إعلان

حصن الصحراء المنسي.. هكذا حمى معبد "الغويطة" أهم طرق التجارة في التاريخ -صور

كتب : مصراوي

10:38 ص 11/09/2025

تابعنا على

الوادي الجديد – محمد الباريسي:

يعتبر معبد قصر الغويطة أحد أقدم المعابد في مصر وأبرز المعالم الأثرية التي تعكس تاريخ الواحات العريق. يمتد تاريخ المعبد عبر عصور متعددة، حيث يشمل تأثيرات من العصور الفارسية، البطلمية، والرومانية، مع إضافات تاريخية شاهدة على تحولات المنطقة ومكانتها الاستراتيجية على مدار القرون.

تاريخ المعبد وأصل تسميته

يمتد تاريخ معبد قصر الغويطة إلى ما يقارب 2500 سنة، حيث جرى تشييده في بداية العصر الفارسي خلال حكم الأسرة 27، أي في حوالي عام 520 قبل الميلاد.

وقال الأثري محمد إبراهيم، مدير الأثار المصرية بالوادي الجديد، لمصراوي، إن المعبد كان مكرسًا لعبادة ثالوث طيبة المقدس: آمون رع، موت، وخنسو، وهو الثالوث الذي يمثل رمزية هامة في الديانة المصرية القديمة، وأطلق عليه أهل الواحات اسم "الغويطة" وهي الكلمة التي تعني "الحقل الصغير"، في إشارة إلى موقعه داخل الأراضي الزراعية المجاورة للمعبد.

العصور التي مر بها المعبد

أضاف إبراهيم، أنه المعبد شهد العديد من الفترات التاريخية، حيث جرى إضافة العديد من التحسينات خلال العصور التالية، من أبرزها العصر البطلمي والعصر الروماني، يشتمل المعبد على خراطيش ملكية من العصر الفارسي، مثل خرطوش الملك داريوس الأول، بالإضافة إلى نقوش أخرى تذكر أسماء الملوك البطالمة مثل بطليموس الثالث (يورجتيس) وبطليموس الرابع (فليوباتر)، كما جرى اكتشاف منظر غير مكتمل يظهر الملك بطليموس العاشر، مما يشير إلى التوسع والتطوير الذي شهده المعبد في تلك الفترة.

ولفت إلى أنه في العصر الروماني، جرى إضافة مبانٍ من الطوب اللبن حول جسم المعبد المصنوع من الحجر الرملي، والتي كانت تستخدم كمخازن وحجرات حراسة لحماية الطريق التجاري ودروب الصحراء.

موقع المعبد وأهميته الاستراتيجية

معبد قصر الغويطة يقع على ارتفاع حوالي 70 مترًا فوق سطح الأرض في منطقة جبلية صخرية، ما يجعله بمثابة نقطة مراقبة استراتيجية على طريق "درب الأربعين"، الذي كان يعد من أهم الطرق التجارية في العصور القديمة.

أضاف الخبير الأثري بهجت أحمد إبراهيم أبو صديرة، مدير الآثار المصرية السابق بالمحافظة، أن هذا الطريق كان يربط وادي النيل بمنطقة دارفور في السودان عبر الواحات، وكان المعبد بمثابة نقطة استراحة للقوافل التجارية التي كانت تعبر هذا الطريق، حيث كانت القوافل تتوقف لتموين نفسها بعد دفع رسوم التأمين والضرائب، وجرى بناء محيط المعبد بحائط ضخم عُرف بارتفاعه الشاهق الذي كان يتيح للقوات العسكرية المتواجدة فيه مراقبة الطريق وحمايته من أي هجمات أو غارات.

الإضافات المعمارية والتوسعات

قال بهجت، إنه إلى جانب التوسع في المعبد نفسه، جرى بناء العديد من المباني الملحقة التي استخدمها الجنود الرومان كنقاط حراسة، وتعتبر هذه المباني دليلاً آخر على أهمية الموقع كحصن استراتيجي في قلب الواحات، وتشير الدراسات الأثرية إلى أن أقدم أجزاء المعبد تعود إلى العصر الفارسي، بينما جرى توسيعه بشكل كبير في العصور التالية، بما في ذلك العصر الروماني الذي شهد بناء الأسوار والأبراج المحيطة.

الأبحاث والتنقيب الأثري

شهد معبد الغويطة العديد من الحفائر الأثرية التي كانت بداية على يد الدكتور أحمد فخري في عام 1972، حيث جرى تنظيف المعبد وتنقيبه، خاصة في الأجزاء القديمة التي تحتوي على الحجرات الداخلية.

وفقا لتصريحات بهجت لمصراوي، منذ ذلك الحين، قامت جامعة "يل" الأمريكية بتنفيذ مشروع جبل الغويطة بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار، حيث جرى استكشاف المزيد من تفاصيل المعبد وتاريخه المعماري، ورغم الجهود الكبيرة، فإن بعض المعلومات حول المعبد لا تزال قيد البحث ولم يتم نشر نتائج الحفائر بشكل كامل حتى الآن.

المعبد في العصور اللاحقة

وأضاف بهجت، أنه بجانب كونه مركزًا لعبادة الثالوث الطيبي، يعتقد أن المعبد قد استخدم لاحقًا في العصور القبطية لأغراض دينية أخرى، حيث تشير بعض النقوش المكتشفة إلى وجود أسماء لبعض الرهبان على جدران المعبد، مما يشير إلى أن المعبد قد تحول إلى مكان للعبادة المسيحية في فترات لاحقة.

أهمية المعبد في السياحة الثقافية

قال محسن عبد المنعم الصايغ، مدير الهيئة المصرية العامة لتنشيط السياحة بالوادي الجديد، لمصراوي، إن معبد قصر الغويطة يعتبر اليوم واحدًا من أبرز المواقع السياحية في الواحات، حيث يستهوي الزوار من كافة أنحاء العالم بما يحمله من تاريخ طويل وثقافة غنية، ويستمر المعبد في جذب الرحالة والمستكشفين المهتمين بدراسة آثار الفراعنة والتاريخ المصري القديم، ويظل المعبد شاهداً على تطور الإنسان في المنطقة وعلى حضارة مصر القديمة من خلال النقوش والرسوم التي تزين جدرانه.

وقال محسن، إن معبد قصر الغويطة يعد واحدًا من أروع المعابد الأثرية التي تعكس حضارة مصر القديمة على مر العصور، من خلال تاريخه الطويل الذي يمتد من العصر الفارسي إلى العصر الروماني والعصر القبطي، يمثل هذا المعبد حجر الزاوية في فهمنا للتجارة والعبادة والحياة الاجتماعية في الواحات، ومع استمرار التنقيب والبحث، فإن معبد قصر الغويطة سيسهم بشكل أكبر في توسيع معرفتنا بتاريخ مصر وواحاتها.

وأوضح أنه رغم العوامل الطبيعية التي تعرض لها المعبد مثل التدمير الناتج عن التغيرات المناخية والظروف البيئية، إلا أن بقاياه تظل محفوظة بشكل ملحوظ، ما يجعل من هذا المعبد موقعًا أثريًا يستحق الزيارة والدراسة.

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان