أكتوبر يحسم مصير صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل.. وخبراء يرجحون هذا السيناريو
كتب- أحمد والي:
صفقة الغاز الإسرائيلية
تترقب دوائر الطاقة والاقتصاد في مصر وإسرائيل حسم مصير اتفاق توريد الغاز الطبيعي بين الجانبين، والذي تُقدَّر قيمته بنحو 35 مليار دولار، وسط مؤشرات متباينة بين رغبة في المضي قدمًا نحو التنفيذ وضغوط سياسية قد تؤدي إلى التأجيل أو التجميد.
الاتفاق، الذي أُعلن عنه في أغسطس الماضي، ينص على توريد الغاز من حقل "ليفياثان" الإسرائيلي إلى مصر حتى عام 2040، بإجمالي كميات تصل إلى 130 مليار متر مكعب، ليصبح أحد أكبر عقود الطاقة في تاريخ التعاون بين البلدين منذ اتفاق تصدير الغاز المصري لإسرائيل مطلع الألفية.
ويشمل الاتفاق مرحلتين: الأولى تبدأ بإمدادات جزئية عام 2026، تليها المرحلة الثانية بعد استكمال توسعة البنية التحتية وخطوط الأنابيب التي تربط الحقل بمحطات الإسالة المصرية في إدكو ودمياط، تمهيدًا لإعادة تصدير الغاز إلى الأسواق الأوروبية.
ضغوط سياسية مقابل مصالح اقتصادية
رغم الجدوى الاقتصادية الكبيرة للاتفاق، فإن التوترات السياسية الإقليمية، خاصة في ظل الأوضاع المتوترة بغزة، ألقت بظلالها على المفاوضات، وسط حديث عن ضغوط داخل إسرائيل لإعادة تقييم الصفقة.
في المقابل، ترى الحكومة المصرية أن التعاون في مجال الطاقة يمثل مصلحة استراتيجية مشتركة، ويعزز دور مصر كمركز إقليمي لتجارة وتصدير الغاز في شرق المتوسط، خاصة مع توقع ارتفاع الطلب الأوروبي على الغاز المسال خلال السنوات المقبلة.
الحسم بدافع اقتصادي لا سياسي
يرى المهندس مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، أن السيناريو الأقرب هو تنفيذ الصفقة خلال الفترة المقبلة، لكن بدفع مباشر من الشركات الأمريكية المالكة لحقوق الامتياز في الحقول الإسرائيلية، وعلى رأسها شركة شيفرون، وليس من الحكومة الإسرائيلية نفسها.
وقال يوسف في تصريحات خاصة لمصراوي، إن "شيفرون التي تمتلك 55% من حقل ليفياثان هي الطرف الأكثر إصرارًا على إتمام الصفقة، نظرًا لتحملها استثمارات ضخمة دون تحقيق عائد حتى الآن"، مضيفًا: "الشركات الأمريكية لن تسمح بتجميد أصولها وستضغط على الجانب الإسرائيلي لإقرار الصفقة مع مصر في أسرع وقت."
وأوضح أن مصر تمثل المنفذ الوحيد القادر على استيعاب الغاز الإسرائيلي عبر محطات الإسالة، ما يمنحها قوة تفاوضية استثنائية تمكنها من تحسين شروط التعاقد لصالحها، مؤكدًا أن مصر "ستجلس على طاولة المفاوضات بكعبٍ عالٍ".
وأشار إلى أن تجميد الصفقة سيضر بإسرائيل وشركاتها أكثر من مصر، لأن تطوير الحقول سيتوقف وتتجمد الاستثمارات، بينما تستطيع مصر تلبية احتياجاتها عبر واردات بديلة، خاصة بعد تعاقدها على أربع وحدات لإعادة التغييز لتغطية الطلب المحلي في فترات الذروة.
وأضاف: "مصر لا تضغط لتنفيذ الصفقة، بل الشركات الأمريكية هي التي تسعى إليها. لذلك من المتوقع أن تُحسم قريبًا تحت ضغط اقتصادي لا سياسي، مع بقاء اليد العليا في التفاوض للقاهرة."
إسرائيل لا تملك خيارًا سوى التصدير عبر مصر
من جانبه، قال الدكتور ثروت راغب، أستاذ هندسة البترول والطاقة، إن التعاون في ملف الغاز بين مصر وإسرائيل تحكمه اعتبارات اقتصادية بحتة، موضحًا أن إسرائيل لا تمتلك محطات لإسالة الغاز مثل إدكو ودمياط، وبالتالي لا خيار أمامها سوى التصدير عبر مصر.
وأضاف راغب في تصريحات خاصة لمصراوي، أن إسرائيل تنتج حاليًا فائضًا يقارب مليار قدم مكعب يوميًا، بينما تستهلك مصر نحو 6.5 مليار قدم مكعب يوميًا، ما يجعلها بحاجة إلى كميات إضافية لتغطية الطلب المحلي، خاصة خلال الصيف.
وأكد أن أي توقف أو خفض في صادرات الغاز من إسرائيل سيضر بها أكثر مما يضر مصر، لأن الإنتاج سيستمر دون منفذ لتصريفه، موضحًا: "حتى في حال حدوث خلاف سياسي، إسرائيل ستكون الطرف المتضرر لأنها لا تملك بنية تحتية لتسييل الغاز أو خطوط تصدير بديلة، ومصر تظل المنفذ الوحيد أمامها."
وأشار إلى أن استمرار التصدير إلى مصر يحظى بدعم الشركات الأمريكية العاملة في الحقول الإسرائيلية، كونها المستفيد الأكبر من الحفاظ على تدفق الإنتاج والتصدير.
كما أوضح أن مصر تستفيد ماليًا من رسوم مرور الغاز الإسرائيلي واستخدام محطات الإسالة، إضافة إلى الغاز المسال المستورد عبر ثلاث سفن تغييز ساعدت في تفادي انقطاعات الكهرباء خلال الصيف الماضي.
اكتشافات جديدة وآفاق أوسع للطاقة
وأشار راغب إلى أن اكتشافات مصرية جديدة ستدخل الإنتاج خلال الأشهر الستة المقبلة، من بينها حقول في شمال الإسكندرية وحقل نرجس-1، تُقدر احتياطياتها بنحو 2.7 تريليون قدم مكعب، ما يعزز قدرة مصر على تعويض كميات الغاز المستوردة من إسرائيل.
وأوضح أن مصر ستبدأ استقبال الغاز القبرصي من حقل أفروديت (كورلس) عبر خط بحري بحلول عام 2027، بما يدعم أمن الطاقة الوطني ويكرس مكانتها كمركز إقليمي لتجارة الغاز في المنطقة.
واختتم قائلاً إن تنويع مصادر الطاقة في مصر يمثل عامل أمان استراتيجي، في ظل توسع الدولة في الطاقة المتجددة (الرياح، الشمس، والهيدروجين الأخضر)، ما يقلل استهلاك الغاز في الكهرباء ويوفر كميات أكبر للتصدير والاستخدام الصناعي.
التنفيذ بات مسألة وقت
من جانبه، قال الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي والنائب السابق في البرلمان، إن الاتفاق سينفذ بشكل طبيعي خلال الأسابيع المقبلة، مؤكدًا أن الملف تجاري بالأساس وليس سياسيًا، مضيفًا أن "جميع الموافقات اللازمة شبه منتهية، والتنفيذ بات مسألة وقت فقط".
وأضاف فؤاد أن هناك "غُصّة حقيقية" داخل إسرائيل تجاه هذا الملف، مشيرًا إلى أن تقرير وزارة المالية الإسرائيلية الأخير كشف عن شعور بالضيق ليس فقط من الجانب السياسي، بل لأنهم يرون أنفسهم "أسرى تجاريًا لمصر".
وأوضح أن الوزارة كانت تسعى لتحديد سعر يقترب من 9 دولارات للمليون وحدة حرارية، بينما أُغلق الاتفاق عند نحو 7.6 دولار، وهو ما اعتبرته دوائر إسرائيلية تنازلًا اقتصاديًا واضحًا.
واختتم فؤاد قائلًا: "الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل لعدم المساس بشركة شيفرون، وده اللي بيخلي القصة فيها شق تجاري كبير بيحاولوا يلبسوه عِمّة سياسية".