"إيجيبت كلاي".. مشروع مصري يعيد للتربة الرملية أنفاسها (صور)
كتب – محمد الباريسي:
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
في سباقٍ محموم على حلولٍ "سحرية" تُنعش الصحراء وتُغدق عليها من الدعاية أكثر مما تمنحها من ماءٍ وحياة، برز مشروع مصري هادئ ومثابر شقّ طريقه بعيدًا عن الأضواء. مشروع "إيجيبت كلاي" لحقن التربة الرملية بالسلت والطين، أعاد طرح السؤال من جذوره: كيف تتحول الرمال إلى تربةٍ تُمسك بالماء والعناصر الغذائية وتمنح النبات فرصة عادلة للنمو؟
بدأت الفكرة عام 2013 داخل مركز بحوث الصحراء، وتحولت إلى تجربة علمية ناضجة غيّرت معادلة التعامل مع الأراضي الصحراوية، وكشفت أن "النانو كلاي السائل" ليس أكثر من بريقٍ سريع الزوال لا يصمد أمام اختبار الحقل.
من الفكرة إلى التجريب: البذرة الأولى عام 2013
تعود الشرارة الأولى إلى فريق بحثي داخل مركز بحوث الصحراء طرح سؤالًا بسيطًا وعميقًا: لماذا لا تُستعاد للتربة الرملية قدرتها على الاحتفاظ بالماء والعناصر الغذائية كما في أراضي الدلتا؟
تحولت الفكرة إلى بحثٍ تطبيقي عام 2014، ثم حصلت على دعمٍ تمويلي من مؤسسة "مصر الخير" عام 2017، لينطلق التنفيذ على أربع مراحل متتابعة جمعت بين المعرفة النظرية والخبرة الميدانية.
تقول الدكتورة دينا أحمد، أستاذ بمركز بحوث الصحراء، لـ"مصراوي": "اتفقنا منذ البداية على أن الاختبار الحقيقي يكون في الأرض لا في المعمل، وأن كل نتيجة لن تُعتمد قبل أن تُقاس ميدانيًا".
رحلة البحث عن الطين المصري
يوضح الدكتور علي عبد العزيز، رئيس المشروع، أن المرحلة الأولى ركزت على العثور على خامةٍ محلية آمنة وفعّالة.
بدأت فرق المسح عملها في بحيرة ناصر، لكن العمق الكبير (180 مترًا) وكلفة النقل العالية وتركيبة "الكاؤولينايت" غير المناسبة، دفعت لاستبعادها. كما أظهرت تحاليل نواتج تكريك الترع والمصارف تشبّعها بالملوثات وبذور الحشائش، فجرى رفضها بيئيًا.
الحل جاء من قلب الجيولوجيا المصرية: خامات طينية جافة منتشرة في الصحارى يمكن طحنها واستخدامها مباشرة. تم تحديد مواقعها على خريطة مصر الجيولوجية لإقامة خطوط إنتاج قريبة من مناطق الاستصلاح، بما يخفض الكلفة إلى أدنى حد.
"قادر 1".. التكنولوجيا تتكلم بالعربية
في المرحلة الثانية، تحوّل المشروع من توصيف الخامة إلى تصنيع الأداة. داخل مركز التنمية المستدامة لموارد مطروح، أُنشئ خط الإنتاج "قادر 1"، وهو أول منظومة مصرية لتحويل الصخور الهشّة إلى حبيبات سلت وطين قابلة للحقن في التربة.
زوّد الخط بوحدةٍ لاستخلاص الجزيئات النانوية من الطين (النانو كلاي)، في برهانٍ علمي على أن إنتاجها محليًا ممكن، لكن التجارب اللاحقة أثبتت أن الجدوى الزراعية ضعيفة وأن الكلفة مرتفعة.
يقول عبد العزيز: "القدرة على الإنتاج لا تعني الجدوى. النانو كلاي لم يثبت فعالية تبرر تكلفته، بل أحيانًا يضيف مشكلات للتربة".
"الحقن".. قلب الفكرة وسر الفاعلية
مع المرحلة الثالثة، وُلد التحول الأهم: تطوير تقنية حقن دقيقة تضخّ حبيبات السلت والطين إلى أعماق التربة بما يتناسب مع نوع المحصول — من 40 إلى 50 سم للمحاصيل الحقلية، وحتى 1.5 متر للأشجار.
بهذه الآلية يتم احتجاز مياه الري والعناصر الغذائية في نطاق الجذور، ما يقلل الفاقد ويزيد الكفاءة.
النتائج كانت لافتة:
توفير مياه الري بنسبة 50–60%
توفير الأسمدة بنسبة 35–50%
زيادة إنتاجية المحاصيل وتحسن التربة
وأوضح عبد العزيز أن منظومة الحقن توزّع الطين والسلت توزيعًا ثلاثي الأبعاد يمنع تكوين طبقات فاصلة ويعزز التهوية والصرف.
لماذا يفشل "النانو كلاي" في الميدان؟
كثّفت فرق المشروع تجاربها على "النانو كلاي السائل" الذي يُروَّج تجاريًا كحلٍ سريع. النتيجة: الجزيئات الدقيقة تُغسل بسهولة مع مياه الري، وتكوّن أحيانًا طبقةً صمّاء تعيق الصرف وتضر بالجذور.
تقول الدكتورة دينا أحمد: "لهذه الأسباب استبعدناه من نطاق التطبيق، فالنتيجة تشير إلى حلٍ سريع الزوال مرتفع الكلفة محدود الأثر، بينما يحتاج الاستصلاح الصحراوي إلى أثرٍ مستدام بتكلفةٍ عقلانية".
التخصيب والبراءات
في المرحلة الرابعة، انتقل المشروع من تحسين القوام إلى بناء تربةٍ مخصبة.
جرى إغناء حبيبات السلت والطين بالعناصر الغذائية الطبيعية ونواتج تحلّل المخلفات الزراعية، لتنتج ثلاث تركيبات بيئية سُجلت كـ براءات اختراع لدى أكاديمية البحث العلمي.
بهذه الخطوة، زادت قدرة النظام على معالجة مشكلات الملوحة والقلوية وتثبيت الكثبان الرملية في المناطق المهددة بالتصحر.
وأضافت دينا أحمد: "اختبرنا التركيبات في بيئات متعددة، وكانت النتائج ارتفاعًا في كفاءة استخدام الماء والغذاء وانخفاضًا في الكلفة التشغيلية".
منهج واقعي وكلفة قابلة للاستدامة
يوضح مدير المشروع أن الفارق بين "إيجيبت كلاي" و"النانو كلاي السائل" ليس تقنيًا فقط بل منهجيًا.
الأول يستند إلى خامات مصرية وتكنولوجيا واقعية منخفضة الكلفة، تُنتَج بالقرب من مناطق الاستصلاح لتقليل النقل.
أما الثاني فيعتمد على مواد مستوردة مرتفعة الثمن تتلاشى آثارها سريعًا.
ماذا تعني الأرقام للمزارع؟
يلخص عبد العزيز المعادلة ببساطة: "ماء أقل، سماد أقل، محصول أكثر، وتربة أكثر توازنًا".
توفير 50–60% من مياه الري يعني دورات ريّ أقصر وكلفة تشغيلٍ أدنى، وتوفير 35–50% من الأسمدة يعني عبئًا ماليًا أقل وأثرًا بيئيًا أنظف، فيما تعني الزيادة الإنتاجية ربحًا مباشرًا يبرر الاستثمار الأولي.