إعلان

"ذي أتلانتك": الحرب السورية لن تُحل بالدبلوماسية

01:13 م الثلاثاء 27 نوفمبر 2018

مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - هشام عبد الخالق:

سلطت مجلة "ذا أتلانتك" الأمريكية الضوء على الإرث الدبلوماسي الذي سيتركه مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، بعد انتهاء ولايته نهاية الشهر الجاري، معتقدة أن الحرب الدائرة في سوريا منذ سبع سنوات لت تحل بالدبلوماسية.

وقالت المجلة في تقريرها المنشور على موقعها الإلكتروني الاثنين: "بصرف النظر عن اللقاءات الدبلوماسية التي يعقدها ستيفان دي ميستورا مع أطراف الأزمة السورية، لا يوجد أي نهاية غير محتملة للحرب الأهلية السورية التي تدخل عامها الثامن".

وأضافت المجلة "الرئيس بشار الأسد بمساعدة أصدقائه الإيرانيين والروس استخدم القوة للسيطرة على أغلب البلاد، وفر نصف السوريين من منازلهم، ووصل العنف إلى الدرجة التي لم تعد الأمم المتحدة قادرة على إحصاء القتلى، كما أنه لا توجد خطة جاهزة للسلام من إعداد دي ميستورا، والأسد ليس مستعد للتنازل عن المكاسب التي حققها بشق الأنفس في ساحة المعركة على مائدة المفاوضات".

وأوضحت أن "الفترة التي قضاها الدبلوماسي الإيطالي من أصل سويدي ترمز إلى نضالات المجتمع الدولي في التعامل مع سوريا، وتوفر تلك الفترة نافذة على القوى التي جعلت الصراع السوري مقاومًا للدبلوماسية، وكان بمثابة نقطة انطلاق للنقاش بين المحللين وصانعي السلام المحتملين حول دور الدبلوماسيين في حل أسوأ الأزمات في العالم.

وتقول المجلة، إن دي ميستورا يتحدث سبع لغات، وعمل في الأمم المتحدة على مدى أربعة عقود من السودان إلى كوسوفو مرورًا بالعراق وأفغانستان، وعندما يغادر منصبه في ديسمبر المقبل، سيكون مضى على وجوده في منصبه أكثر من 1600 يوم، وكانت مدة تولي سابقيه الاثنين نصف هذه المدة تقريبًا، ويشيد العديد من مؤيديه بمثابرته في مثل هذه المهمة.

لكن بالنسبة إلى منتقديه، فإن إرث دي ميستورا الوحيد هو ترؤوسه جهودًا بعيدة عن الواقع بشكل كبير، ووصف معين رباني، الذي شغل لفترة وجيزة منصب رئيس وحدة الشؤون السياسية التابع لها دي مستورا، ومسؤول آخر من مساعدي المبعوثين السابقين لسوريا والذي رفض الكشف عن هويته، أن المسار الدبلوماسي الذي يشرف عليه دي ميستورا أشبه بنسخة سورية من محاولات إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ويضيف التقرير، أن كل عملية وقف لإطلاق النار دافع عنها دي ميستورا انهارت في النهاية، وأثبت عجزه إلى حد كبير عن التفاوض بشأن دخول المساعدات إلى المناطق التي تحاصرها حكومة الأسد، كما أنه متهم بتبنيه السياسات الدبلوماسية حتى مع قيام الحكومة السورية وحلفاؤها باتباع سياسة الأرض المحروقة (التي يتم فيها حرق أي شيء قد يستفيد منه العدو) ضد الأجزاء التي يسيطر عليها المتمردون في البلاد.

دي ميستورا تولى منصبه في صيف عام 2014، عندما كان الدبلوماسيون الأمريكيون والأوروبيون يتقبلون حقيقة أن افتراضاتهم الأولية حول مسار الحرب السورية كانت خاطئة بشكل كبير، وأثبت نظام الأسد أنه أقوى بكثير مما توقعه الكثيرون، ونصح سلف دي ميستورا، سلفه المبعوث السابق الأخضر الإبراهيمي، الرئيس السوري في أول اجتماع له معه، بأنه ينبغي عليه الالتزام بالبيان الدولي، ويعلن أنه على استعداد للاستقالة إذا كان ذلك في مصلحة البلاد، حسبما قال مختار لاماني، رئيس مكتب الإبراهيمي في دمشق، وتوترت العلاقات بين الطرفين حتى نهاية فترة الإبراهيمي.

منذ بداية فترته، قرر دي ميستورا الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع دمشق، ويقول وائل الزيات، مسؤول سابق بالخارجية الأمريكية عمل في القضية السورية: "أراد دي ميستورا بناء الثقة مع الروس ومع النظام السوري، وكانت طريقته تعتمد على عدم المواجهة، وعدم التصريح بالانتهاكات التي يرتكبها الروس والنظام السوري".

في تصريحاته العلنية، كان دي ميستورا متفائلًا حول احتمالية حدوث انفراجة دبلوماسية، وألمح إلى "توصل إلى اتفاق تاريخي" محتمل للسلام في عام 2016، وفي 2017 قال إن "قطار الدبلوماسية يستعد للانطلاق"، وفي 2018 تعهد بـ "الطرق على الحديد وهو ساخن" في المفاوضات، وفي هذه الأثناء، ظل يؤكد أنه لا يوجد حل عسكري وأن "المبدأ الثابت الوحيد في هذا الصراع العنيف غير المتوقع هو أن أي الطرفين لن يفوز".

في مايو 2015، تلقى دي ميستورا ضربة موجعة من الحكومة السورية، بعد إدانته للهجوم الكيماوي الذي اتهم بتنفيذه نظام الأسد وقتل ما لا يقل عن 70 شخصًا، وتمثل رد الأسد - حسبما ذكر مسؤولون رفضوا الكشف عن هوياتهم- في قطع للتواصل مع دي ميستورا محبطًا آمال مبعوث الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، وكانت المناقشات التي دارت حول هدنة في حلب هي آخر مرة يجتمع فيها دي ميستورا مع الأسد شخصيًا، وبعد ذلك استقبله مسؤولون في الحكومة السورية من مستويات دُنيا فقط.

بعد سقوط حلب في يد الأسد، استقال دبلوماسيون، إلا أن دي ميستورا استمر في عمله، لكن للحفاظ على عمليته الدبلوماسية، غيّر من أهدافه. وفي ظل العمليات الدبلوماسية في سوريا وكذلك عمليات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، أكد منتقدو دي ميستورا أن الأولوية لدى الدبلوماسيين أصبحت إبقاء عملية السلام السورية على قيد الحياة حتى وإن لم يصدق أحد أنه يمكن أن يحقق نتيجة ذات مغزى.

ترى المجلة الأمريكية أنه في أسوأ الحالات، سمحت جهود دي ميستورا للقوى العالمية بالحفاظ على واجهة دبلوماسية في سوريا، حتى في الوقت الذي كانت تعتمد فيه هذه القوى على جيوشها لتطبيق الحقائق الجديدة على الأرض، ومع استمرار الحكومة السورية وحلفائها في اكتساب القوة، قادت روسيا مبادرة دبلوماسية دفعت دي ميستورا أكثر نحو الهامش.

كانت ذروة هذا الجهد، بحسب المجلة، تتمثل في التوصل إلى اتفاق عام 2017 في أستانة بين تركيا وروسيا وإيران لإقامة أربع مناطق "لإزالة التصعيد" في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في جميع أنحاء البلاد، وعلى الرغم من أن مقدمي مشروع القرار قدموا تقديرًا شفويًا لجهود دي ميستورا التفاوضية، إلا أنه تم التصريح على نطاق واسع بأن عملية أستانة كانت بمثابة مسار منفصل، ومع ذلك، ألقى مبعوث الأمم المتحدة بثقله على تلك المحادثات، وقال إنه "ينبغي النظر إليها على أنها تضع الأساس لتجديد محادثات السلام في جنيف برعاية الأمم المتحدة".

ويقول رباني: "من وجهة نظر رعاة مؤتمر أستانة، كان دور دي ميستورا هو إضفاء الشرعية الدولية على المؤتمر"، مضيفًا: "لا أعتقد أنه كان مدركًا أنه بمشاركته يؤكد عدم صلته بالموضوع من الأساس".

كانت مبادرة دي ميستورا الدبلوماسية الأخيرة تتمثل في إنشاء لجنة لصياغة دستور سوري جديد، وخلال العام الماضي، حاول إطلاق تلك المبادرة بمشاركة كلًا من المعارضة وأعضاء الحكومة، وفي حين أنه من الممكن تشكيل اللجنة، إلا أن هدفها النهائي المتمثل في إجراء انتخابات حرة ونزيهة تؤدي إلى انتقال سياسي للسلطة لا يزال بعيد المنال، وفي مهاجمة لدي مستورا، اتهمته صحيفة الثورة الحكومية السورية بالتآمر مع "إرهابيين"، وقالت: "لقد وصلت إلى العنوان الخطأ، وطرقت الباب الخطأ، ودخلت في الوقت الخطأ".

ووتقول المجلة "تسبب اليأس من هذه الجهود الدبلوماسية إلى مطالبات للمبعوث الخاص الجديد، جير بيدرسن، بإلغاء عملية السلام برمتها، ولكن يجادل المدافعون عن دي ميستورا بأن الإدانات العامة لأولئك الذين يقفون في طريق السلام لن تفعل شيئًا في تغيير الواقع على الأرض، وأن الاعتراف بالهزيمة لن ينقذ حياة واحدة".

وقال نيكولاوس فان دام المبعوث الهولندي السابق إلى سوريا: "الحجة القائلة بأنه يمكن إعادة تنشيط العملية السياسية عن طريق إيقافها، لا أعتقد أنه يمكن تطبيقها هنا على الإطلاق"، مضيفًا أن هذا لا يعني على الإطلاق أن "خلف دي ميستورا مهمته قابلة للتحقق بشكل أكبر".

ويقول منتقدو العمليات الدبلوماسية، إن الدبلوماسيين يخاطرون بأن يصبحوا جزءًا من الانتهاكات التي يحاولون إيقافها وذلك بسبب محاولتهم الحفاظ على العملية السياسية بأي طريقة.

وأشار الزيات، المسؤول السابق بالخارجية الأمريكية، إلى أنه "في مرحلة ما، يحتاج الدبلوماسيون إلى التحدث بطرق تجعل أولئك الذين يقفون في طريقهم غير مرتاحين، وفي نهاية المطاف، إذا كانوا ملتزمين فعلًا بالعمل الذي يقومون به ولم ينجح مسعاهم، فإنهم بحاجة إلى الاستقالة".

دي ميستورا من جانبه، وأثناء ذروة الهجمات على حلب، أنهى إحاطته إلى مجلس الأمن من خلال شرح سبب بقاءه في منصبه، وقال: "أي علامة على استقالتي ستكون إشارة إلى أن المجتمع الدولي يتخلى عن السوريين".

واختتمت المجلة تقريرها بقولها: "الآن، وبعد مرور عامين، لا يوجد سوى قلة من السوريين مقتنعين بأن المجتمع الدولي -مثل الأمم المتحدة- يمكن أن تؤثر على مجرى حياتهم، وعدد أقل من الدبلوماسيين الذين سيقولون بصدق إن لديهم خطة لتغيير هذه الحقيقة".

فيديو قد يعجبك: