إعلان

فورين بوليسي تكشف أسبابًا جديدة للتدخل الروسي في سوريا

09:20 م الجمعة 01 فبراير 2019

بوتين وبشار الأسد في سوريا

كتب - هشام عبد الخالق:

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقريرًا اليوم الجمعة، حول ما قد يرغب به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من سوريا.

وأوضحت المجلة في تقريرها، أن الوجود الروسي في سوريا لم يكن بسبب اهتمامها المفاجئ بالشأن السوري، مضيفة أنه بعد انسحاب الولايات المتحدة من سوريا أصبح مصير الدولة الشرق أوسطية المضطربة في أيدي روسيا، ولكن لن تتغير استراتيجية الكرملين بشكل كبير بعد الانسحاب.

وتقول المجلة، إن هدف الكرملين من مساعدة سوريا لطالما كان التخطيط لدورها في الشرق الأوسط، وكان يُنظر دائمًا إلى الصراع على أنه أداة لعرض الطموحات التي تؤكد وجود روسيا كقوة عالمية. وترى موسكو أن تخلي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سوريا انتصار يضيف بشكل كبير إلى رأسمالها السياسي، كما يمكن أن يسمح لموسكو بالاتصال بالقادة الأوروبيين في فرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى رئيس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وإقناعهم بتبني النسخة الروسية الخاصة من التسوية السياسية.

روسيا بدأت غاراتها الجوية رسميًا في سوريا في سبتمبر 2015. وفي الوقت نفسه، قوبلت محاولات موسكو المتشددة لتشديد قبضتها على أوكرانيا الشرقية بموجات من العقوبات، سرعان ما أدت إلى انهيار السياسة الدولية في الكرملين.

وتشير المجلة إلى أنه على الرغم من محاولة موسكو الصعبة الظهور كأكبر عائق في العالم وإثارة غضب العالم الغربي عند كل منعطف، كان هدفها الحقيقي هو اكتساب نفوذٍ كافٍ لإعادة الانخراط مع العالم كقوة لها ثقلها.

وبحسب ميخائيل زيجار، المحرر السابق بقناة "Rain" الروسية المستقلة، فإن أوكرانيا كانت قضية خاسرة، حيث أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الأمريكي جورج دبليو بوش في 2008 بقمة الناتو: "إذا انضمت أوكرانيا إلى الناتو، فستفعل هذا بدون شبه جزيرة القرم والمناطق الشرقية"، ولم يكن بإمكان الكرملين التخلي عن مستعمرته السوفييتية السابقة.

عندما تدخلت روسيا في الشرق الأوسط، كانت سوريا أرضًا يقاتل الآلاف بعضهم البعض، وظهر تنظيم داعش كأكثر التنظيمات إثارة للذعر في العالم، وكانت روسيا لا تزال تستفيق من آثار الغزو السوفيتي لأفغانستان والذي أدى لانهيار الاتحاد السوفيتي، وعلى الرغم من الحذر عند استخدام الخيار العسكري في سوريا، إلا أن الفوائد المحتملة لمثل هذا التدخل فاقت المخاطر في رأي الاستراتيجيين بالكرملين.

وبحسب المجلة، رأى القادة الاستراتيجيون أن هزيمة تنظيم داعش واغتنام الفرصة لتوجيه العملية السياسية في سوريا كفرصة لتأكيد وضع روسيا كقوة عالمية. كما أن فرصة للقتال إلى جانب الدول الغربية، جنبا إلى جنب مع علاقات موسكو الخاصة مع النظام السوري وإيران، يعني أن الكرملين يمكن أن يظهر نفسه على أنه يحارب شرًا عالميًا على هيئة تنظيم داعش.

الظهور كقوة إقليمية كان هدف آخر لبوتين، الذي تحدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل يومين من بدء الحملات الجوية، وأوضح أن دور موسكو سيكون "إصلاحيًا"، ووجه سؤاله للحاضرين وقتها وقال: "هل تدركون ماذا تسببتم به الآن؟"، وحقق دور "المصلح" فوائده -بحسب المجلة- ولكن روسيا لم تدخل سوريا لإصلاحها، حيث كان بوتين يقصد أن يكون أكثر من مجرد عامل إصلاح. حيث أراد أن تكون موسكو لاعبًا لا غنى عنه في منطقة الشرق الأوسط.

وتقول المجلة، إن ما قامت به روسيا لم يكن مجرد فرصة انتهازية وتخطيط تكتيكي قصير الأجل، ولم يكن هدفها في سوريا الاستيلاء على ما تبقى، بل لاستعراض عضلاتها وقوتها.

واتضح، بحسب المجلة الأمريكية، أن طريقة موسكو كانت نعمة ولكن بشكل خفيّ وذلك في إطار الاضطراب في الشرق الأوسط، فعندما يقرر رجل واحد في الكرملين ومجموعة صغيرة من المساعدين المختارين، كل شيء في مكالمة هاتفية، فهذا يشبه إلى حد كبير طريقة ممارسة الأنظمة الاستبدادية لنشاطاتها في المنطقة.

بعد ثلاث سنوات من القصف المتواصل واجتماعات بحث الأزمة السورية في سوتشي وأستانا، أصبح من الواضح أن روسيا تفضل وجود تسوية سياسية. ويبدو أن مغامراتها الخارجية قد آتت ثمارها. حيث ساعدت أعمال الكرملين على ضمان وصوله إلى جميع الأطراف المتصارعة في المنطقة، وأصبح الصوت الروسي مسموعًا الآن في كل مكان.

وعلى الرغم من أن الطريق إلى التسوية السياسية وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع سيكون وعرًا، فإن هناك ثقة في أن إطار أستانا سينتج في النهاية نتيجة مقبولة. وهكذا، شعر الكرملين بالحاجة إلى البدء في تقليص وجوده الإقليمي ولكن التمسك بمصالحه الأصلية (وهي زيادة التجارة والرأسمال السياسي الإقليمي) الذي يجب أن يكون واضحًا لجميع الأطراف في المنطقة.

وتشير المجلة، إلى أنه حتى قبل قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، اكتسبت موسكو بالفعل ما يكفي من القوة السياسية واستخدمت نفوذها لتصبح الوسيط الرئيسي مما يجعلها شريكة للجميع وليست صديقة لأحد.

والآن بعد انسحاب واشنطن من سوريا، لا تزال موسكو متيقظة حيال احتمال عودة العنف عن طريق تنظيم داعش أو النصرة، لكنها تحاول أيضًا تغيير استراتيجيتها لتصبح أكثر انتهازية. وتريد موسكو من دول المنطقة التعامل معها كقوة قادرة على الاستفادة من الفرص - سواء في مجال الطاقة أو صادرات الأسلحة أو الزراعة - وفي نفس الوقت الحفاظ على توازن أمني مناسب.

وفي الوقت الذي حققت فيه استراتيجية روسيا في سوريا فوائد ملموسة، يبقى السؤال: إلى متى يستطيع الكرملين الحفاظ على تلك الفوائد؟ مع سعي ترامب إلى "إيقاف الحروب التي لا نهاية لها"، قد تجد موسكو نفسها قريبًا في خضم صراع حاد مع ظلال طائفية إذا اندلعت حرب جديدة بين الوسطاء في سوريا، الرياض وطهران، ولن يكون لدى بوتين أي خيار سوى الانحياز إلى جانب على حساب الآخر، وهو ما يقوض دور الوسيط.

فيديو قد يعجبك: