إعلان

أمريكا وإيران.. تهديدات ترامب "ضجيج بلا طحن"

08:09 م الأربعاء 21 أغسطس 2019

الصراع الإيراني الأمريكي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا أسامة:
تصاعدت حِدة التوترات بشكل مُتسارع بين واشنطن وطهران خلال الأشهر القليلة الماضية، لاسيّما بعد إسقاط إيران لطائرة استطلاع أمريكية مُسيّرة في يونيو. الخطوة الإيرانية دفعت الرئيس الأمريكية دونالد ترامب لإقرار خطة لتنفيذ هجمات على 3 مواقع إيرانية، غير أنه تراجع في اللحظة الأخيرة وقال إنه "لا يُريد حربًا مع إيران"، لتتحوّل تهديدات واشنطن إلى ما يُمكن تسميته بـ"ضجيج بلا طحن".

الصِدام الأمريكي الإيراني بدأ قبل نحو 4 أشهر، بعد أن هدّدت طهران بإثارة القلاقل في مياه الخليج مع إغلاق مضيق هُرمز الاستراتيجي، وهو ما ردّت عليه واشنطن بإرسال تعزيزات عسكرية إضافية إلى الشرق الأوسط، وإعادة انتشار قواتها في مياه الخليج وعلى أراضي دول خليجية لردع إيران عن أي محاولة للتصعيد العسكري.

واشنطن تتوعّد بمحو إيران : "سنرد بقوة صارمة"

رغم أن الولايات المتحدة وإيران تؤكدان أنهما لا يرغبان في نشوب حرب، إلا أنهما يتحرّكان بشكل تصادمي. ففي مايو الماضي، توعّدت واشنطن بالرد "بقوة صارمة" على أي هجوم إيراني.
وكثّفت واشنطن انتشارها العسكري بشكل كبير في مِنطقة الشرق الأوسط منذ 5 مايو الماضي؛ فأرسلت مجموعة حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" الضاربة ووحدة حربية من قاذفات القنابل، في تحرّك استنكره قادة إيران بوصفه "حربًا نفسية" واعتبروه استفزازا يهدف إلى جرّ بلادهم لصراع عسكري.

وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، حينها، إن الهدف من إرسال القوة العسكرية هو إيفاد "رسالة واضحة لإيران مفادها أن أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها سيُقابل بقوة شديدة".

وأوضح أن هذه الخطوة تأتي "ردًا على عدد من المؤشرات المزعجة والتصعيدية" من إيران، مشددا على أن الولايات المتحدة سترد "بقوة صارمة" على أي هجوم.
وتابع: "الولايات المتحدة لا تسعى لحرب مع النظام الإيراني، لكننا على أتمّ استعداد للرد على أي هجوم سواء من القوات الإيرانية النظامية أو الحرس الثوري أو وكلائها".
وفي حالة نشوب حرب، يقول الخبير في الشؤون الإيرانية، أمين سيكل، إن إيران لا تملك القدرة العسكرية الكافية لتمكينها من تحمل قوة النيران الأمريكية. كما رجّح في تقرير نشرته "منظمة بروجيكت سنديكيت" الدولية أن تُسارع الولايات المتحدة إلى تدمير المنشآت العسكرية الإيرانية، والمواقع النووية، ومرافق البنية الأساسية الرئيسية.

كما توقّع سيكل أن تجعل إيران أي هجوم عسكري أمريكي باهظ التكلفة لأمريكا والمنطقة، وربما يتمكن النظام الإيراني من إغراق بعض السفن عند أضيق نقطة من مضيق هرمز -حيث لا يتجاوز عرض خطوط الملاحة في كلا الاتجاهين 3.2 كيلومترا- في محاولة لخنق الملاحة عبره، بحسب قوله.

إيران تردّ: "استهداف ناقلات نفط"

استُهدِفت 6 ناقلات نفطية ومحطتيّ ضخ بترول سعوديتين، في 3 حوادث مُتفرقة، فضلا عن استهداف منشآت حيوية سعودية خلال شهريّ مايو ويونيو الماضيين. ووُجّهت أصابع الاتهام إلى إيران وطالبت الدول العربية المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم، فيما نفت الأخيرة ضلوعها في أيٍ من هذه الحوادث.
ففي 12 مايو تعرضت أربع سفن -هي ناقلتا نفط سعوديتان وثالثة نروجية وسفينة شحن إماراتية- لأعمال "تخريبية" قبالة سواحل الفجيرة في الإمارات. ووجّهت واشنطن والرياض أصابع الاتهام إلى طهران التي نفت بدورها أي مسؤولية. غير أن القيادة المركزية الأمريكية نشرت شريط فيديو وصورًا اعتبرها خبراء أمنيون "دليلًا موثوقًا على ضلوع إيران".

بعد يومين من حادث الفُجيرة، تم استهداف محطتيّ ضخ نفط تابعتين لشركة "أرامكو" السعودية بطائرات بدون طيار "درونز" مُفخّخة، حسبما أعلنت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس). وتبنّى الحوثيون، المدعومون من إيران، الهجوم الإرهابي، وأعلنوا عبر قناة المسيرة التابعة لهم استهداف "منشآت حيوية سعودية" بـ7 طائرات بدون طيار.
في 13 يونيو، هوجمت ناقلتا نفط تجاريتان في خليج عُمان، إحداهما يابانية والأخرى نرويجية، وحمّلت واشنطن ولندن والرياض السلطات الإيرانية مسؤولية الهجوم، وهو ما نفته طهران أيضًا، واعتبرت أن الحادث "يتعارض مع الجهود الإقليمية والدولية لخفض التوتر في المنطقة".

وفي حين لم يُعلن رسميًا ضلوع إيران في هذه الهجمات، رجّحت أنيسة تبريزي، الخبيرة الإيرانية بمركز أبحاث المعهد الملكي للخدمات المتحدة في بريطانيا أن "تكون إيران خلُصت إلى نتيجة مُفادها أن ما لديها لتخسره جراء التصرّف بهذه الطريقة، أقل من عدم قيامها بأي شيء".

وأضافت تبريزي، في حديث سابق عبر الهاتف إلى شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية أن "هُناك مقامرة لم تكن موجودة من قبل".
ووصفت هذه المُقامرة بالقول: "إذا حاولت دول أخرى الانتقام من طهران، ستُعلِن الأخيرة استعدادها للمُخاطرة لأنها لا تملك شيئًا لتخسره في هذه المرحلة"، مُعتبرة أن هذا النهج "خطير".

ذروة التصعيد: "إسقاط طائرة"

بلغ التصعيد ذورته يوم 20 يونيو الماضي، مع إسقاط إيران لطائرة تجسّس أمريكية من طراز "جلوبال هوك" فوق مياه مضيق هرمز، بدعوى "انتهاكها المجال الجوي الإيراني"، في هجوم وصفه الجيش الأمريكي بأنه "استفزاز غير مسبوق يقع لطائرة مراقبة أمريكية في المجال الجوي الدولي".
وقال عنه الرئيس ترامب إنه "خطأ كبير"، لكنه رجّح أن يكون نتيجة خطأ بشري تسبب به شخص "مُتسيّب أو غبي". الأمر الذي عدتّه هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تأكيدًا لتقارير سابقة من واشنطن بأن البيت الأبيض حريص على التخفيف من حِدة التوتر مع طهران.
بدورها قالت إيران إن الطائرة بدون طيار انتهكت المجال الجوي الإيراني، فيما نفى الجيش الأمريكي أن تكون إحدى طائراته المُسيّرة حلقت في السماء الإيرانية.

وقال قائد القوة الجوية في الحرس الثوري العميد امير علي حاجي زادة: "حذرنا الطائرة عدة مرات على مرحلتين، إذ أن لديها أنظمة تنقل المعلومات إلى محطاتها المركزية عندما يتم الاتصال بها، لكن للأسف لم يتم الرد من قِبلهم".

وأضاف: "وفي المرة الثانية، وجهنا تحذيرًا إلى الطائرة في الساعة 03:55، وعندما لم تكترث من الاقتراب من مياهنا الإقليمية، أجبرنا على إسقاطها في الساعة 04:05 فجرا".
وفي تصريح لاحق، برّر الرئيس الإيراني حسن روحاني الحادث بقوله إن "إيران لا تستهدف إلا المعتدين سواء كانوا في طائرة مسيرة أو طائرة أو سفينة". واحتفى بالأمر مُعتبرًا أن"إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة فن، وإسقاطها بصواريخ إيرانية فن ثاني، ورصدها بالرادارات الإيرانية فن ثالث، وإقفالها بالأنظمة الإيرانية فن رابع، وكل ذلك بإنجاز إيراني".

خطة مُلغاة: "قبل 10 دقائق من الضرب"

ولم تمر سِوى بِضع ساعات على إسقاط الطائرة، حتى كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن الرئيس ترامب وافق على خطة لتوجيه ضربة عسكرية لأهداف إيرانية، لكنه تراجع عنها بشكل مُفاجئ.

ونقلت الصحيفة عن عدد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب، الذين شاركوا في المداولات أو اطلعوا عليها، قولهم إن العملية كانت "في مراحلها الأولى" عندما أوعز الرئيس الأمريكي لجيشه بوقفها.
وأضافت أن هذه الضربات كان من المفترض أن تستهدف بطاريات صواريخ وأجهزة رادار إيرانية. ونقلت عن مسؤول في إدارة ترامب قوله إن إعداد العملية كان يسير بشكل جيد، حيث أقلعت الطائرات واتخذت البوارج الحربية مواقعها عندما قرر ترامب إلغائها قبل إطلاق أي قذيفة.

كما أشارت نيويورك تايمز إلى أن دبلوماسيين ومسؤولين أمريكيين بارزين كانوا في انتظار الضربات قُبيل الساعة السابعة مساء يوم 20 يونيو بتوقيت واشنطن (قبيل فجر يوم 21 يونيو بتوقيت الشرق الأوسط)، بعد مشاورات مُكثّفة أجراها ترامب مع كبار مستشاريه وأعضاء بارزين في الكونجرس بالبيت الأبيض.
بدوره أقرّ ترامب بأن الجيش الأمريكي كان مستعدًا "وبجهوزية كاملة" لضرب إيران، لكنه غيّر رأيه قبل 10 دقائق من الضربات المخطط لها، عندما قيل له إن 150 شخصًا سيقعون ضحايا لتلك الضربات.

وعزا ترامب سبب إلغاء الخطة في تغريدة عبر تويتر، جاء فيها: "أوقفت الغارة قبل 10 دقائق من موعد تنفيذها، لأن الرد لا يتناسب مع إسقاط طائرة بدون طيار". وتابع "لستُ في عجلة من أمري، جيشنا أُعيد بناؤه، وجديد، وعلى استعداد للمضي قدمًا".

تراجُع أمريكي حَذِر: "لا نريد حربًا"

بعد تراجعه عن ضرب إيران، أكّد ترامب أنه لا يريد حربًا معها، لكنه حذّر في الوقت نفسه بـ"محوها من الوجود" لو اندلع صراع بين البلدين.
وقال في مقابلة سابقة مع شبكة "إن بي سي" الأمريكي، إن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء مباحثات، غير أنها لن تسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية. وأضاف: "لا أسعى لحرب، وإن وقعت ستكون محوا لم تروه من قبل أبدًا. غير أنني لا أسعى إلى فعل ذلك".
وغرّد لاحقًا عبر تويتر: "أي هجوم من إيران على أي شيء أمريكي سيقابل بقوة كبيرة وكاسحة". وأضاف "في بعض المناطق كاسحة تعني المحو".

وكان أعضاء بارزون في الحزب الديمقراطي الأمريكي حذروا ترامب من مخاطر "الانجرار" إلى حرب مع إيران، بينهم تشاك شومر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الذي قال إن "ترامب ربما لا يعتزم الذهاب إلى الحرب، لكننا قلقون من أن ينجر هو والإدارة إلى حرب".
كما حضّت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، على خفض التصعيد مع إيران، قائلة "من المهم أن نبقى على تواصل مع حلفائنا وأن نقر بأننا لا نتعامل مع خصم مسؤول وأن نفعل كل ما بوسعنا لخفض التصعيد"، وفق بي بي سي.

بالتوازي، وقّع ترامب في 24 يونيو أمًرا تنفيذيًا بفرض عقوبات جديدة، استهدفت بشكل خاص، المرشد الأعلى خامنئي والعديد من القادة العسكريين، متعهدًا بمواصلة "الضغط على طهران حتى يتخلى النظام عن أنشطته وتطلعاته الخطيرة ".

بريطانيا تدخل على خط النزاع: "اعتراض ناقلة إيرانية"

في 4 يوليو، دخلت بريطانيا على خط النزاع بين واشنطن وطهران واعترضت ناقلة النفط الإيرانية "جريس 1" قبالة سواحل جبل طارق، اشتُبِه في اختراقها عقوبات يفرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا. وحذر الرئيس الإيراني حسن روحاني من عواقب هذه الخطوة.
وبعد أيام من الحادث، رفعت بريطانيا درجة التهديد للملاحة البريطانية في الخليج إلى حرجة. فيما أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن قوارب إيرانية تحاول احتجاز ناقلة نفط تابعة لها في المنطقة، وهو ما نفته إيران.

وأعلنت طهران أنها وجهت "رسالة تحذير" إلى البيت الأبيض، عبر السفارة السويسرية الراعية للمصالح الأمريكية في إيران، من تبعات احتجاز الناقلة الإيرانية التي غيرت اسمها إلى "آدريان داريا". وفي 10 يوليو، ردّت إيران باحتجاز ناقلة نفط ترفع علم بريطانيا خلال إبحارها في المياه الدولية بمضيق هُرمز، ثم جرى اقتيادها إلى ميناء بندر عباس.

وبعد أسبوعين على الحادث، نشر الحري الثوري الإيراني مقطع فيديو يوثق عملية الاحتجاز، ويتضمن نصّ المحادثات اللا سلكية التحذيرية بين القوة البحرية للحرس الثوري الإيراني والمدمرة البريطانية قبل احتجاز الناقلة.
وبحسب المقطع، قال الزورق الإيراني: "المدمرة البريطانية إف 236! هنا زورق القوة البحرية للحرس. أتحدث إليكم على القناة 08 البحرية. هل تسمعون صوتي؟"، وردت المدمرة البريطانية: "زورق القوة البحرية للحرس! هنا المدمرة إف 236".
وواصل زورق الحرس الثوري الإيراني خطابه للمدمرة البريطانية، قائلا: "المدمرة الحربية إف-236! هنا الزورق الحربي للقوة البحرية للحرس. ناقلة النفط (بريتيش هريتيج) تحت سيطرتنا. آمركم ألا تتدخلوا في مهمتي".

وبعد 5 أسابيع، أفرجت سلطات طارق عن الناقلة الإيرانية المحتجزة، وحذرت طهران واشنطن من معاودة احتجاز الناقلة مرة أخرى.

واشنطن تردّ على طهران: "إسقاط طائرة مُسيّرة إيرانية"

استمرارًا لمسلسل استهداف السفن، أعلنت إيران في 18 يوليو أنها احتجزت "ناقلة نفط أجنبية" وطاقمها المكون من 12 فردا، حيث كانت تقوم بـ "تهريب الوقود" الإيراني لسفن أجنبية في الخليج.

الأمر الذي ردت عليه الولايات المتحدة في اليوم نفسه بإسقاط طائرة مُسيّرة إيرانية فوق مضيق هرمز. وقال ترامب إن الطائرة الإيرانية اقتربت من السفينة الأمريكية "يو إس إس بوكسر" لمسافة تصل إلى 914 مترًا، ما دفع المدمرة لاتخاذ وضع دفاعي.
واعتبر أن تهديد المدمرة الأمريكية بطائرة مسيرة هو "أحدث الأعمال الاستفزازية والعدائية الإيرانية ضد السفن العاملة في المياه الدولية"، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تحتفظ بالحق في الدفاع عن موظفيها ومنشآتها ومصالحها.
ونقلت وسائل إعلام أمريكية عن مسؤولين في البنتاجون إن الطائرة الإيرانية المُسيّرة تم إسقاطها عن طريق "التشويش العسكري الإلكتروني".
لكن إيران وصفت ذلك بأنها "ادعاءات لا أساس لها"، ونفى وزير خارجيتها محمد جواد ظريف علمه بالحادث، قائلًا "ليست لدينا أي معلومات عن فقد طائرة مُسيّرة ".

فيديو قد يعجبك: