إعلان

"قتله وقعد جنب الجثة".. حكاية شرطي مفصول طعن والده حتى الموت في إمبابة

08:31 ص الإثنين 26 نوفمبر 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - محمد شعبان:

طوال 13 عامًا، لم يذق "عاطف" طعم الراحة عقب فصله من عمله بجهاز الشرطة بعد ثبوت إصابته بمرض نفسي. جولات علاجه من الأزمة التي ألمت به امتدت لفترة طويلة وسط شكواه المستمرة من سوء معاملة والده له، إلا أن الأمر انتهى بجريمة قتل مؤسفة أضحت حديث أهالي منطقة إمبابة محافظة الجيزة.

داخل شقة بسيطة في شارع إدريس بعزبة هندي، كان "الأمين عاطف" -كما يلقبه الأهالي- يعيش مع والديه حتى التحق بالعمل بمديرية أمن السويس ليقسم أيام الشهر ما بين مسقط رأسه ومحل عمله إلا أن السيناريو اليومي لم يستمر طويلًا.

بشكل مفاجئ، صدر قرار بفصل الشرطي الشاب بسبب إصابته بمرض نفسي ليعود إلى الحي الشعبي دون بزته الميري حاملا لقب "عاطل" ليلتحق بالعمل بورشة لأعمال الحدادة؛ لتوفير نفقاته الشخصية في تحدٍ جديد بحياته العملية نتيجة ما طرأ عليها.

ظن "محمد محمود مرسي" صاحب الـ58 سنة، أن الأيام وانهماك نجله في العمل سينهيان أزمته النفسية إلا أن حالته ازدادت سوء، واضطر على إثرها لعرضه على الأطباء المختصين بمستشفى العباسية للأمراض النفسية أملًا في شفاه وعودته لممارسة حياته بشكل طبيعي.

طوال السنوات الماضية، لم تلق جهود الأب قبولًا لدى "عاطف" رافضًا "مشوار العذاب" إلى المستشفى -كما كان يطلق عليه- حتى شكل له عُقدة وخلق شعورًا بالاضطهاد ازداد يومًا تلو الآخر.

منذ أسابيع قليلة، تجمع الجيران أمام منزل الحاج "محمد محمود" بعد ارتفاع أصوات الشجار الممزوجة بصرخات استغاثة فكانت المفاجأة أن "عاطف"، 35 سنة، وقف في وسط المنزل ممسكًا بأسطوانة بوتاجاز، مهددًا بتفجيرها للتخلص مما وصفه باضطهاد والده له، لكن تدخل الجيران حال دون وقوع كارثة في الوقت الذي طالبوا فيه الأب بحسن رعاية نجله: "محدش عارف المرة الجاية هيعمل إيه!".

مساء الجمعة الماضية، تلقت والدة "عاطف" اتصالًا هاتفيًا من إحدى أقاربها تخبرها بحضورها وآخرين لزيارتها في صباح اليوم التالي، لتقرر ترك زوجها العجوز ونجلها المريض بمفردهما لاستضافة الضيوف في شقة أخرى ملكهم بنفس الشارع، لكنها لم تدر بأنها المرة الأخيرة التي تقع عيناها على "رفيق الكفاح".

عقارب الساعة كانت تشير إلى الثامنة مساء السبت، الأجواء تبدو طبيعية بالشارع الضيق متراص العقارات مع هدوء حركة المارة وانخفاض درجات الحرارة ليلًا، إلا أن ثمة صراخ من منزل الحاج محمد قطع حالة الصمت: "إلحقوني جوزي مات".

داخل مكتبه القريب من نهر النيل، كان يفحص المقدم محمد ربيع رئيس مباحث إمبابة بعض القضايا، ليتلقى بلاغًا عبر اللاسلكي من إدارة شرطة النجدة بالعثور على جثة مُسن داخل عقار بعزبة هنيدي، لينطلق رئيس المباحث إلى محل الواقعة رفقة معاونيه الرائد مؤمن فرج والنقيب محمد ماهر.

في غضون دقائق تحولت المنطقة إلى ثكنة عسكرية، وفرضت قوات الشرطة بقيادة العقيد محمد عرفان، مفتش مباحث شمال الجيزة، والمقدم أمثل حرحش، وكيل الفرقة، طوقا أمنيًا بمحيط المنزل ومنعت اقتراب أحد بعد تحوله إلى "مسرح جريمة" انتظارًا لقدوم فريق من النيابة العامة والمعمل الجنائي للمعاينة، إذ عُثر على جثة "محمد محمود مرسي" مسجاة على الأرض، مرتديًا ملابسه وفيها طعنة نافذة أعلى القلب.

منذ وصوله، عمد المقدم محمد ربيع إلى فحص مداخل ومخارج المنزل، لكن المعاينة أثبتت عدم وجود كسر أو آثار عنف تفيد بتسلل مجهول، وأيقن أن الجاني ليس غريبًا، فتلاحظ له عدم اتزان ابن المجني عليه وعلامات الارتباك التي بدت على الزوجة أيضًا، موجهًا معاونيه بجمع التحريات وسماع أقوال الجيران.

"عاطف كان جاي من ناحية البحر بيقول أبويا اتقتل يا بيه".. كلمات جاءت على لسان أحد قاطني العزبة، لتزداد معها الشكوك التي تراود رئيس المباحث فبادر بسؤال الزوجة التي ادعت في بادئ الأمر أن الحادث "قضاء وقدر" وأن زوجها اختل توازنه وسقط على "سيخ حديدي" أنهى حياته أثناء تواجدها رفقة أقاربها بشقتهما الثانية.

بالعودة إلى قطاع الشمال، كان العميد عمرو طلعت يتابع تطورات الواقعة، موجهًا فريق البحث بإعادة مناقشة الزوجة وتكثيف التحريات حول علاقته مع ابنه بقوله: "السر كله مع مراته وابنه ماحدش دخل ولا خرج غيرهم"، مشددا على أهمية دور عناصر الشرطة السرية في جمع المعلومات.

لم تستطع الزوجة المضي قدما في مسلسل كذبها لترشد المباحث عن الجاني بقولها: "القاتل هو ابني.. بس ده مريض نفسي وبنعالجه"، لافتة بأنها فوجئت بقدوم نجلها إلى محل إقامتها آذناك -الشقة الثانية- فبادرت بسؤاله عن سبب حضوره فأخبرها أنه لم يجد والده "قلبي اتقبض وقتها علشان جوزي كبير في السن ومش بيتحرك كتير" مشيرة إلى أنها فور دخولها الشقة وجدت "رب الأسرة" جثة هامدة غارقا في دمائه، وأن نجلها اعترف بفعلته لها: "قتلته علشان ارتاح منه".

واصطحب المقدم محمد ربيع المتهم إلى ديوان القسم لسماع أقواله، إذ أكد أنه استيقظ في تمام السابعة صباحا، ووجد والده مستغرقا في النوم، فوسوس له الشيطان بأنه لا مناص من قتل أبيه للتخلص من مضايقاته واضطهاده له -حسب وصفه- واستل سكينا من المطبخ وسدد له طعنة نافذة أودت بحياته، وألقى بأداة الجريمة بنهر النيل ثم عاد إلى المنزل واستأنف حياته بشكل طبيعي: "قعدت جنب الجثة وكنت بكلمه وقولت له انت السبب".

فيديو قد يعجبك: