إعلان

بعد 18 عامًا.. "أموال الدم" تنغص حياة أرملة ضحية في هجمات 11 سبتمبر

02:48 م الأربعاء 11 سبتمبر 2019

هجمات 11 سبتمبر

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – إيمان محمود:

في الذكرى الثامنة عشر من هجمات 11 سبتمبر، نشرت مجلة الـ"تايم" الأمريكية، قصة لم تروَ من قِبل عن أحد ضحايا البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي، يُدعى شيمبو، والذي كان ضمن المهاجرين غير الشرعيين الذين ذهبوا للبحث عن حياة أفضل في نيويورك.

في مدينة كوينكا ذات الكنائس المتعددة، الواقعة على ارتفاع 8000 قدم فوق مستوى سطح البحر في جبال الإكوادور، نشأت آنا سوريا، منذ طفولتها مع لويس ألفونسو شيمبو، حيث كانت عائلتيهما تقومان بصنع أطباق الأرز المخلوط مع لحم الخنزير المقلي في شوارع المدينة خلال العطلات.

وفي عام 1988، بعد أن تزوجت آنا من شيمبو، الذي سافر للعمل في نيويورك لبضع سنوات قبل أن يعود إلى الإكوادور لإحضارها إلى أمريكا، ليعيشا في حي كوينز مع ابنهما، حيث كان شيمبو يعمل في أحد المطاعم المحيطة بمركز روكفلر، لكنه كان يبحث عن فرصة عمل أفضل، بحسب مجلة التايم.

آنا سوريا زوجة شيمبو

وفي عام 1996، تغيرت حياة شيمبو عندما ساعده أحد أصدقائه في الحصول على وظيفة أحلامه، إذ عمل في قسم الاستلام المسؤول عن جميع المواد الغذائية والمشروبات الكحولية والمؤن اللازمة لمطعم "ذا ويندوز أون ذا وورلد" الواقع في الجزء العلوي من البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي.

كان شيمبو يبلغ من العمر أربعة وثلاثين عامًا، لكنه كان يتصرف كصبي صغير حصل على لعبة أرادها دائمًا، فكان لا يتوقف عن الابتسامات العريضة.

آنا وشيمبو كانا يأملان في فتح مطعمهما الخاص في يوم من الأيام والآن بدا الأمر ممكنًا، وخططت آنا للذهاب إلى مدرسة الطهي، فيما بدأ شيمبو بمجرد استلامه العمل، إظهار مهاراته في التجارة وشراء الخضروات والفاكهة.

وفي عام 2001، تمت ترقية شيمبو إلى منصب إداري، وفي شهر أغسطس من العام ذاته اضطر لأخذ إجازة من العمل بعد أن تعرضت آنا زوجته للإجهاض، فظل يراعيها حتى يوم عودته إلى العمل، والذي وافق 11 سبتمبر.

ففي الساعة الخامسة من صباح يوم 11 سبتمبر، بدأ شيمبو يستعد للذهاب إلى عمله، في العادة كان يقبل زوجته قبل الرحيل، لكن ليس هذا الصباح، غادر شيمبو بهدوء في حوالي الساعة الخامسة والنصف، وبينما بدأ يتحرك بسيارته بعيدًا عن المنزل، استيقظت آنا وذهبت إلى النافذه وقالت: "وداعًا يا حبيبي".

لويس ألفونسو شيمبو

افتُتح مطعم "ويندوز أون ذا وورلد" في عام 1976، في الطابق رقم 107 من مركز التجارة العالمي، وسرعان ما تحول من مجرد مطعم إلى أيقونة مُحببة على رأس ناطحة السحاب الأكثر شهرة في العالم، بحسب المجلة الأمريكية.

وقالت التايم، إن المطعم ساهم في تحويل كراهية مركز التجارة العالمي إلى حب، مما جعله جزءًا أساسيًا من هوية المدينة، فعلى حد تعبير جاي توزولي، رئيس جمعية مراكز التجارة العالمية، فإن ويندوز حوّل مدينة نيويورك من النظر إلى المركز التجاري باعتباره وحشًا في وسط المدينة إلى شيء كان ملكهم".

وأضافت التايم، أنه في عام 2001، كان ويندوز هو أهم مطعم في البلاد، إذ أصبحت وجهة الضيوف من خارج المدينة التي لا بد من مشاهدتها، وهي نقطة مناسبة خاصة لسكان نيويورك وشريان حياة لمئات ومئات من المهاجرين، والذين كان بعضهم غير شرعيين مثل شيمبو.

كان من بين العاملين في ويندوز أون ذا وورلد، 400 عامل بالإضافة إلى المهاجرين من أكثر من عشرين دولة، في الحادي عشر من سبتمبر، كان شيمبو واحدًا ضمن 73 موظفًا لقوا حتفهم في ويندوز، إلى جانب 6 رجال كانوا يعملون في تجديد المطعم، بالإضافة إلى زبائن المطعم الذين بلغ عددهم 91 شخصًا، بحسب التايم.

ترى المجلة أنه لا يوجد شيء يمكن أن يخفف كل آلام 11 سبتمبر، مشيرة إلى أن الحادث جعل الجميع يتعاطف مع الضحايا والمدينة، كما اتخذ هذا التعاطف شكلاً ماديًا من خلال صندوق تعويض الضحايا، الذي تم توزيعه في عام 2004، عندما قرر المحامي المشهور كينيث فاينبرج والذي كان مسؤولاً عن الصندوق، أن حوالي سبعة مليارات دولار كان كافيًا لـ5560 شخصًا ممن تقدموا بالطلبات كجرحى أو أهالي متوفى.

وحدد فاينبرج صيغة الدفع لتستند جزئيًا إلى "حجم الخسارة الاقتصادية"؛ أي مقدار الدخل الي كان يمكن أن يحققه الشخص المتوفي في الهجمات خلال حياته، ما يعني أنه إذا كان يعمل أحدهم في غسل الاواني أو الطبخ فهو لن يرتفع أبدًا عن الحد الأدنى للأجور، بحسب المجلة التي تساءلت "ما الذي يقوله ذلك عن حقهم في السعي لتحقيق السعادة؟".

أكد مالك مطعم "ويندوز" ديفيد إميل، والشيف التنفيذي مايكل لوموناكو، لفاينبرج أن موظفيهم كان لديهم القدرة بالفعل على الصعود، بما فيهم شيمبو، الذي انتقل من كونه عاملاً إلى مدير في قسم الاستلام.

قال فاينبرج إن ضحايا ويندوز "كان لهم تأثير هائل" على تفكيره في توزيع الصندوق، ليس فقط لأن بعضهم كانوا من بين العمال ذوي الأجور المنخفضة لكن لأن حوالي عشرة منهم كانوا مهاجرين غير شرعيين، مثل شمبو.

وأضاف أن الصندوق كان مخصصًا لجميع ضحايا الهجمات، دون مسألة الجنسية، مؤكدًا: "فقط في أمريكا سيكون لديك برنامج تعويض سخي".

كانت آنا أيضًا في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، وخلال الأيام الأولى بعد 11 سبتمبر، كانت مترددة في طلب الدعم لنفسها وابنها البالغ من العمر 12 عامًا، بحسب المجلة التي نقلت قولها: "كنت خائفة، وكنت أفكر أنني ربما لا أستحق هذا الدعم لأن هذا لم يكن بلدي".

حاجة ابن آنا إلى دواء الربو، دفعتها للذهاب إلى مانهاتن وترك منزلها في كوينز، كانت كل هذه الضبابية مرعبة ومربكة لآنا، لكن المساعدة التي تلقتها: "كانت جميلة للغاية"، على حد تعبيرها.

نصب ضحايا 11 سبتمبر

في يونيو 2018، استقلت آنا القطار من كوينز إلى حوض المياه العاكس الموجود الذي تم حفره مكان برجي التجارة كنصب تذكاري لضحايا الهجمات، حيث تذهب آنا إلى هناك كل عام في 11 سبتمبر، لكن في ذلك العام قررت أن تذهب في ذكرى ميلاد شيمبو، فأحضرت وردة وبطاقة معايدة كتبت عليها "إلى حب حياتي، عيد ميلاد سعيد لك، مفاجأة، أنت لا تعرف أنني قادمة"، ثم وضعت البطاقة والورد على اسمه المطلي باللون البرونزي".

كان شيمبو، ضمن أكثر من ألف ضحية لم يتم العثور على رفاتهم، طلب شيمبو من آنا ذات مرة أنه إذا مات أولاً، تنثر رماده في المحيط، والآن هي تعتقد أن أمنيته تحققت عندما انفجر المبنى واختفى زوجها في الهواء فوق المحيط الأطلسي.

وقفت آنا صامته لساعات، كان الناس يأتون لقراءة البطاقة التي وضعتها، بعضهم يتأثر إلى حد البكاء، والبعض يضع يده على قلبه، أما هي خاطرت شيمبو قائلة "كل هؤلاء الناس جاءوا من أجل عيد ميلادك".

في عام 2016، حصلت آنا على البطاقة الخضراء بعد سنوات من المثابرة من قبل محاميها، وهي الآن تقوم بصنع "دولسي دي ليتشي"، وتشيز كيك، وحلويات الأخرى لأصدقائها وعائلتها، بما في ذلك ابنها، الذي أصبح مصورًا ومصمم جرافيك.

لا تزال آنا تعارض بشكل رهيب الأموال التي حصلت عليها، والتي تسميها "أموال الدم"، إنها تعذبها "كيف جاء تحقيق آمالها هي وزوجها في حياة أفضل على حساب حياته؟"، بحسب ما نقلته التايم.

مع اقتراب المساء في النصب التذكاري لمركز التجارة العالمي، كانت آنا تبحث عن لحظة يمكن أن تكون فيها بمفردها مع زوجها، حتى تتمكن من غنائه "عيد ميلاد سعيد"، لكن الناس استمروا في القدوم، حتى آتت أربع فتيات أمريكيات، وعندما قرأن البطاقة بأن في الغناء "عيد ميلاد سعيد".

صعدت آنا إليهن وقالت: "شكرًا جزيلاً لكن. شكرا"، سألها الناس عن الشخص الذي جاءت لزيارته"، فقالت لهم "إنه زوجي، كنت سأغني له"، فسألتها الفتيات إن كان بإمكانهن الغناء معها، أحبت الفكرة فغنوا وبكوا معًا.

شعرت آنا بالارتياح في تلك اللحظة، قائلة: "شعرت بالسلام في قلبي".

وختمت التايم "كبر جيل تقريبًا منذ 11 سبتمبر. لكن (ويندوز أون ذا وورلد) كان ولا يزال يجمع الناس لتبادل لحظات لا تُنسى في نيويورك".

فيديو قد يعجبك: