إعلان

حكاية واحد من دراويش "مكان": شبه بيت جدي

07:36 م الأحد 16 يونيو 2019

جانب من إحدى حفلات مكان

كتبت-رنا الجميعي:

تصوير-جلال المسري:

يتذكر أحمد المغربي، مؤسس مكان، أن أول حفلة للمركز المصري للفنون والثقافة، عام 2004، كان عدد الحضور فيها فردين، لم يُزعج ذلك المغربي الذي لم يُعلن عن افتتاح مكان بشكل كبير، ترك الأمر لمُتذوقي الفن، تدريجيًا امتلأ مكان بالجمهور، لكنه ليس كأي جمهور، هذا حُضور أدمن الأجواء المرتبطة بمكان، ومن بينهم محمد بركات الذي صار من دراويش المركز منذ 2006.

يُقدّم مكان فنون التراث الشعبي التي صارت في طريقها إلى الزوال، من فن الزار والموال الشعبي، والأراجيد وهي أغاني الأفراح في النوبة وأغاني قبيلة الجعافرة في أسوان، كما يقوم على حفظ ذلك التراث عبر تسجيل كل ما تطوله الأيدي لما تبقى من الفنون الشعبية.

1

لا علاقة لبركات بالفن، هو شخص يعرف الأرقام والاقتصاد فقط، كما يقول عن نفسه، حيث يعمل مديرًا لأحد البنوك، كما أن ذوقه السمعي تكوّن على صوت عبد الحليم حافظ وأم كلثوم ومحمد منير وفيروز ووديع الصافي، فكيف أصبح واحدًا ممن يُداوم على حضور حفلة كل ثلاثاء في مكان؟

حين دخل بركات إلى "مكان" اندهش، من الخارج لا يُدرك أحد أن ثمّة حفل هنا، فالصوت لا يكشف نفسه إلا لمن يقترب، كان على بركات أن يدفع بابًا صغيرًا لينضم إلى الحفل، ليكشف له عن "مكان"، وهي عبارة عن مساحة صغيرة فقط، في المنتصف يقف الفنانون، بينما تتراص في نصف دائرة كراسي خشبية يجلس عليها الحضور، تحتها سجاد يدوي، وبالجوار وسائد موضوعة على الأرض، أحسّ بركات بحالة من الحميمية تلتف فيها الأجواء، حتى أن هناك تقليدًا في مكان هو استراحة الحفل التي يتم فيها تقديم الشاي والكركديه، وهو طقس مستمر من 15 عام، شعور أسر نفس بركات "شبه بيت جدي".

يتذّكر بركات أولى الحفلات التي حضرها، كانت لفرقة زار مزاهر بقيادة الريسة مديحة، والزار هو فن شعبي أصبح وجوده نادرًا الآن، لم يُرافق أحد بركات، ذهب بمُفرده، حين حدّثته إحدى الصديقات بمكان قرر خوض التجربة، وحتى الآن مازال يذكر توقيت الحفلة، "في مايو 2006، يعني من 13 سنة".

2

فُتن بركات بصوت مديحة "لو هي موجودة فين أدوّر عليها، ليها حضور غريب، وجه مصري صميم"، حتى أنهم صاروا أصدقاء مع الوقت، أكثر ما أعجب بركات بفرقة مزاهر "إنهم ناس عادية من اللي بقابلهم في الشارع كل يوم، لكنهم عاملين فن مش عادي"، يُقدّم فرقة مزاهر أغاني الزار المحفوظة منذ قديم الأزل "وصحيح أنا مبفهمش الكلام بس ميهمنيش، لكن الصوت مع المزيكا بيعملوا حالة مالهاش مثيل".

شهد بركات تاريخًا طويلًا مع مكان، يذكر أن جمهور المركز المصري حتى ثورة يناير 2011 كان أغلبه من الأجانب، وفي كل مرة يأتي أصدقاء لبركات من الخارج يصحبهم إلى مكان "جبت ناس من هولندا وأوكرانيا بيحبوا روح المكان جدًا"، لكن بعد الثورة اختلفت نسبة الجمهور المصري "دلوقت بقيت أشوف كل الأعمار، وفيه عواجيز زيي"، يقولها بركات ضاحكًا.

3

لم يكن ذلك الاختلاف فقط الذي شهده بركات، بل تغيّر موعد حفلات مكان، بدلًا من الساعة التاسعة صارت في الثامنة "دا حصل من 3 سنين فاتوا"، وهو موعد غير مُناسب بالنسبة لبركات، فيقول ضاحكًا "حتى قلت لهم اعملوا حفلة ميد نايت بس موافقوش"، تقوم مكان بحفلة كل يوم ثلاثاء وأربعاء، وتعوّد بركات على حضور حفلة منهما كل أسبوعين على الأكثر.

حتى الآن لازالت بعض المواقف المتعلقة بمكان راسخة بداخله، لم ينْس يوم حريق مجلس الشورى، في 19 أغسطس 2008، حينها كان بركات يجلس في انتظار الحفل الذي على وشك أن يبدأ "لكن فريق الدفاع المدني جه وأخلى المكان"، أما من المواقف الطريفة التي لا تُمحيها ذاكرته هو انضمام عريس وعروسة مُرتدين زي الفرح إلى الحفل.

يُدرك بركات أن الفن الذي يُقدّمه مكان لا يجد مُتذوقين كُثر، "كتير كنت باخد معايا ناس صحابي بس فيه منهم اللي بيقول عليه إنه دوشة"، غير أن من يُحب الألوان المُقدّمة من زار وموال وغيره يُدمنه "الجو نفسه كمان غير أي حتة تانية".

تابع باقي موضوعات الملف:

مكان

"مكان".. مخزن "تراث" مصر المنسيّ (ملف خاص)

15 عام

15 عاما على إنشاء "مكان".. حلم "المغربي" في تسجيل التراث الغنائي المصري (حوار)

لأجل التراث

"لأجل التراث".. "فرح وبلالة" أصوات تُحافظ على أغاني الموال والنوبة في "مكان"

أيام في حضرة

أيام في حضرة الموسيقى.. مصراوي يعايش تجربة جمعت عازفين من مصر وسويسرا

فيديو قد يعجبك: