هذه الساحات وضد هذا الشعب الفلسطيني، وهذا الإجراء من دول العالم كافة، بما فيها العربية.

هجوم الدوحة يغير خريطة التحالفات.. و"الناتو العربي" يجب أن يتجاوز العامل العسكري

بعد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة.. هل بدأت العرب بالتفكير في إعادة تشكيل خريطة التحالفات؟

أعتقد أن هذا التفكير سبق أحداث الدوحة بالتحديد، إنما حدث الدوحة وضع خطوط حمراء جديدة مرة أخرى، وأكد على أن السياسة الإسرائيلية منذ 8 أكتوبر قائمة على أن تل أبيب لها اليد العليا في استخدام القوة في أي مكان بالمنطقة دون حساب للعواقب، وحسب الهوى والتقدير الذاتي الإسرائيلي، فقصف قطر (الدولة الوسيطة في المفاوضات) الهدف منه إرسال رسالة للجميع، العدو قبل الصديق، بأنه ليس هناك طرف محصن.

برأيك.. ما مصير اتفاقيات أبراهام؟ وما مستقبل التطبيع مع تل أبيب في ظل انتهاكاتها الواضحة؟

أؤكد أن أكبر عدو لسمعة الإسرائيلية هي إسرائيل، بتصرفاتها، وواقع الأمر على سبيل المثال، أنه قبل أحداث غزة كان هناك توجه أمريكي إسرائيلي للسعي للتطبيع مع المملكة العربية السعودية، ولكن بعد هذه الأحداث ومع كل محاولة لضم أراضي في الضفة الغربية منذ ما يزيد عن سنة، وصولا للإعلان الأخير بالموافقة على مشروع (E1) في الضفة، بالتأكيد لم يعد لهذا الكلام أى أساس، إذ أبلغت الإمارات الجانب الإسرائيلي بأن ذلك خط أحمر.

أيًا كان اختلاف الرؤى، المطلوب سلام إقليمي، لو إسرائيل اليوم هتضم الأراضي وتقفل الباب على الدولة الفلسطينية بالكامل مع كل صعوبات الوصول ليها، ناهيك عن الاعتداءات على الدول العربية في مجلس التعاون الخليجي، ففي النهاية كل دولة صاحبة قرارها، إنما بدون شك العنف الإسرائيلي بيعطل أى مسعى للسلام، أو تطبيع العلاقات، ولا يمكن أن يكون في النهاية كامل إلا في ظل السلام.

انتقدت الاعتماد المبالغ فيه من العرب على أطراف أخرى.. ماذا ينقص العرب لتشكيل قوة قادرة على التأثير في المعادلة العالمية؟

نعم من الخطأ الاعتماد المبالغ فيه على الآخر، الاعتماد المبالغ فيه على أي طرف، حتى الأصدقاء لأن هيكون فيه اختلاف في الأولويات بين الحين والآخر، وأؤكد أن العالم العربي في وسط العالم، لا يستطيع الانعزال، ولا بد أن يستفيد من موقعه الجغرافي سياسيًا واقتصاديًا واستراتيجيًا في علاقاته مع الدول، على سبيل المثال أغلب الممرات التجارية القائمة حاليًا في التجارة الدولية، تمر من البحر المتوسط، أو قناة السويس، أو خليج هرمز أو باب المندب، فإذًا، كل هذه مناطق مرتبطة بالعالم العربي، وهذا الجانب التجاري فقط.

عند الاعتماد على طرف من خارج المنطقة الحسابات تصبح غير متوازنة، ولا يمكن أن نعول على العالم، حتى تكون أولوياتي هي المقام الأول، وليس أولويات الطرف الآخر، إذًا لا بد أن أمتلك قدرات ذاتية تسمح لي بالتحرك، ولدينا ثراء عربي و ثروات بترولية وثروات إنسانية وقدرات عسكرية في بعض الدول العربية.

ولكن المهم، أولا لا بد أن أمتلك كيان ذاتي للاعتماد على النفس، وثانيًا أدعم ذلك بعلاقات إقليمية، وثالثًا لابد أن يكون التحرك في إطار نظام دولي، لأننا جميعًا دول متوسطة أو صغيرة، ولا أستطيع أن أأمن نفسي بالكامل إلا في إطار منظومة دولية مبنية على القانون الدولي، إذًا هناك ثلاث محاور هامة جدًا لما يسمى التأمين والقوة، محور وطني، محور إقليمي، ومحور دولي.

في ظل الحديث عن القوة العربية، كيف ترى فكرة "الناتو العربي"؟

طبيعي أي تعاون عسكري أمني، سيُدعم من أغلب الدول العربية، بدون شك إذا قدرنا ندعم هذا التعاون سيكون مفيد، إنما رؤيتي أن مسألة القوة يجب أن تتجاوز العامل العسكري إلى الجانب السياسي، بمعنى أن يكون هناك تعاون عسكري، مبني بالأساس على قوة سياسية، لأن الجانب العسكري هو أداة لتحقيق غرض سياسي، وليس العكس.

إذًا أنا لا أتحدث فقط على القدرة العسكرية، بالنسبة لي القوة هي قوة سياسية، معتمدة على عمود اقتصادي، وعمود عسكري وأمني، ثم عمود يشمل كل الاعتبارات التي تدخل في المعادلة السياسية والأمنية الخاصة بكل طرف، فالقوة تتجاوز مسألة الجانب العسكري، وأؤكد أنها تعتمد على ثلاث محاور يجب تنميتها وتغذيتها: (محور وطني، محور إقليمي، ومحور دولي).

نبيل فهمي في حوار لمصراوي

الأمم المتحدة باتت أقل فاعلية.. والساحة الأمريكية سيعاد تشكيلها ولن تستقر قبل عشر سنوات

الرئيس الكولومبي انتقد دور أمريكا ودعا لنقل مقر الأمم المتحدة.. هل تكون نهاية الهيمنة الأمريكية؟

اللي سبق رئيس كولومبيا في ذلك هو ترامب نفسه، حينما تحدث عن أمريكا كقوة وثراء وليس أمريكا كدولة رائدة للمجتمع، لم يتحدث عن أمريكا كالعمود الفقري للنظام الدولي، أو من منطلق مسئولياتها تجاه المجتمع الدولي مقابل ما تستفيد منه، فأمريكا هي أكثر دولة في العالم تستفيد من العولمة الاقتصادية، والعولمة السياسية والعسكرية، أكثر دولة في العالم لديها قواعد أجنبية خارج حدودها، وهي الأوسع انتشارًا في العالم عسكريًا وبحريًا.

إذًا أراد ترامب أن يتجه نحو الانعزالية، فهذا بالتأكيد سيقلل من دور الولايات المتحدة، وبالنسبة لموقف رئيس كولومبيا فهو رد فعل لتصريحات ترامب وليس العكس، وأنا الحقيقة مع التعددية، ولست مع الاستقطاب، ولا أميل إلى أن نضع كل المسئولية على أمريكا، إنما بدون شك هي عليها مسئولية رئيسية فهي أكبر وأغنى الدول في العالم، لأن الانعزالية حتمًا في النهاية ستضر بالجميع.

رغم الإدانات الدولية لإسرائيل.. الأمم المتحدة لم تتخذ قرارً فعليًا فهل يكون ذلك مؤشرا لانتهاء تأثيرها عالميًا؟

أولًا الأمم المتحدة لها جانب سياسي ومع انكماش التعددية السياسية هذا الجانب أصبح أقل فاعلية، وأكبر دليل على ذلك عدم قدرة مجلس الأمن في إصدار قرارات تؤثر في حل المنازعات خاصة بغزة أو بأوكرانيا، فالجانب السياسي بدون شك بدأ يفقد مصداقيته بشكل متزايد، ثانيًا الأمم المتحدة بمؤسساتها لها مجهود وإسهامات كبيرة جدًا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وهذا الخطر الآن سببه أن عدد من الدول على رأسها أمريكا وترامب بالتحديد، تشكك في أننا عالم واحد أو أن هناك قضايا عالمية.

والدليل على ذلك حديث ترامب عن الهجرة وتأكيده بأن أفضل الحلول هو معالجة مشاكل المهاجرين على أرضهم، في حين أنه في غزة هو مّن اقترح التهجير، وهذا غير منطقي، كما أنه انسحب من اتفاقية تغيير المناخ، وهدد بالانسحاب من اليونسكو، ويريد أن من الإطارات المتعددة الأطراف، وبدون شك، الأمم المتحدة بغير أمريكا ستكون أضعف لكن لا يمكن للأمم المتحدة التي تمثل العالم أن تنساق خلف توجه دولة واحدة وخاصة أنه توجه خاص بترامب إلى درجة كبيرة.

ترامب يتجه نحو الانعزالية.. والشباب الأمريكي قادر على التأثير في العلاقة المستقبلية مع إسرائيل

كيف يتعامل ترامب مع العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط؟

ترامب في رأيي هو أعراض المشكلة وليس المشكلة في حد ذاتها، فانتخابه للمرة الثانية يعكس أن هناك مشكلة في أمريكا أكبر من ترامب ذاته، وهناك عدم ارتياح في الساحة المجتمعية الأمريكية، ووجود شعور سلبي بأن هناك هيمنة من أصحاب القوة والنفوذ والثراء على حساب الطبقة الوسطى والأقل ثراء، وهنا يبرر ترامب أن المشكلة أكبر منه وأنها بسبب بقية العالم وسياسات الحزب الديمقراطي.

ثانيًا، ترامب يعلن مرارًا أنه يستطيع حل المشاكل وحده، وواقع الأمر أنه حتى المشاكل التي زعم حلها لم تحل رسميًا لعل أبرز مثال حديثه عن إنهاء سبع حروب، هو بيعلن دائما أنه مقاول ناجح، يستند إلى المادة، والقوة، والثراء، ولم يشير مرة أنه يعتمد على القانون، أو الحق أو الباطل، وبدون شك ممارسته فيها قدر من التعامل الخشن مع الأخرين، ولابد للآخر أن يكون على استعداد باتخاذ موقف، مش بالضرورة الدخول في صدام، إنما في منطقتك لو لم تتخذ موقف ستجد الأزمات تلاحق الجميع، في حين لو اتُخذ موقف جماعي، لن يستطيع هو تجاوزه.

في ظل سياسة ترامب التصعيدية.. كيف ترى مستقبل أمريكا ما بعد ترامب؟

الساحة السياسية الأمريكية سيجري إعادة تشكيلها ولن تستقر قبل عشر سنوات، لأنه ترامب سيستكمل 3 سنوات وسيُنتخب رئيس جديد، وخلال السبع سنوات القادمة سنرى هل أمريكا تسير في اتجاه معين جديد مستقر؟ أما ما زالت تتخبط؟، فإذًا من 7 لـ10 سنوات على الأقل حتى نصل لنتيجة، وبالتأكيد اضطراب أمريكا يعني اضطراب العالم أجمع.

ما تقييمك للعلاقات المصرية الأمريكية الحالية؟

أمريكا دولة عظمى شئنا أم أبينا، بإيجابياتها وسلبياتها، مؤثرة في الساحة، والعلاقة بينها وبين مصر ضرورية ولكنها غير مريحة، إذًا علينا دائمًا أن ندرس كيف نتعامل معها، إيجابيًا وسلبيًا، وأنا موقفي دائمًا التعامل بالمبادرة، خاصة في الساحة الشرق أوسطية، يعني لا أترك أبدًا الدولة الكبرى هي اللي تتحرك أولًا، لأن ذلك يجعلني في موقف الدفاع عن نفسي وليس في موقف المبادر، والدول الكبرى رغم قوتها وقدرتها، لديها اهتمامات دولية متعددة.

مصر من الدول المهمة جدًا والمؤثرة إقليميًا، ونتعامل مع أمريكا بقدر ما يحقق المصلحة المصرية، وما يحكم العلاقة هو المصلحة المصرية، وأحيانًا لابد يكون فيه توتر مثل ما حدث بسبب قضية تهجير الفلسطينيين، ولكن كل طرف مؤثر في الساحة، ومصر مؤثرة إقليميًا على المدى الطويل، وقد يكون في لحظة معينة أمريكا تأثيرها أكثر لحظيًا، إنما على المدى الطويل مّن يؤثر في توجه الشرق الأوسط أكثر هي الدول الإقليمية، "هل أقدر أخلص من غيرهم؟ أحيانًا لأ.. إنما هو ما يقدرش يبتدي من غيري".

هل هناك تباين في تعامل ترامب في ولايته الأولى والثانية مع مصر؟ وهل تُستخدم المساعدات العسكرية كأداة ضغط؟

لا أرى فرقًا كبيرًا، إنما الفترة الأولى كان علاقة تحرك تكتيكي، في حين إن فترة ولايته الثانية تزامنت مع المحاولات الإسرائيلية لإعادة تشكيل المنطقة بالكامل، فالتحدي هنا أكبر من العلاقة الثنائية بين مصر وأمريكا، وفي اعتقادي أن ترامب من ناحية مؤيد لإسرائيل، إنما من ناحية أخرى لا يميل للمشاركة الأمريكية الضخمة على الأرض، ولا يدفع ثمن سياسي كبير لشيء ليس له مصلحة مباشرة فيه، وأول ما يتم معارضة أفكاره، وده اللي حصل عندما طرح موضوع ريفيرا الشرق الأوسط، وجد معارضة شديدة من مصر والأردن، رد فعله الأولي كان سلبي، ولكن مع التحرك بيحصل توتر وشد وجذب، وكل طرف بيحسب حساباته.

في مراحل معينة من التوتر، ترامب هدد بوقف المساعدات، لكنه لم يفعل وقد يلجأ لذلك، إنما في تقديري إنه لو عملها بيخسر أكثر مما يستفيد، لأنه في النهاية عايز استقرار في المنطقة، وأؤكد أن المبادرة لصاحب الإقليم من داخل الإقليم في أغلب الوقت، وليس رد الفعل للغير، وعند التعامل مع أي طرف يكون الاعتماد على النفس أولا ثم على المنطقة ثم المستوى الدولي، وحينها سيكون لديك مرحلة وهامش للمناورة.

ما قصتك مع المناصب المستحدثة، كنت في مكتب النائب الثاني للرئيس السادات (مبارك حينها)، ثم عملت أول وآخر مستشار سياسي لوزير الخارجية، وأسست كلية الشؤون العالمية بالجامعة الأمريكية 2009، وأخيرًا استحدثت منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون دول الجوار، فترة توليك الوزارة؟ هل ذلك محض صدفة أم حب المغامرة؟

أولًا أشكرك على السؤال وهو سؤال معقد، والحقيقة إن دراستي كانت فيزياء ورياضة، ثم حصلت على ماجستير إدارة أعمال، وكان دائمًا لدى فضول أن أفهم أمور مختلفة، ومهتم دائمًا بالخطوة التكتيكية، إنما لا أنسى أبدًا التوجه الإستراتيجي، وقد يكون ذلك لأمرين، أولًا من دراسة الطبيعة والرياضة، دائمًا تفكر في النظرية، وثانيا قد تكون من تربية الوالد، وفي النهاية قد يكون السبب هو الفضول من ناحية، ومن أخرى تعليم، ومن ناحية ثالثة تجربة.

ما هو المنصب الذي قد تحتاجه مصر دبلوماسيًا الآن في الأوضاع الحالية؟

الحديث عن الدبلوماسية المصرية أمر صعب لأنها في النهاية عائلتي وكياني الذي انتميت إليه لمدة طويلة، ومتطور مع الزمن ويجب أن يستمر في التطوير، وأعتقد أنه يجب التواصل المستمر مع الشعب لاطلاعه على التحركات، ولا أقصد بالضرورة التصريحات، لأن الوزير يدلي بتصريحات دقيقة ومهمة، وهذا التواصل موجود ولكنه يحتاج للتعزيز، كما يجب تطوير وتشجيع التفكير المستقبلي، (وجود كوادر دبلوماسية تستطيع التفكير برؤى مستقبلية أعمق)، وقد يكون جزء من هذا التفكير خاطئ ولكن الجزء الصحيح سيكون مفيد بشكل كبير.

كيف ترى التحركات المصرية بالقارة الأفريقية في السنوات الأخيرة؟

بدون شك هناك اهتمام مصري متزايد بالقارة الإفريقية، وهناك تقدير متنامي أنه المصلحة المباشرة هي مع دول الجوار القريب والأوسع بعض الشيء، وأعتقد أن الوزير بدر عبد العاطي بناء على توجيهات من الرئيس السيسي ينتشر أفريقيًا بشدة، وبالتحديد في منطقة شرق أفريقيا، وكذلك الاهتمام بموضوع أزمة سد النهضة، فضلًا عن أن الوضع الإقليمي الشرق أوسطي يحظى الآن بمزيد من الاهتمام حتى البحر الأحمر وباب المندب، فهناك اهتمام متزايد، ولكن مهما كانت التحركات، مطلوب المزيد أفريقيا، لأن في النهاية هناك 56 دولة.

ما هي الإجراءات التي يمكن أن تلجأ إليها مصر بعد إعلان إثيوبيا رسميًا إفتتاح السد؟

هذه إجراءات سياسية حكومية لا يمكن التنبؤ بها، ولكن بدون شك على الإطلاق الدولة المصرية ستتخذ كافة الإجراءات السياسية والقانونية المتاحة، لضبط الأمور دبلوماسيًا وسياسيًا أولًا، وكما ذُكر على لسان الوزير بدر وعلى لسان الرئيس السيسي، أن مسألة المياه بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت ولا يمكن أبدًا التنازل أو التغاضي عنها.

لن يكون هناك استقرار في المنطقة بدون علاقات خليجية إيرانية مستقرة

دُعيت لحفل عشاء مع الوزير الإيراني أثناء زيارته لمصر.. ما كواليس اللقاء؟ وما رؤيتك لعلاقة البلدين؟

أولًا المبعوثين الإيرانيين زاروا مصر عدة مرات قبل ذلك، وفي هذه الزيارة بالتحديد (2 يونيو 2025) الوزير عراقجي قابل الرئيس السيسي والوزير عبد العاطي، ثم دعانا السفير على العشاء للنقاش مع الوزير، وكان الحقيقة عشاء مفيد، استمعنا من الوزير الإيراني لعرض مواقفه، بشكل هادئ وموضوعي، ثم بعد ذلك حدث القصف الإسرائيلي على إيران، وأعتقد هذا كان مفاجأة بعض الشيء للجانب الإيراني، لأنه كان على مشارف لقاء أمريكي إيراني في عمان.

أولًا مصر لا ترى أن استخدام القوة في الشرق الأوسط سيحقق مصلحة أي طرف، وترى أن هذا تيار متنامي خطير له تداعيات على المدى الطويل، هذا أول شيء، ثانيًا مصر لا تؤيد انتشار السلاح النووي في المنطقة، بما في ذلك في إيران، إنما الحل ليس في استخدام القوة، ولا في تطبيق معايير مزدوجة، وأكبر طرف خارج منظومة الانتشار النووي الدولي في المنطقة هو اسرائيل، بل الطرف الوحيد في الشرق الأوسط الذي ليس عضوًا في معاهدة انتشار الأسلحة النووية حتى الآن.

مصر بذلت جهد مشكور ونجحت في الوصول إلى اتفاق بين إيران ووكالة الطاقة الذرية لاستئناف العلاقة فيما بينهم، وهذا الجهد الحقيقة يحسب لوزارة الخارجية المصرية، وأرحب به جدا، وهناك رغبة مصرية في تهدئة الأمور، ومنع استخدام العنف وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وأعتقد أن العلاقة في تنامي، إنما هي حتمًا تتأثر بما يدور حولها.

كيف ترى علاقة إيران بالشرق الأوسط؟

هناك اهتمام كبير من إيران في الأونة الأخيرة، للتهدئة مع دول الخليجية، والاتفاق الذي أُبرم في الصين بين بين السعودية وإيران، تحت غطاء ورعاية صينية كان مفيد جدا، ولكن المفاوضات كانت بطيئة بعض الشيء، وأعتقد أنها كانت تحتاج للإسراع بعض الشئ لأننا ما زلنا نحتاج لمزيد من الحركة والتركيز.

ولن يكون هناك استقرار في المنطقة بدون علاقات خليجية إيرانية مستقرة، وأيضًا بدون علاقات تركية عربية مستقرة، ناهيك عن سلام عربي إسرائيلي ودولة فلسطينية، فكلما نمت إيران علاقتها بالدول العربية والخليجية كل ما كان ذلك مفيد للمنطقة.

على الرئيس الجولاني أن يتحول من مجاهد إلى رجل دولة

رؤيتك للأوضاع في سوريا.. وهل الشرع قادر على احتواء الأزمات خاصة في السويداء؟

من الواضح أن الجانب المصري يريد استقرار الدولة الوطنية السورية المتاحة لكافة الأطياف السورية، ولا يمانع من دعم هذا الجهد على الإطلاق، ولكن نقدر أيضًا العديد من المشاكل الموجودة، ونتابعها باهتمام، ولنا اهتمامات أمنية وسياسية على التوجهات، ونتابعها بعناية، ولكن بالتأكيد نؤيد الدولة الوطنية السورية، ومن المؤشرات على ذلك أن وزير الخارجية التقى بوزير الخارجية السوري في نيويورك مؤخرا، والدليل في الأفعال وليس بالأقوال، ويجب على الرئيس الجولاني أن يتحول من مجاهد إلى رجل دولة يجمع كل السوريين، وهذا تحدي كبير.

هناك تقارير عن اتفاق أمني بين إسرائيل وسوريا.. كيف ترى ذلك؟

هناك تضارب كبير في التقارير في هذا الشأن، ولكن الاتفاق الأمني في الأساس، تريد إسرائيل استغلاله ليكون اتفاق أمني تطبيعي، في حين اعتقادي بأن الموقف السوري، هو اتفاق لمنع الأزمات الأمنية، لأنه بالإضافة إلى الأزمات الأمنية هناك توغلات إسرائيلية جديدة، وضرب المطارات، فضلًا عن احتلال أرض ما بعد الجولان، في جبل الشيخ، وبالتأكيد هناك أمور كثيرة معلقة في هذه الأمر، إنما المعلن أن هناك رغبة سورية حتى في تجنب الأزمات الأمنية تمهيدًا للتفاوض على العلاقات بين البلدين.

وطالما لم يوجد تقارير رسمية في هذا الشأن لا يمكن التعليق باستفاضة، ولكن الأكيد أنه مع وجود الاحتلال تنعدم فرص السلام، وطالما كان استخدام العنف غير مبرر بدلًا من الدبلوماسية، لن تكون هناك علاقات حسنة بين دول الجوار.

كيف ترى دور الدبلوماسية الناعمة في تشكيل صورة مصر عالميًا ودوليًا؟

في رأيي أنه أقوى أداة سياسية لمصر وأهم عنصر من عناصر القوة المصرية، هو القوى الناعمة (الثقافة والحضارة والمعلومات)، وإذا عدنا لعقود ماضية، كان كل مواطن عربي عنده قصة أستاذه العربي المصري، أو حتى الفيلم المصري اللي شافه، خاصة إن 25% من المجتمع العربي ساكن في مصر، فمن الطبيعي أنه يكون عندك قوة ناعمة أكثر، أو من المفترض ومن الطبيعي ومن المطلوب، أن يبقى عندك قوة ناعمة أكثر من أي دولة أخرى.

وعلى سبيل المثال، في كل الدول العربية عدا الناشطة اليمنية، الدولة العربية الوحيدة التي حازت بجوائز نوبل، كانت مصر، وحصلت عليها في العلوم والأدب والسلام، "فأنت مش بس في السلام، أنت أيضًا في العلوم والأدب".

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان