إعلان

حصن من الطين في الصحراء.. "طابية الدراويش" سر تاريخي في قلب الواحات - صور

كتب : مصراوي

10:27 ص 14/08/2025

تابعنا على

الوادي الجديد – محمد الباريسي:

في قلب الصحراء الغربية، حيث تتناثر واحات النخيل وتختبئ القصص القديمة بين حبات الرمال، تقف شامخة قلعة من الطوب اللبن، صامدة أمام عواصف الزمن ورياح النسيان.

إنها "طابية الدراويش"، الحصن المنيع الذي جرى بناؤه قبل قرون لحماية واحات الوادي الجديد من غارات وغزوات الجنوب.

على بعد 20 كيلومترًا جنوب واحة باريس، تقع هذه الطابية الفريدة التي لا تزال باقية من بين خمسة حصون جرى بناؤها في القرن التاسع عشر خلال فترة حكم الخديوي توفيق.

ويستعرض "مصراوي" تفاصيل رحلة تاريخية مثيرة، يكشف فيها عن الأسرار التي تحملها هذه القلعة المنسية، وكيف أنها لعبت دورًا حاسمًا في الدفاع عن مصر ضد هجمات "الدراويش" القادمين من السودان.

بداية الحكاية

تعود قصة طابية الدراويش إلى أواخر القرن التاسع عشر، عندما جرى بناء خمسة طوابي (حصون) في واحة باريس لحمايتها من الغارات المتكررة.

ويؤكد الخبير الأثري منصور عثمان، المتخصص في الآثار الإسلامية بالوادي الجديد، في تصريحات خاصة لـ"مصراوي"، أن القوات المصرية كانت تولي اهتمامًا كبيرًا لهذه الواحات باعتبارها خط الدفاع الأول عن مصر، وهو ما جعلها هدفًا لغزاة من جهات متعددة عبر التاريخ، من النوبيين إلى بربر جنوب الصحراء الكبرى.

وأوضح منصور، أنه في عام 1893م (الموافق 1310هـ)، وصلت طلائع من "الدراويش" قادمة من السودان بهدف استكشاف الطريق الموصل بين مصر والسودان عبر واحة باريس، والبحث عن إمكانية إقامة قاعدة عسكرية لهم هناك. وفي الأول من أغسطس 1893م، وصلت هذه القوات بالفعل إلى بلدة باريس، ما دفع الحاكم العسكري للواحة، اليوزباشي خليل حمدي أفندي، إلى تشييد هذه الحصون لصد هجماتهم المحتملة.

تفاصيل هندسية

من بين الطوابي الخمسة، لم يبقَ صامدًا بشكل كامل سوى واحدة، وهي التي تقع في قرية المكس القبلي جنوب واحة باريس، ويقول محسن عبد المنعم الصايغ، مدير الهيئة المصرية للتنشيط السياحي بالوادي الجديد، في تصريحات خاصة لـ"مصراوي"، إن هذه الطابية جرى بناؤها على مسقط مربع يضيق كلما ارتفع البناء.

وأوضح محسن، أن مساحة قاعدة الطابية تبلغ نحو 5x5 أمتار، وتضيق لتصل إلى 3x3 أمتار في الجزء العلوي، ويصل ارتفاعها إلى حوالي 10 أمتار، ما يجعلها موقعًا استراتيجيًا للمراقبة والدفاع. كما جرى بناؤها على مصطبتين من الطوب اللبن، ويمكن الوصول إلى المصطبة العليا عبر درجين سلم في الجزء الشمالي الغربي.

أما بخصوص هيكل البناء، فقد أشار خبير التراث الواحاتي رشاد كرار حسب، أحد جامعي التراث في واحة باريس ومن أشهر عائلات واحة باريس، في تصريحات خاصة لـ"مصراوي"، إلى أن الطابية جرى تشييدها من الطوب اللبن، وجرى تسقيف الطابقين بأعتاب خشبية من جريد النخيل محمولة على جذوعه وأفلاق الدوم.

ولفت إلى أن هذا الأسلوب المعماري الفريد، وإن كان له أثر سلبي لاحقًا بسبب تأثر الأخشاب بالنمل الأبيض، إلا أنه يدل على عبقرية المهندسين الذين استخدموا الموارد المتاحة في الصحراء.

وكشف كرار، أن الطابية جرى تسميتها بـ"طابية الدراويش" نسبة إلى هجمات الدراويش القادمين من السودان، والذين كانوا يغيرون على أهل الواحة لسلب خيراتها، مشيرًا إلى أن هذه الطوابي جرى استخدامها لاحقًا خلال العصر الملكي لمقاومة الثورات التي قاومت الإنجليز، ومن أشهرها ثورة عبد الله التعايشي.

ملحقات أثرية

لم تكن طابية الدراويش مجرد حصن للمراقبة، بل كانت مركزًا عسكريًا متكاملًا، ويؤكد الخبير الأثري منصور عثمان، مدير الآثار السابق بمركزي الخارجة وباريس، لـ"مصراوي" أنه جرى إلحاق بعض الوحدات المعمارية بالطابية لاحقًا، تضمنت حجرتين مستطيلتين من الطوب، ربما جرى استخدامهما كمستودع للأسلحة أو كثكنات للجنود.

وأوضح عثمان، أن الحجرة الأكبر يبلغ طولها 6.10 أمتار وعرضها 3.60 أمتار، بينما الحجرة الصغرى يبلغ طولها 1.50 متر وعرضها 1.30 متر، وكلاهما جرى تسقيفهما بنفس طريقة تسقيف الطابية الأصلية باستخدام أفلاق الدوم وجريد النخيل.

كنوز ثقافية وسياحية

تعد منطقة طابية الدراويش اليوم وجهة سياحية فريدة، حيث تجمع بين التاريخ والطبيعة الساحرة، هذا ما أكده فرحات شعيرة، خبير سياحي ووكيل هيئة تنشيط السياحة السابق ومن أبناء واحة باريس، قائلا : "تضم المنطقة العديد من المعالم الجاذبة للزوار من جميع أنحاء العالم، من أبرزها:

1- عين طابية: نبع ماء طبيعي غني بالمعادن، يروي عطش المسافرين عبر الصحراء.

2- جبل طابية: جبل شاهق يوفر إطلالة بانورامية ساحرة على المنطقة.

3- واحة طابية: واحة صغيرة خضراء مليئة بأشجار النخيل، تنبض بالحياة في قلب الصحراء القاحلة.

4- مغارة طابية: مغارة طبيعية كبيرة تزخر بالرسومات والنقوش الصخرية التي تعود لعصور غابرة، وتوثق حياة الأجداد في هذه المنطقة.

ورغم الأهمية التاريخية والثقافية لهذه المنطقة، إلا أن الخبير التراثي رشاد كرار، أشار إلى أن طابية الدراويش لا تزال خارج برامج الزيارات السياحية لوفود الوادي الجديد، مؤكدًا على ضرورة وجود دعاية إعلامية قوية للتعريف بتاريخ وتراث هذه المنطقة الواعدة.

وفي عام 2000، جرى تسجيل المنطقة بالكامل كمنطقة أثرية بقرار رقم 573، ما يفتح الباب أمام جهود الحفاظ عليها وتطويرها لتصبح وجهة رئيسية في الخريطة السياحية المصرية.

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان