"كارثة دبلوماسية".. كيف علّق الإعلام العبري على الاعتراف الدولي بفلسطين؟
كتبت- سهر عبد الرحيم:
الاعتراف بدولة فلسطين
أثار الاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطين، بقيادة دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا وكندا، عاصفة من الجدل في إسرائيل، حيث انقسمت ردود الفعل بين تحذيرات من "كارثة دبلوماسية" ومطالبات بردود قاسية قد تصل إلى الضم.
وسلطت الصحف العبرية الضوء على المعضلة التي يواجهها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بين ضغوط داخلية للرد بعنف، ومخاوف خارجية من دفع المزيد من الدول إلى الانضمام لموجة الاعتراف.
نشر "ماكو"، الموقع الإلكتروني للقناة 12 الإسرائيلية، مقالًا بعنوان: "المعضلة الإسرائيلية: رد الفعل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد يؤدي إلى تفاقم الوضع".
وقال المقال، إن إسرائيل تشعر بقلق بالغ إزاء ما وصفه بـ"الانحراف السياسي" وموجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مشيرًا إلى أنه كان ينبغي علي تل أبيب الاستعداد لذلك بشكل مختلف، ولو أنها أوقفت جميع التصريحات غير المسؤولة في الوقت المناسب، لربما كان من الممكن تقليل حجم الضرر في هذا السياق، وفق ما أورده.
ووصف زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، هذه الخطوة بأنها "كارثة دبلوماسية" كان من الممكن أن تمنعها حكومة إسرائيلية مختلفة، ووصفها بأنها "خطوة ضارة ومكافأة للإرهاب".
وقال يائير جولان، رئيس الحزب الديمقراطي اليساري، إن الاعتراف "مدمر" و"ضار للغاية" لإسرائيل، وفق ما نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
الرد الإسرائيلي المحتمل
إسرائيل تنوي الرد، ولن تتراجع أمام موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، هذا ما قاله موقع "ماكو" العبري، مشيرًا إلى أن إسرائيل تريد تركيز ردها على فرنسا، بصفتها من تحركت من وراء الكواليس وبذلت كل ما في وسعها لضم المزيد من الدول إلى مبادرتها.
وذكر الموقع الإلكتروني للقناة 12، أن هناك خيارات دبلوماسية متاحة أمام تل أبيب، مثل إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس، ولكن يجب أن نفهم أن هذا يعني على الأرجح نقل القنصلية إلى رام الله بالضفة الغربية المحتلة.
وأشار إلى وجود إجراءات أمنية أخرى، مثل خطة ضم غور الأردن، فضلًا عن الضغوط المتزايدة على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاتخاذ خطوات أوسع تشمل ضم أو تغيير تصنيف بعض الأراضي؛ كتحويل أراضٍ مصنفة (أ) أو (ب) إلى الفئة (ب) أو (ج) في الضفة الغربية. وأوضح أن هذه المسائل تُناقَش في اجتماعات مغلقة، ومن المقرر أن تُطرح أيضًا خلال لقاء نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الولايات المتحدة نهاية الشهر الجاري.
وقال "ماكو"، إن إسرائيل تسعى إلى ردٍّ يُلحق الضرر بفرنسا والدول المعنية، دون أن يُثير رد فعلٍ مُضادٍّ يدفع المزيد من الدول إلى الانضمام إلى موجة الاعتراف. تجدر الإشارة إلى أن هناك دولًا تُهدد بالفعل بأنه في حال أقدمت إسرائيل على الضم، فإنها ستنضم إلى موجة الاعتراف بدولة فلسطينية.
وتابع أنه داخل الائتلاف تُمارَس ضغوط قوية، خصوصًا من وزير المالية بتسلئيل بتسئيل سموتريتش الذي يرى أن "الرد الصهيوني المناسب هو الضم". ويُردّد عدد من وزراء الليكود الحاكم الموقف نفسه. غير أن ثمن هذه الخطوة بات واضحًا؛ إذ أعلنت الإمارات العربية المتحدة بوضوح أن الضم سيعرّض اتفاقيات إبراهام للخطر. وجدير بالذكر أن إسرائيل واجهت هذا المفترق سابقًا قبيل توقيع الاتفاقيات، حين كان الخيار بين المضي في الضم أو إبرام اتفاقيات إبراهيم، فاختار نتنياهو آنذاك الاتفاقيات.
بينما نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" على موقعها الإلكتروني "واينت"، مقالًا قالت فيه، إنه في هذه المرحلة، لم تُقرر إسرائيل بعدُ ردها على اعتراف دول مختلفة بدولة فلسطينية. المفهوم هو أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يرغب في التنسيق الكامل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال لقائهما في البيت الأبيض، مما يعني أنه في حال صدور رد، فلن يأتي إلا بعد "عيد الغفران" (1 – 2 أكتوبر).
وقالت الصحيفة، إن ردود الفعل المحتملة تتراوح بين ضبط النفس التام - وهو أمر مستبعد - وضم كامل أراضي يهودا والسامرة (مصطلح يهودي للضفة الغربية)، وهو أمر يبدو مستبعدًا، بحسب المقال، الذي رأى أن نتنياهو لن يرغب في تعريض "اتفاقات إبراهام" للخطر، ولن يسمح له ترامب بـ"تدمير إرثه". لذلك، من المرجح أن نشهد خطوة رمزية أصغر حجمًا، مثل ضم غور الأردن. قد يكون هذا أمرًا لن يُكلف الكثير، وستقبله الولايات المتحدة.
ترى إسرائيل أن فرنسا تقف وراء دفع عدة دول للاعتراف بفلسطين، لذلك وجهت لها رسائل تهدد بخطوات دبلوماسية حازمة، بينها إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس. لكنها تخشى أن يؤدي التصعيد إلى مزيد من "العزلة الدولية"، وفي الوقت نفسه لا تريد أن تظهر كـ"خاضعة للضغوط". وتبحث تل أبيب خيارات مثل سحب السفراء أو إغلاق سفارات، على غرار ما فعلته مع أيرلندا والنرويج وإسبانيا.
وذكرت الصحيفة أنه ربما يكون مخرج نتنياهو الوحيد صفقة تبادل أسرى مقرونة بوقف لإطلاق النار. وعلى ما يبدو، لا يزال أمامه هامش زمني يمتد لأسبوعين تقريبًا، حتى بعد عودته من واشنطن وانقضاء عيد الغفران.
واختتمت "يديعوت أحرونوت" مقالها بالقول: من خلال قرار الضم، فإن إسرائيل قد تؤدي أيضًا إلى "تنفير حلفائها"، مثل ألمانيا، التي أوضحت أنها لن تقبل بالضم، بل وألمحت حتى إلى أن ذلك قد يؤدي إلى الاعتراف بدولة فلسطينية. ما يجعل إسرائيل أمام معضلة غير مسبوقة بين الاستجابة للضغوط الداخلية أو الحفاظ على علاقاتها الدولية.