إعلان

بعد 59 عامًا.. "المسرح الروماني" في الإسكندرية يبوح بأسرار جديدة

11:52 م الأربعاء 24 يوليو 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

الإسكندرية – محمد البدري:

لا تزال الأثار المصرية عبر العصور تبوح بأسرار كتمتها على مدار سنوات، وتغير ما اعتقد البعض حينًا من الدهر، أنه حقائق راسخة في الأذهان، وكأنها تتحدى العلم الحديث بعد مرور آلاف السنوات.

وبعد مرور 59 عامًا على اكتشافه، لا يزال المسرح الروماني محل دراسات لا تنتهي بدءًا من الجدل السائد حول الوظيفة التي أُنشئ من أجلها ذلك المبنى الأثري، وصولًا إلى استمرار بعثات التنقيب التي كشفت عن المزيد من خبايا الموقع وكان آخرها العثور على بقايا لوحات قديمة تشير إلى جزء من تاريخ المدينة في القرون الأولى الميلادية.

ويستعرض "مصراوي" في السطور التالية جانبا من المعلومات وصلت إلى حد المغالطات، التي ظلت لسنوات وكأنها حقائق ثابتة في تاريخ المدرج الروماني الملقب منذ اكتشافه بـ"المسرح" وفقًا لمراجع تاريخية وخبراء متخصصين، لرصد جانبًا من خبايا المبنى الأثري الفريد والذي رغم اختلاف الآراء حول وظيفته الأساسية إلا أن الدراسات أكدت أنه جمع بين مجالات الفن والسياسة والعلوم في مكان واحد على أرض لإسكندرية.

رحلة البحث عن مقبرة الإسكندر تقود لاكتشافه

وفقًا لدراسة أجرتها الباحثة الأثرية منى عبد الله، جرى اكتشاف موقع المسرح الروماني بالصدفة حيث كان الهدف الكشف عن مقبرة الإسكندر الأكبر علي اعتقاد أنه "كوم الديماس" وتعني "كوم الجثمان"، وبدأت أعمال الحفر والتنقيب بمنطقة كوم الدكة الأثرية منذ 1960 بالتعاون مع مصلحة الآثار الممثلة في المتحف اليوناني الروماني والمركز البولندي لآثار البحر المتوسط عقب صدور قرار إزالة التل.

وتضيف "عبد الله" في دراستها أنه خلال أعمال التنقيب جرى رفع ونقل حوالي 40 ألف متر مكعب من التراب والحجارة للكشف عن أهم معالم المنطقة وهو شارع المسرح الذي يبلغ طوله داخل حدود المنطقة 186 متر والمدرج الروماني بالإضافة إلى الصهريج والحمام الروماني والحي السكني القديم.

المسرح الروماني بالإسكندرية (1)

تاريخ الإنشاء

يعتبر المدرج الروماني الأثر الوحيد من المباني الدائرية في مصر، ويرجع تاريخ تأسيسه إلى أوائل القرن الرابع الميلادي وظل مستخدمًا حتى العصر الإسلامي مرورًا بالعصر الروماني والبيزنطي.

براعة التصميم

بحسب ما جرى اكتشافه من قبل البعثات الأثرية، صمم المسرح علي شكل حدوة حصان أو حرف "U"، والمسرح في بدايته كان مكون من 16 صفًا في العصر الروماني ومدخلين من الشمال والجنوب وأجزاء من مقاعد رخامية وأجزاء معمارية أخرى مستخدمة من قبل في مباني وغطي بقبة كبيرة من الطوب الأحمر كانت تستند من الأمام على عمودين كبيرين، ثم خفض عدد المدرجات إلى 13 صفًا في العصر البيزنطي بعد إضافة مقصورات لعلية القوم ومجموعة من الأعمدة من الرخام والجرانيت المختلف الألوان.

هل كان ساحة قتال؟

وفقا لكتاب آثار الإسكندرية القديمة للدكتور عزت قادوس، رئيس قسم الآثار والدراسات اليونانية والرومانية الأسبق بجامعة الإسكندرية، اختلفت الآراء حول استخدامات المسرح الروماني نظرا للتعديلات التي مرت على تكوينه المعماري خلال عدة عصور، ومن بينها رأي بأنه كان يستخدم كساحة قتال على غرار الساحات الرومانية الشهيرة في هذا الوقت وخاصة الشكل الدائري للمقاعد المحيطة بالساحة، إلا أن الباحث رفض ذلك الرأي لأن المباني يفترض أن تكون ذات مساحة متسعة بما يسمح بقيام النزال كما لم يتم العثور على أي أثر لأسوار تحمي المشاهدين من حدة القال والتي تعزل الساحة عن الصف الأول.

المسرح الروماني بالإسكندرية (4)

قصة المسرح

ووفقا لأستاذ الآثار والدراسات اليونانية والرومانية بجامعة الإسكندرية كان يُعتقد في بداية الاكتشاف أن المبنى كان يستخدم لتقديم عروض تمثيل، حيث اعتبر الدعامتين المربعتين كانتا لحمل المسرح إلا أن أحدها كانت تحمل نقشا يؤكد أنها كانت مكشوفة من جميع الجهات، كما يعيب هذا الرأي أن وجود خشبة المسرح باتجاه الغرب يحجب المدخل الرئيسي الوحيد، بينا كان المقترح لخشبة المسرح أن تكون عكس الدرج.

وبالعودة إلى الدراسات المقارنة بينه وبين المسارح المشابهة، التي اكتشفت في عدد من الدول اتضح أن مبني المسرح عادة ما يكون على شكل حرف "C" أو نصف دائرة حتى يتمكن الجالسون على الأطراف من المشاهدة، ما جعل أغلب الباحثين يفضلون تسميته بـ"المدرج الروماني".

قاعة اجتماعات سياسية

أشارت أعمال التنقيب إلى أن أحد الفرضيات لاستخدام المسرح الروماني تدل على أنه كان صالة اجتماعات سياسية، حيث عثر على شعار الدولة البيزنطية أو أنه كان مقرا للحزب الحاكم في نفس الوقت، وبدأ استخدامه كمجلس للمدينة بعد زلزال وقع عام 535 ميلادية، أدى إلى هدم عدد من الأعمدة، كما عثر على نقوش بمدرجات المسرح تتمنى "الحظ والنصر" للحزب الأخضر مرة ولشخص يدعى أنتيدوروس مرة أخرى ما يبين الصفة السياسية للمبنى في العصر البيزنطي.

قاعة محاضرات

الدكتور إسلام عاصم، أستاذ التراث بالمعهد العالي للسياحة، نقيب المرشدين السياحيين السابق، يعتقد أن المدرج الروماني كان يستخدم أيضا خلال القرون الأولى كمكان لتلقى العلم وذلك بعد اكتشاف 21 قاعة محاضرات صغيرة حول المدرج فيما رفع من احتمال أن يكون المدرج الرئيسي هو القاعة الكبرى لتقديم المحاضرات العلمية.

المسرح الروماني بالإسكندرية (5)

صالة موسيقية

ويؤكد أستاذ التراث وجود شواهد على أن المسرح استخدم في بدايته كصالة موسيقية "أوديون" استنادا إلى وجود الأعمدة حيث كان المبنى مسقوفا وهي إحدى خصائص المعمارية للأوديون، مشيرا إلى ما ذكر في كتاب آثار الإسكندرية القديمة عن العثور على نقش آخر يتمنى الفوز والحظ لأحد الذين اشتركوا في أحد المسابقات الموسيقية التي أقيمت بالمدرج، وهي عادة رومانية بأن تجرى المسابقات الفنية في مبان الأودويون.

كما تبين من تصميم المبنى أن الموقع جرت دراسته وقت الإنشاء بحيث تحمل الرياح الصوت فتصدم بالجدار الغربي ليرتد صدى الصوت وهذا ضمن خصائص التصميم الهندسي، وبالتالي فإن الجالسين على المدرجات الجانبين يستطيعون سماع الموسيقى عكس لو كان البناء مسرحا لأن الرؤية ستكون أصعب في حالة وجود خشبة مسرح للتمثيل.

يذكر أن البعثة الأثرية المصرية البولندية التابعة للمركز البولندي لآثار البحر الأبيض المتوسط لجامعة وارسو، العاملة بمنطقة آثار كوم الدكة بالإسكندرية، كشفت، منتصف يوليو الجاري، عن بقايا جزء كبير من مدينة أثرية ترجع للفترة ما بين القرن الرابع و القرن السابع بعد الميلاد، ومجموعة من الفسيفساء الرومانية تغطي أرضية أحد المنازل بالمدينة.

فيديو قد يعجبك: