إعلان

"شيالة الحمول".. 3 حكايات لسيدات قهرنَّ المستحيل لتربية أبنائهن

04:30 م الثلاثاء 19 مارس 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

الشرقية – فاطمة الديب:

"لن أسميكِ امرأة، سأسميك كل شيء".. حكمة قالها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، قبل عقود، محاولًا توصيف أهمية ودور المرأة في الحياة، لكن ما تقدمه النساء بمحافظة الشرقية فاق حدود الكلمات وكل بيوت الشعر.

"مصراوي" رصد حكايات من دفتر الأمومة "الشرقاوية" الذي يحمل في طياته آلام ومعاناة لنساء واجهن قوانين الطبيعة التي كانت من شأنها إجبارهن في كثير من الأوقات على الرضوخ والاستسلام، إلا أن ما فعلنه كان أشبه بالإعجاز.

11 بنت وولد

على بُعد أمتار من مدخل قرية "سنهوا" التابعة لمركز ومدينة منيا القمح، تعيش الحاجة "علية مدبولي محمد" البالغة من العمر 69 عامًا، والتي عاشت أغلب سنوات عمرها في معاناة ومسئولية تنوء بها الجبال؛ بعدما توفي زوجها تاركًا لها إحدى ابنًا، بينهم تسعة من الأطفال لم يبلغون الحلم بعد.

"جوزي مات من 32 سنة وساب لي 6 بنات و5 ولاد.. مكانش فرح بحد منهم غير ليلى وأحمد، جوزهم قبل ما يموت، البنت راحت بيت جوزها والواد اتجوز وقعد معانا في أوضة في البيت اللي كان يا دوب 4 مطارح خد هو ومراته مطرح منهم".. قالتها الحاجة عليه لـ"مصراوي" تسرد تفاصيل كفاحها الذي بدأ قبل وفاة زوجها بعامين: "المسئولية كانت كبيرة عليا لكن ربنا قدرني، وجوزي تعب قبل ما يموت بسنتين واتحجز في مستشفى الزوامل، كنت أصحى من الفجر أعمل شغل البيت وأفطر العيال وأروح أوصل أحمد اللي يا دوب كان لسة مخلص 3 إعداي وراح الحربية، كنت بخاف عليه أوي ويا دوب أوصله وأجري على المستشفى علشان أشوف جوزي".

الذهاب إلى المستشفى للاطمئنان على الزوج كانت رحلة مرهقة تتجدد يوميًا وتقوم بها الزوجة عن طيب خاطر: "كنت بروح المستشفى كل يوم مشي مسافة كبيرة، وقتها ما كانش فيه تكاتك ولا غيره، وبعدها بفترة جوزي راح عند اللي خلقه وبقيت أنا كل حاجه لولادي، وبقيت أحوط عليهم على أد ما قدرت".

وتابعت: "ما وقفش جنبي بعد موت جوزي غير ربنا وابني الكبير أحمد، كان بيقبض من القوات المسلحة ويديني القبض، وبقيت أشتري طيور وأربي وأبيع في سوق البلد عندنا، وبعدها ربيت مواشي، ولما المسئولية زادت العيال كانت بتكبر واللي بييجي كان يدوب بيكفي بالعافية، وغصب عني طلعت ولدين من الإعدادية يساعدوني ويقفوا جنبي، والحمد لله ربنا كرمني وجوزت التسعة الباقيين واطمنت عليهم بعد كفاح وتعب، ودلوقتي بيردوا لي الجميل وتمرت فيهم التربية والحمد لله، لكن نفسي أحج بيت الله".

شيالة الحمول

مدينة الإبراهيمية، الواقعة بشمال المحافظة، شهدت قصة كفاح بطلتها ربة منزل تُدعى "عزيزة السيد إبراهيم" والتي أتمت ربيعها التاسع والخمسون، تحملت خلالها مسئولية طفلين بعد انفصالها عن زوجها، ولم تكُن تملك من الدنيا شيئًا سوى مسكن بسيط ومرض ابتلاها الله به في صدرها لتبدأ رحلة المعاناة.

"وقتها علي ابني الكبير كان عنده 3 سنين، ورحمة عندها سنتين، وأنا كنت تعبانة بحساسية على صدري، ولما حِمل الدنيا زاد عليا بعد الانفصال ما اترددتش لحظة واحدة إني أشتغل أي شغلانه شريفة مهما كانت علشان أتكفل بمصاريفهم".. قالتها عزيزة لـ"مصراوي" قبل أن توضح طبيعة عملها بعد الإنفصال: "كان سوق البلد عندنا يوم الخميس، وكنت بروح السوق أشيل الشنط مكان الستات أوصلها ليهم البيت ويدوني 2 جنيه عن كل مشوار علشان أعرف أربي عيالي".

العمل لم يقتصر على الذهاب إلى سوق القرية، وفقَّ ما توضحه الحاجة عزيزية: "باقي الأيام كنت أروح أشتغل في الأراضي الزراعية والغيطان، ربنا وحده عالم أنا شوفت إيه في تربيتهم، والحمد لله علمت الولد وجوزته والبنت أبوها رفض يديني أي أوراق علشان أقدم لها في المدرسة وماعرفتش أعلمها، لكن ربنا قدرني وجوزتها واطمنت عليها، وبصراحة نفسي أزور بيت الله".

الأم البديلة

داخل منطقة "الكير هاوس" في مدينة العاشر من رمضان، يقع شادر اللحوم والجزارين، ورغم أن المهنة تقتصر بشكل حصري على الرجال، إلا أن سيدة "جزارة" في العقد الخامس من عمرها، حازت سمعة طيبة يحسدها عليها الكثيرون.

"كنت بروح مع أبويا محل الجزارة وأنا صغيرة وكنت متعلقة بيه أوي وكنت أبص عليه وأشوفه بيعمل إيه علشان أتعلم، ولما مات دخلت عالم الجزارة ووقفت مكانه في المحل".. قالتها الحاجة "منى بدر"، 46 سنة لـ"مصراوي" لافتةً إلى أن أول مرة تذبح فيها كان عمرها وقتها 15 سنة: "دبحت عجل وأنا عندي 15 سنة، ومن وقتها رفضت فكرة الجواز وفضلت إني أجوز إخواتي البنات وأربي ولاد أخويا التلاتة بعد ما ماتت أمهم وهي بتولد الصغير فيهم، واللي سابته في الدنيا وعمره ساعة واحدة بس".

"الحاجة منى" أوضحت سبب رفضها للجواز بكلماتٍ واثقة: "ما فكرتش يوم فيه.. اتقدملي ناس كتير لكن أنا رفضت وفضلت الشغل على الجواز، خصوصًا إن والدي اتوفى وترك لي إخواتي صغيرين ساعدت في جوازهم، دا غير إن مرات أخويا ماتت وسابت 3 أطفال عمر الصغير فيهم ساعة"، قبل أن تختتم حديثها برضا تام: "الحمد لله راضية جدًا باللي أنا فيه وحب الناس ليا وبسمعتي الطيبة، كفاية رضى أمي عليا ما هو رضاها من رضا ربنا وحب الناس ليا".

فيديو قد يعجبك: