إعلان

"زراعة الكتب وسعادة روائي سويسري بالقاهرة".. شريف بكر|مثقفون يروون ذكرياتهم مع معرض الكتاب

01:06 م الخميس 06 فبراير 2020

شريف بكر مدير دار العربي

حوار-رنا الجميعي:

بعد عام 2009 اختلفت نظرة شريف بكر، مدير دار العربي، لمهنة نشر الكتب؛ كان مُشاركًا ضمن برنامج الزمالة في معرض فرانكفورت للكتاب، ضمن 16 ناشر من أنحاء العالم، قبلها كان بكر مُجرد ناشر مصري "ماشي جمب الحيط"، بعدها أدرك أن عالم النشر لا يقتصر على الكتاب فقط، بل شبكة علاقات تمتدّ، وتحصدها بعد سنوات "زي الزراعة".

بهذا الإيمان كبُرت دار العربي للنشر، ومعها اكتسب بكر خبرات كثيرة خلال سنوات تجوله داخل معارض الكتب في أنحاء العالم المُختلفة.

يتذكر بكر آخرها في المكسيك، حيث مهرجان مدينة جوادالاخارا، وهو أكبر معرض للغة الإسبانية في العالم، في ديسمبر الماضي دُعي إليه بكر كأول ناشر عربي، ضمن احتفال المهرجان بمرور 34 سنة على تأسيسه، وأكثر ما لفت نظر بكر كان روح المهرجان التي تطغى عليه الألوان "كل حاجة كانت ملونة من أول البادجات واستاندات الكتب لحد لبسهم نفسه"، كانت المرة الأولى التي يذهب فيها بكر إلى المكسيك، وقد لاحظ أن الروح الملونة تلك مُنعكسة على كل شيء من شكل أغلفة الكتب والطعام، وحتى طريقة التعامل الودودة "يمكن احنا بعيد عنهم في المسافة لكن قريبين مننا في الشكل"، حتى أن الجميع هناك اعتقد أنه مكسيكي لا مصري.

1

ذلك التقارب كان على مستوى الثقافة أيضًا "مش مستعدين للسوق العالمية زينا"، حيث أن الأسبانية تُشبه اللغة العربية في مسألة تحدث الملايين بها، لكنّ في نفس الوقت عدم انتشارها "يعني الكاتب المعروف في كولمبيا في باقي القارة مش معروف"، وكذلك فبحسب مُلاحظات بكر أنهم لا يعرفون الكثير عن الكتاب المصريين "ميعرفوش غير نجيب محفوظ بسبب عالميته، وكمان عشان سلمى حايك الممثلة المكسيكية عملت فيلم عن رواية زقاق المدق".

يذكر بكر أيضًا أن المكسكيين هناك جادلوه في مسألة الأهرامات، حيث اعتقدوا أن بناء الهرم المدرج لديهم سابق عن أهرامات الجيزة، ورغم توضيح بكر لكنهم أنهو الأمر بالضحك "قالولي احنا بس هنسيبك عشان انت ضيف عندنا".

في استونيا كان لبكر تجربة لطيفة أخرى، حيث شارك في مهرجان العاصمة تالين، الذي لم يكن لبيع الكتب، بل لإقامة الفعاليات الثقافية، وكان مهرجان مُبهج في طريقة انتشاره، حيث أقيم داخل المطاعم والكافيهات والبارات، كما لاحظ بكر اهتمام الجمهور بالأدب "رغم إن عدد شعب استونيا قليل حوالي مليون ولغتهم مش بيتكلمها غيرهم وبالتالي ثقافتهم ضعيفة بس كانوا مهتمين يعرفوا عن اللي برة"، حتى أن من أبرز مشاهداته هناك كانت اهتمام الجمهور بسماع الشعر بلغته الأصلية.

وتعتبر معارض الكتب والمهرجانات الأدبية هي وسيلة بكر في اكتساب العلاقات، لذا تمكّن الناشر من عقد صفقات مع ثلاث كتاب في استونيا، وانتهى من ترجمة كُتبهم، حيث تهتم دار العربي بالأساس بالترجمة، ففي اعتقاد بكر أن تلك العلاقات هي الأساس "لأني من خلالها بقدر يبقى ليا علاقة مباشرة مع الكاتب بدون وسيط، ودا بيسهل حاجات كتير".

ومن ضمن مكاسب استونيا كانت ترجمة كتاب "التطهير" للفنلندية صوفي أوكسانين، حيث تعرّف عليها بكر عن قرب في استونيا، وتُعتبر صوفي من أشهر الكتاب بفنلندا "هي مرشحة لنوبل، وكمان هي اللي قالت كلمة فنلندا لما كانت ضيف شرف في معرض فرانكفورت للكتاب".

أما فرانكفورت الألماني فيعتبر دُرة المعارض في العالم بالنسبة لجميع المثقفين، هو "نقطة الالتقاء" كما يقول بكر، وقد شارك فيه على مدار 12 سنة "العالم كله هناك"، وفي 2008 قابل الكاتب علاء الأسواني الذي يعرفه قبلًا، وكان بين دار العربي للنشر والأسواني ذكرى لم تغب عن ذهن صاحب "عمارة يعقوبيان"، فحينما رآه ذكّره الأسواني بموقف جمعه بأبيه إسماعيل عبد الحكم بكر صاحب الدار "كان الأسواني اتفق مع كذا كاتب منهم مكاوي سعيد وعملوا مجلة سموها زرقاء اليمامة كانت عبارة عن قصص قصيرة"، وكانت المجلة ممولة من جُيوبهم، ومساهمة من عبد الحكم قام بعملية تجميع المجلة، وظلّ الأسواني مُمتنا لوالد بكر على ذلك الموقف.

على المستوى العربي يعتبر أول معرض كتاب ذهب إليه بكر هو المغرب، وهناك كان له تجربة أخرى مع القارئ المغربي "هما نهمين جدًا للقراءة"، فيحكي بكر أن حتى القراء الصغار منهم يهتمون بقراءة الكتب السياسية، وليسوا من المهتمين بالروايات، ويتذكر الفتاة ذات الإحدى عشر عامًا التي رغبت في شراء موسوعة الحضارة المصرية، ولكن السعر كان مرتفعًا بالنسبة لها "هما دايمًا شايفين إن الكتب المصرية غالية عليهم".

2

بجانب المكاسب على مستوى النشر، رُزق بكر بعلاقات إنسانية كانت الأجمل، هناك كاتب لا ينسى مدير دار العربي كيف بدأت علاقته معه بشكل سيء، ثم صارت صداقة متينة بعد ذلك، فقد جاء إلى مصر الكاتب السويسري يوناس لوشر عام 2016، ليقضي ثلاثة أسابيع في القاهرة، كان الغرض منها كتابة مقالة عن العاصمة من وجهة نظره، وقتها استقبله بكر الذي ترجم له كتابًا "وكان مكشر أوي وهو بيتصور"، حالة التجهم تلك أعطت لبكر انطباعًا أن كاتب ذو مزاج سيء.

مع ذلك حاول بكر مصاحبته، فتجوّل معه في القاهرة ليتعرف عليه أكثر، وبالفعل بدأ الرجل في التغير قليلًا، أما نقطة التحول فكانت حين اصطحبه معه لأحد مطاعم العاصمة التي تقع على السطح "وكان المكان اسمه happy city"، وجد بكر تغيّرًا في مزاج الكاتب السويسري، ومع الوقت رأى لوشر القاهرة من منظور آخر، شعر بالأمان داخل المدينة التي لا تنام، حتى أنه غيّر من بعض عاداته منها؛ السهر وشُرب السجائر والأكل في أي وقت.

ليس ذلك فحسب، بل إن لوشر اكتشف مع الوقت أن الناس في القاهرة أسعد بكثير من سكان سويسرا، ففي رأيه أنهم برغم معاناتهم المعيشية لكنهم يستطيعون قضاء وقت سعيد، استلهم لوشر ذلك عبر تردده الدائم على ذلك المطعم، حتى أنه أسمى مقاله "القاهرة المدينة السعيدة"، يحكي بكر أن لوشر خلال ندوته بمعرض الكتاب عام 2019 كان لايزال يتبنى وجهة النظر تلك، حتى أنه شبّه سويسرا بـ"السجن الكبير بس نضيف"، وذلك أمام السفير السويسري بذاته، ويتذكر بكر مخالفة جمهور الندوة لوجهة النظر تلك مصحوبة بضحكاتهم حيث قالوا "مش مشكلة سجن بس نروح".

السفر يُورث الحكمة، وبسبب تعدد مشاهدات بكر وتجوّله في البلاد، تعلّم الكثير؛ مما يغير من وجهة نظره تجاه الثقافة "اللي اتعلمته في السنين دي إن لو عجبك فكرة حلوة تخدم الثقافة خدها، مش لازم أعيد اختراع العجلة"، حيث يؤمن بكر أن مهنة نشر الكتب تُحارب طرق التعليم التقليدي، فمن ضمن الطرق التي يراها بكر في التسويق للثقافة "زي إن كاتب يعدي على قهوة مثلا ويشرب فيها، فيروجوا للمكان ده"، وذلك على عكس ما يحدث في مصر "هنا احنا بنهد فيلا أم كلثوم وأماكن تانية كتير بدل ما نستغلها".

فيديو قد يعجبك: