إعلان

هل يستحق المسيحيون القتل؟

أكـرم ألـفي

هل يستحق المسيحيون القتل؟

أكـرم ألـفي
09:31 م السبت 27 مايو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كآن الظلام حين أرخى سدوله .. يبيت على ليل بليل موصول

"امرؤ القيس"

هل يستحق المسيحيون القتل؟ كم ممن يقرأون هذا المقال يعتبرون الإجابة نعم؟.. كم ممن نعرفهم ويعيشون بيننا إجابتهم الصريحة في الجلسات الخاصة هي نعم؟.

إن فاجعة المنيا الذي راح ضحيتها أكثر من ٢٨ شهيدا من المسيحيين أغلبهم من الأطفال حادثة كاشفة جديدة لثقافة الكراهية والطائفية في مجتمعنا، ولعل البعض تنقصه الصراحة ليبوح بما حدث من تشوه لاإنساني لأفكار ومعتقدات قسم من المصريين خلال العقود الخمس الماضية.

هل نخفي رؤوسنا في الرمال ونتغافل عن حديث شباب على مواقع التواصل الاجتماعي عن أن المسيحيين يدفعون ثمن تحالفهم مع النظام ومشاركتهم في ثورة ٣٠ يونيو على الإخوان، وأن سكوتهم على قتلي اعتصامي رابعة والنهضة لا يجعل لهم الحق على الصراخ على ضحاياهم لأنهم يدفعون ثمن جريمتهم؟

هذه التعليقات لم تخرج فقط من اتباع للإخوان أو السلفيين بل تخطتهم لعدد ممن يعتبرون أنفسهم "ثورجية العصر" والعشرات من الشباب غير المسيس.

إن العقائد الفاشية موجودة دائماً في المجتمعات الحديثة.. فكثيرون من الشباب يعتبر في سن العنفوان أن كل من يخالفهم الرأي هو مجرم لا يستحق الحياة، ولكن هذا ليس واقعا يجب التعايش معه بل خطر يجب مواجهته. 

مدرسة الديموجرافيا السياسية تعتبر أن الخطر على أي مجتمع أن يتسيد الشباب في سن القتال (٢٥ -٢٩ عاما) المجتمع، لأن في هذا السن الرغبة في القتال و"قتل" الآخر أو عقابه أي كان من هو تسيطر على جزء من تفكير هذه الفئة العمرية.

ونحن في مصر نعيش هذا الخطر، فالشباب في سن القتال يمثلون نحو ٢٨ مليون نسمة أي ٣٠٪ من السكان.. هؤلاء الشباب هم طاقة إنتاج وطاقة غضب وطاقة تمرد بل وطاقة حب.. إنهم برميل وقود قد يشتعل من أجل الفرح أو من أجل الموت.. الاختيار هنا يبدو اختيارهم ولكن واقعياً هو اختيار الدولة والنظام السياسي ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

في مصر جرت في النهر مياه كثرة جدا، بل يمكن القول إن فيضانا حدث خلال ٥٠ عاماً جعل الشباب يميل أكثر للغضب والكراهية. وقد يكون موضع آخر أكثر مناسبة للحديث عن هذا الفيضان المدمر اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. ولكن الحصيلة كانت أن الكراهية ورفض الآخر وقبول مواقف فاشية في جوهرها أصبح الأقرب لنسبة ليست بقليلة من الشباب.

هنا لا يبدو مستغرباً أن نقرأ كلمات ونسمع عبارات تحمل الضحية من الأطفال الصغار المسيحيين الذين ذهبوا في رحلة اللا عودة مسؤولية دمائهم فهم مسيحيون ويجب أن يدفعوا مع أسرهم وأبناء ديانتهم ثمن الوقوف مع النظام. هذا المنطق يجعل الموت ثمنا جماعيا مستحقا لمن يخالفك الرأي والرؤية وليس فقط العقيدة. 

إن علم الاجتماع لا يعرف الخطوط المستقيمة، فليس من يكره يقتل بل إن القاتل له مواصفات خاصة، ولكن توغل خطاب الكراهية والموت بين مجموعات من الشباب يضع علامات إنذار حول مستقبل مجتمعنا.

أن يتبجح شباب على مواقع التواصل الاجتماعي بالتصريح أن الضحايا من المسيحيين في المنيا كانوا يستحقون القتل هي علامة خطر، يجب التوقف عندها ومواجهتها بكل صرامة. فالسكوت عن هـذه الكلمات واعتبارها عرضًا يزيد فرصها في التحول إلى جوهر.

البحث عن كلمات المواساة والتعاطف والتأكيد على النسيج الواحد في حديث الشباب المصري على مواقع التواصل الاجتماعي للتأكيد على التماسك الاجتماعي وحالة التسامح في مصر، هو في ذاته خطر، لأنه يدلل على أن وعينا يرى أن الكراهية هي الأصل وليس نقيضها.

هل يستحق المسيحيون القتل؟ سؤال مجرد طرحه تعبير عن كارثة محتملة في مجتمعنا.. وهنا ليس من الواقعي والعقلاني الحديث عن أهمية نشر الثقافة وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتغيير منظومة التعليم ومقرطة النظام السياسي كمدخل لمواجهة انتشار هذه الأفكار.. فكل ما سبق هو ضرورة من أجل تحويل طاقة الشباب إلى طاقة انتاج وفرح .. ولكن لمواجهة هذه الأفكار الفاشية ليس أمامنا إلا الحلول الأوروبية لمواجهة الشباب الفاشيين وهي العزلة والاحتقار والضرب أحيانا.

أتذكر أن صديق أوروبي قال لي أنه عندما كان يقوم الفاشيون الجدد بتظاهرة، فإن النصيحة السياسية كانت لا تناقش ولا تقوم بنقد أفكارهم فقط، بل تدخل سريعا واضرب المظاهرة بالعصا أنت وليس الشرطة، حتى يعرفون أنه لن يسمح لهم أبدا بالتظاهر أو حتى التعبير عن رأيهم.

إن خطاب الكراهية في مصر يحتاج اليوم إلى عصا المجتمع، أي إلى عقاب مجتمعي صارم بوضع أصحابه في منطقة العزلة ونبذهم. فالعقاب المجتمعي سيمنع كثيرين من أصحاب هذا الخطاب من التبجح به علنا. وهذا المنع سيحول دون انتشار خطاب الكراهية وجعله بمثابة أمرا واقعاً.

الإجابة الأصح على سؤال كيفية مجابهة خطاب الكراهية والطائفية هي المنع والعقاب الصارم. أما الإجابات الأخرى فتقود إلى نهاية سوداء وهي التعايش مع الكراهية في مجتمعنا.. وهي ليل موصول كما يقول أمرؤ القيس.

إعلان