"الشانشولا" تكسر التقاليد.. كيف أغرق السمك الشعبي أسواق السويس؟ (فيديو)
كتب : مصراوي
أسعار السمك
السويس - حسام الدين أحمد:
في ظاهرة لم تشهدها أسواق السمك بالسويس من قبل، تراجعت الأسعار بشكل ملحوظ مع بداية موسم الصيد، نتيجة قرار غير مسبوق أدى إلى إغراق السوق بكميات ضخمة من الأسماك الشعبية فاقت حجم الطلب. فلأول مرة، انطلقت أساطيل الصيد بنوعيها الرئيسيين "الشانشولا" و"الجر" في وقت واحد، ليكسر الصيادون بأنفسهم تقليدًا متوارثًا منذ عقود، مدفوعين بظهور مبكر لـ"بشارة خير" في مياه الخليج.
"الضلمة" وقاعدة "لحم ودم".. تقاليد البحر الراسخة
لعقود طويلة، حكمت مياه خليج السويس تقاليد صيد غير مكتوبة لكنها صارمة. جرت العادة أن يبدأ الموسم في منتصف سبتمبر بخروج مراكب "الجر" التي تستهدف الأسماك القاعية، ثم بعد شهر تقريبًا، ومع حلول أكتوبر، يأتي دور مراكب "الشانشولا".
كان هذا التأخير مقصودًا وله سبب وجيه، إذ تنتظر "الشانشولا" غياب ضوء القمر لتبدأ رحلتها في الليالي الحالكة التي يسميها الصيادون "الضلمة".
في هذا الظلام، تجذب كشافاتها الساطعة الأسماك العائمة، وهي أنواع حساسة، يُطلق عليها في عالم الصيد "لحم ودم"، لوصف لحمها الأبيض الطري وكثرة دمائها وغياب القشور الصلبة التي تحميها. هذه الأسماك، مثل الكسكمري وشك الزور والباغة، لا تتحمل التخزين الطويل تحت الثلج، ولذلك كان الانتظار حتى برودة طقس الخريف في أكتوبر ضرورة لضمان وصولها إلى المستهلك بحالة جيدة.
"الكسكمري".. سمكة قلبت موازين الموسم
ما حدث هذا العام كان استثنائيًا. ففي شهر أغسطس الماضي، وخلال فترة وقف الصيد، ظهرت أسراب ضخمة من أسماك "الكسكمري" في مياه الخليج، وهي من أجود أنواع الأسماك الشعبية وأكثرها طلبًا.
هذه الوفرة المبكرة كانت فرصة ثمينة استغلتها "الفلايك" الصغيرة التي خالفت قرار الوقف ونزلت البحر. ورغم أن إنتاج هذه الفلايك قليل مقارنة بالمراكب الكبيرة، إلا أنها تمكنت من توفير كميات جيدة في السوق، مما أدى بالفعل إلى انخفاض سعر الكيلو من 200 جنيه إلى 120 جنيهًا فقط.
كان هذا المشهد بمثابة إنذار لأصحاب مراكب "الشانشولا". فظهور أسراب "الكسكمري" كان "بشارة" بوجود كميات هائلة من رزق البحر، لكنهم في الوقت نفسه خشوا أن تقضي "الفلايك" على هذه الثروة قبل أن يبدأ موسمهم الرسمي في أكتوبر. ومن هنا، جاء طلبهم العاجل وغير المسبوق: تبكير موعد انطلاق "الشانشولا" لسبتمبر، للحاق بنصيبهم من خير البحر قبل فوات الأوان.
480 مركبًا تغرق السوق.. والأسعار في متناول الجميع
وهكذا، استجابت السلطات لطلب الصيادين، وفي صباح 12 سبتمبر أبحرت مراكب "الشانشولا"، ولحقتها مراكب "الجر" بعد 3 أيام فقط، لتنطلق معها 320 فلوكة صيد مرخصة. جيش قوامه 480 مركبًا وفلوكة خرج إلى مياه الخليج في وقت واحد، ليعود تباعًا محملاً بخيرات البحر بكميات فاقت كل التوقعات.
هذه الوفرة الهائلة في المعروض، والتي تزامنت مع انشغال الأسر بتلبية احتياجات العام الدراسي الجديد، أدت إلى انخفاض غير مسبوق في الأسعار. فأسماك "الشانشولا" العائمة، مثل الكسكمري وشك الزور والباغة والسردين، هي العمود الفقري للسوق الشعبي، ومع زيادة المعروض منها انهارت الأسعار لتصبح في متناول الجميع.
وترجم هذا الانخفاض في أسواق السويس، حيث استقر سعر الشخرم عند 20 جنيهًا، والقاصة 40 جنيهًا، بينما تراوح سعر شك الزور والزرقان عند 70 جنيهًا، وبلغ سعر الحارت والحفارة 110 جنيهات. وشمل انخفاض الأسعار الأنواع الأخرى، حيث عرض التجار الجمبري القزاز "التايجر" بسعر 400 جنيه، والبربوني بسعر 120 جنيهًا، والدراك بين 80 و120 جنيهًا، أما الكابوريا فتراوحت بين 100 و150 جنيهًا حسب الحجم والنوع.