هل تتحول المناوشات بالوكالة إلى مواجهة مفتوحة بين إيران وإسرائيل؟
كتب : أسماء البتاكوشي
المواجهة بين إيران وإسرائيل
في الأيام القليلة الماضية دخلت المواجهة بين إسرائيل وجماعة أنصار الله "الحوثيون" في اليمن، مرحلة جديدة بعدما أطلقت الجماعة المدعومة من قبل إيران صاروخًا عنقوديًا باتجاه الاحتلال، وهو ما دفع جيش الاحتلال إلى شن سلسلة من الغارات الانتقامية التي استهدفت مواقع حساسة في العاصمة اليمنية صنعاء، والتي كان من بينها محيط المجمع الرئاسي ومحطة توليد الكهرباء جنوبي المدينة، فضلًا عن مواقع عسكرية قرب مطار صنعاء وجبل نقم.
والهجمات بين الحوثيين وإسرائيل ليست جديدة، بل تأتي في سياق تصعيد إقليمي أوسع، حيث استخدمت جماعة الحوثي صاروخًا يحمل رأسا انفجاريًا قابلًا للانشطار، وهو نوع من الرؤوس الحربية التي صُممت لتحدث انفجارات متعددة وتُلحق دمارًا واسعًا للغاية داخل دائرة الاستهداف.

رسالة إيرانية بـ"البريد اليمني"
ويقول دكتور محمد عبود أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة عين شمس، إن التصعيد الأخير بين إسرائيل وجماعة الحوثي ليس مجرد بداية بل هو حلقة جديدة في تصعيد إقليمي متواصل بين إسرائيل وإيران، فالصاروخ الانشطاري الحوثي الذي استهدف تل أبيب يوم الجمعة الماضي لم يكن مبادرة يمنية منفردة، بل رسالة إيرانية عبر "البريد اليمني"، خاصة أنه من نفس النوع الذي استخدمته طهران في حرب الـ12 يوم، وأرهق الدفاعات الجوية الإسرائيلية وتسبب في خسائر واضحة في المباني والأحياء الإسرائيلية.
ويرى أستاذ الدراسات الإسرائيلية خلال حديثه لـ"مصراوي"، أن وصول هذا الصاروخ إلى العمق الإسرائيلي، وسقوط أحد رؤوسه على بيت قرب مطار تل أبيب دون أن تصده الدفاعات الجوية الإسرائيلية، رفع مستوى القلق داخل تل أبيب، وأجبر الجيش على التحرك السريع خوفًا من تحولات في معادلة الردع، مضيفًا "نحن الآن أمام مرحلة جديدة تتجاوز مجرد "المناوشات" إلى فتح جبهة جنوبية مرتبطة مباشرة بالملف الإيراني".
ولفت عبود إلى أن الذعر الإسرائيلي دفع تل أبيب للتحرك منفردة على الرغم من العجز الذي تعانيه في المعلومات الاستخبارية، ودون انتظار انضمام أمريكي، أو إنشاء تحالف دولي ضد الحوثيين، فبرغم أن إسرائيل ضربت منشآت مدنية يمنية، لكن في المقابل لم تستطع الوصول لمعسكرات الحوثي التي تحتمي بالطبيعة الجبلية اليمنية، ما يعني أن التصعيد الحالي مرشح للتوسع، لأنه ليس بمعزل عن الصراع الأوسع بين تل أبيب وطهران، وتطور ملموس في قدرات الحوثي لا تحتمله إسرائيل.

اليمن أداة "جس نبض"
فيما يعتقد الدكتور محمد وازن الباحث المتخصص في الدراسات السياسية والاستراتيجية والإسرائيلية، أن التصعيد بين الحوثيين وإسرائيل، جاء تزامنًا مع لهجة إيرانية أكثر تشددًا عبرت عنها تصريحات كبار المسؤولين في طهران، فضلًا عن إجراء إسرائيل مناورات بحرية كشفت عن تجارب صاروخية وطائرات مسيرة جديدة، ما يشير إلى أنه "رسالة مزدوجة"، أرادت إسرائيل أن تُظهر قدرتها على تنفيذ عمليات بعيدة المدى بعمق يصل إلى صنعاء، في إشارة واضحة إلى أن يد تل أبيب يمكن أن تطال أي ساحة بما في ذلك إيران ذاتها.
ولفت وازن خلال حديثه لـ"مصراوي"، إلى أن الصاروخ الحوثي جاء بمثابة تجربة ميدانية لوسائل قادرة على إرباك منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، في إطار ما يمكن وصفه بـ"الاختبار التكتيكي" الذي يتيح لإيران معايرة قدراتها عبر أذرعها، حيث إن إيران لا تسعى في الوقت الراهن إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، لكنها تريد إبقاء التوتر عند مستوى يضمن استمرار الضغط السياسي والعسكري، واستخدام الساحة اليمنية كأداة "جسّ نبض"، في المقابل، تحرص تل أبيب على توجيه ضربات عقابية قوية تردع الحوثيين وتبعث برسالة ردع غير مباشرة إلى طهران.
اليمن اليوم يمثل مختبرًا للرسائل المتبادلة بين طهران وتل أبيب، وليس ساحة مواجهة نهائية، والهدف هو رفع سقف الردع واختبار أدوات الضغط المتاحة، أكثر من كونه تمهيدًا لحرب مباشرة وشيكة، حسب الباحث المتخصص في الدراسات السياسية والاستراتيجية والإسرائيلية، موضحًا أنه مع ذلك، فإن أي خطأ في الحسابات أو عملية نوعية خارجة عن السيطرة قد يحوّل هذا التصعيد المحدود إلى شرارة لمواجهة أكبر، ما يجعل مراقبة تفاصيل الذخائر المستخدمة، وتواتر الضربات الإسرائيلية، ولغة التصريحات الإيرانية، مؤشرات حاسمة على اتجاهات المرحلة المقبلة.

حرب بالوكالة
وعن استعداد إيران وأذرعها لشن هجوم واسع على إسرائيل يقول، الدكتور محمد عبود أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة عين شمس، إن المؤشرات تقول نعم، وإن كان الاستعداد يأخذ شكل "توسيع نطاق الضغط" أكثر من الذهاب فورًا إلى مواجهة شاملة، فإن إيران تستخدم الحوثي اليوم كأداة لإرسال رسالة مزدوجة: الأولى لتل أبيب بأن العمق الإسرائيلي لم يعد محصنًا، والثانية لواشنطن بأن أي تعثر في المفاوضات النووية سيدفع المنطقة نحو انفجار متعدد الجبهات.
فيما يلفت إلى أن ذراع طهران في اليمن باتت تمثل "اليد الطويلة" الجديدة، والصواريخ التي تنطلق من صنعاء نحو تل أبيب تأتي دائمًا في لحظات توتر مباشر بين طهران وواشنطن أو بين طهران وتل أبيب، لذلك من المرجح أن إيران وأذرعها الإقليمية تستعد لمرحلة تصعيد مركّب، هدفه إنهاك إسرائيل وفرض معادلة ردع جديدة قبل أي مفاوضات قادمة.
وبشأن السيناريوهات المتوقعة يقول الدكتور محمد وازن الباحث المتخصص في الدراسات السياسية والاستراتيجية والإسرائيلية، إن السيناريو الأكثر ترجيحًا في المدى القريب هو استمرار "التصعيد المُدار بالوكالة"، أي هجمات محدودة من اليمن يقابلها رد جوي إسرائيلي واسع النطاق، مشيرًا إلى أن احتمال الانزلاق إلى مواجهة محدودة مباشرة بين إيران وإسرائيل قائم لكنه أقل ترجيحًا، أما سيناريو الحرب المفتوحة الشاملة فاحتماله ضعيف، إذ يدرك الطرفان خطورة الانزلاق إلى صدام غير قابل للسيطرة.

ضربة استباقية لإسرائيل
وفيما يتعلق بتوجيه إسرائيل ضربة استباقية لإيران، يرى الدكتور محمد عبود أن تل أبيب ليست في وضع يسمح لها الآن بخوض مواجهة مباشرة مع طهران، فهي ما زالت تعاني من نقص واضح في مخزون صواريخ الدفاع الجوي "حيتس" الذي استنزف في حرب الـ12 يوم، ولهذا يضغط الجيش على الصناعات العسكرية الإسرائيلية لتكثيف الإنتاج، وإعادة ملء المخازن بالصورايخ من طراز حيتس 3 وحيتس 4،
وبحسب تقديرات عسكرية إسرائيلية فأن منظومة الدفاع الجوي الأمريكية "ثاد" التي تحمي المجال الجوي الإسرائيلي فقدت أكثر من ربع مخزونها خلال الحرب الأخيرة مع إيران، ومن ثم فإن القيادة الإسرائيلية تدرك أن أي مواجهة شاملة مع إيران الآن قد تعني سقوط صواريخ من الشمال "طهران" والجنوب "صنعاء"، وهو سيناريو لا يمكن تحمله في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية الحالية، كما أنها لن تقدم على ذلك حتى تحصل على "ضوء أخضر جديد" من واشنطن ومن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.