إعلان

حرمته من أبيه والحياة.. لماذا قتلت "إيمان" ابنها في الوراق؟

09:00 ص الإثنين 28 يناير 2019

المتهمة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد شعبان:

تلقى الضربة الأولى فنادى "بابا"، ناولته الثانية، وأصر صارخًا "عايز أشوف بابا". شقت تفاصيل الزيارة الأخيرة نزف الدماء برأس الصغير. حقق صاحب الـ13 ربيعًا حلمه برؤية أبيه، وأبصرت عيناه لآخر مرة يد أمه تلقيه بقسوة إلى موت حرم الجميع من ابتسامة كانت تشرق معها الشمس.

صدحت أصوات الزغاريد تُطرب الجميع بقدوم "سيف"، التفصيلة الوحيدة السعيدة في حكاية "أحمد" و"إيمان" بعدما جمعتهما قصة حب ملتهبة منذ عقد ونصف، كُللت بزواجهما في حفل عائلي بهيج، تعاهدا على السير معا في رحلة حتما ستشهد "مطبات" وخلافات لا يخلو منها أي منزل، متسلحين برباط مقدس عنوانه "الحب".

رُزق الزوجان بـ"سيف" الذي جعل من تلك الزيجة أكثر تماسكا، وبات جُل حلم الأبوين تنشئة الوافد الجديد والعمل على توفير احتياجاته كمشروع العُمر، لكن رياح المشكلات أتت بما لا تشتهيه سُفن "أحمد" و"إيمان" لتعصف باستقرار عش الزوجية، وحل الشجار والتراشق بالألفاظ بدلا من كلمات العشق والهوى التي كانت تسود تلك العلاقة.

قبل 7 سنوات وقف قطار الأسرة بفعل عواصف الخلافات في منتصف الرحلة بينما بقى "سيف" على قضبان الحياة يربط بين أم أرادته، وأب تعلق به قلب الصغير، واتفقا على إقامته رفقة أبيه في منزله بمنطقة الطوابق بحي الهرم، واستقرت الأم في شقة بمنطقة الوراق مع السماح لنجلها بزيارتها والمبيت معها على فترات.

رغم انتهاء قصة الحب بين الزوجين فحب "سيف" لأبيه كان أكبر، تعلق الصبي بوالده حتى وصل به الحال رفضه المكوث لفترة طويلة لدى والدته التي لاحظت مدى حب نجلها الشديد لطليقها، وتفضيله الإقامة رفقته دائما، مما آثار شئا من الغيرة لدى الأم.

مع اقتراب امتحانات منتصف العام للصف الثاني الإعدادي للعام الحالي، طلبت "إيمان" من طليقها السماح لنجلهما بالإقامة معها لمنحه أكبر قدر من التركيز في المذاكرة، قاطعة على نفسها وعدًا بالاهتمام به لكي يحقق نتيجة جيدة.

لم يتحمل ابن الـ13 ربيعا طول الفترة التي قضاها بعيدا عن والده، لم يتوقف عن طلب زيارته، لكن رفض الأم كان مصيرها كافة، ما دفعه لمناشدة أبيه إقناع والدته بالسماح له بزيارته والعودة مجددا، إلا أن الأمر لم يختلف عن سابقيه مع تعنت "إيمان" تارة، ومماطلتها أخرى بحجة عدم تشتيت تركيز "سيف".

سعادة ارتسمت على وجه "سيف" مع انتهاء الامتحانات وبدء إجازة نصف العام ظنًا منه أن والدته ستسمح له بالعودة لوالده بعد أسبوعين من المماطلة، لاسيما علمها مدى تعلق الصبي به، لتمنعه مجددا دون إبداء أسباب منطقية.

داخل غرفته، جلس "سيف" يبحث كيف السبيل للقاء والده يوم إجازته الأسبوعية، واختمرت في ذهنه طريقة ظن معها أن أمره لن ينكشف، اقترض 10 جينهات من أحد أصدقائه، وانتظر خلود أمه في النوم بعد عناء يوم طويل- كعاملة نظافة- واستقل سيارة أجرة في طريقه إلى الطوابق أملا في قضاء أطول فترة ممكنة رفقة أبيه.

لم يخبر "سيف" والده بقدومه دون علم أمه، ومكث معه حتى المساء، اصطحبه بعدها لمنزل طليقته للاطمئنان على وصوله دون تعرضه لأي مكروه لاسيما مع تأخر الوقت حيث كانت مؤشرات ضبط الوقت تشير إلى الواحدة والنصف صباحا، إذ عنفته والدته، وقيدت يديه وقدميه بقطع من الملابس وتعدت عليه بالضرب صفعًا على وجهه وركله بقدميها لتأديبه.

الثالثة عصر السبت الماضي ، كان العقيد محمد عرفان، مفتش مباحث شمال الجيزة، يتابع نتيجة حملة الـ24 ساعة تنفيذا لتوجيهات اللواء محمد عبد التواب، نائب مدير مباحث الجيزة، يقطع تركيزه إشارة من مستشفى إمبابة العام بوصول الطفل "سيف"، 13 سنة، جثة هامدة، وتلاحظ وجود جرح بالفم وخدوش حول الرقبة.

تقابل المقدم أمثل حرحش، وكيل فرقة الشمال، مع والدة المتوفى "إيمان. ز"، 26 سنة، قررت أنها عثرت على نجلها فاقد الوعي أمام باب الشقة سكنها، ونقلته للمستشفى؛ أملاً في إسعافه إلا أنه فارق الحياة، إلا أن ثمة شك راود الضابط الشاب خاصة مع علامات الارتباك التي بدت عليها الأم، بدلا من الحزن على ضياع فلذة كبدها.

بالعودة إلى مقر قطاع شمال الجيزة، كان العميد عمرو طلعت يتابع تطورات البلاغ، موجها بتكثيف التحريات وسماع أقوال الجيران بشارع أبي بكر الصديق، وتطوير مناقشة والدة الطفل المتوفى: "الوفاة دي مش طبيعية.. الأم وراها سر"، وتنشيط مصادر المعلومات السرية حول علاقة الأم بنجلها من جهة، وعلاقتها بطليقها من جهة أخرى.

شكوك المقدم أمثل حرحش تحققت على أرض الواقع، سمع الجيران صوت صراخ واستغاثة من منزل الأم قبل الوفاة بسويعات، لتنطلق مأمورية إلى الشقة بقيادة الرائد هاني مندور رئيس مباحث الوراق، حيث مفاجآت بالجملة، إذ عُثر على آثار دماء على أرضية غرفة النوم، ومنشفة بها آثار دماء وإيشارب أبيض اللون وعباءة ممزقة.

بدت الأمور جلية أمام رئيس مباحث الوراق الذي أسرع لديوان القسم لإعادة مناقشتها ومواجهتها بالأدلة التي تم جمعها وأقوال قاطني العقار سكنها والتحريات أيضا، لتدخل في نوبة من البكاء: "ماكنش قصدي.. كنت عاوزة أأدبه.. ده ابني اللي ماليش غيره في الدنيا".

وقالت الأم إن نجلها طلب منها أكثر من مرة الخروج من المنزل كما اعتاد أثناء تواجده صحبة والده إلا أنها رفضت، وفي اليوم السابق للواقعة أستغل استغراقها في النوم وخرج من المنزل متسللاً وعقب عودته حوالي الساعة الواحدة والنصف صباح يوم الواقعة.. عنفته وقيدت يديه وقدميه بقطع من الملابس، وتعدت عليه بالضرب صفعًا على وجهه وركله بقدميها لتأديبه.

وصلة الضرب تكررت في اليوم التالي باستخدام عصا غليظة- حسب التحريات- وأثناء ذلك فوجئت الأم بحدوث نزيف لـ"سيف" بالأنف والفم، وفقده الوعي، وأسرعت بفك ونقله إلى المستشفى أملا في إنقاذه، إلا أنه لفظ أنفاسه متأثرا بإصابته، وقررت الأم أنها استخدمت المضبوطات في تقييد نجلها، وأنها اختلقت الواقعة خشية افتضاح أمرها.

كما انطلقت الزغاريد بقدوم "سيف" من قبل جلجلت الصرخات والآهات اليوم سيمفونية وداعه.. وحملت دموع أبيه إلى السماء شكوى مكلوم تشبث بحضن صغيره الذي رحل، وقد انتزع معه قلبه.

فيديو قد يعجبك: