إعلان

اليابان تنافس على الأوسكار بالبحث عن حقيقة "آنا"

06:54 م الثلاثاء 23 فبراير 2016

اليابان تنافس على الأوسكار بالبحث عن حقيقة "آنا"

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

الحياة مليئة بالتفاصيل الهنية، والمرهقة حد الانهيار البدني، البعض يسايرها، على أمل تجاوزها، والبعض الآخر في ظاهره يبحث عن حياة أخرى، فيما يغرق باطنه في زخمها، باحثا عن الحقيقة، تطارده أم يطاردها لا يضيره، فقط يندفع للإجابة على أسئلة تؤرقه، لكنه يتقبلها، يرتاح لها، ولنفسه التي يصفى معها للحظات بعيدا عن الخصام المعتاد. تلك الحالة غير المرتبطة بعمر أو مكان، أصابت آنا ساساكي، الفتاة ذات الاثني عشر ربيعا، بطلة الفيلم الياباني "حين كانت مارني هناك".

تدور أحداث فيلم الرسوم المتحركة المرشح للأوسكار على أرض اليابان، تتجلى مظاهر الحياة في تفاصيل كثيرة، كالملابس والطعام، لكن أوضحها كان اللغة، غير أن ملامح الشخصيات الرئيسية جاءت بعيدة عن الحالة، فهي أقرب لأهل أوروبا وأمريكا، وليس اليابان، وربما يرجع ذلك لأن قصة الفيلم مأخوذة عن رواية الكاتبة البريطانية "جوان روبنسون".


1

تنتقل "آنا" لمنزل أقاربها، ليبدأ زخم الأحداث بالفيلم الصادر عام2014. العائلة، الصداقة، والدفء الذي تبحث عنه الفتاة، التقته هناك، في قصر مهجور، يطل على ضفة البحر، ينحسر عنه الماء بالجذر، ويلتمع ظله على سطحه بالمد، سبق أن رسمته "آنا" بدفترها، لتجده تماما كما رسمت، وكذلك "مارني"، الفتاة الشقراء ذو الشعر الأصفر الطويل، التي ظلت تحلم بها تقابلت معها، لتنشغل عن الهم المصاحب لها، منذ رأت ورقة بحوزة أسرتها، تؤكد حصولها على أموال للإنفاق على الفتاة المتبناة، حينها عرفت سر لون عينيها الزرقاوين خلافا لوالديها.

 

2


"آنا" في الأساس طفلة يتيمة، تكفلت برعايتها عائلة "يوريكو"، حاوطتها بالرعاية، لكنها كانت منطوية على نفسها، تصب كل ما بفكرها في دفتر رسم يلازمها، الناس بالنسبة لها أطياف مخيفة، تتذبذب يديها حين تقرر أن تشارك أحدهم بما تفعل، فإن تراجع بغير قصد، تهرول مستاءة، تئن صارخة "أنا بكره نفسي"، يسيطر عليها شعور أنها خارج عالم رفاقها وجميع مَن حولها.

تغيرت "آنا" بعد معرفتها بخبر حصول أسرتها على أموال نظير تربيتها، صارت ملامحها جامدة، لا تعبر عن ردود أفعالها، وداهمها المرض، وبات بخاخ الاستنشاق رفيق مرضها بالربو أينما ذهبت، حالة من الحزن لا تعرف الأم سببها، لا يفيد إلحاحها بالسؤال، لذا اقترحت والدتها بعد استشارة الطبيب أن تذهب الصغيرة إلى أقاربهم بالقرية الساحلية، لعل المناخ المختلف والنقي يشفيها.

3

ولأن لكل شيء سبب، كانت "مارني" وسيلة "آنا" للوصول إلى الحقيقة عن نفسها وعائلتها، رمز الذاكرة بما تحمله من التفاصيل للفتاة الصغيرة، لذا صارتا صديقتين، ينقل لك المخرج هاياو ميازاكي -أفضل مخرج أفلام أنمي ياباني- دقائق اللحظات بين الفتاتين، كيف تنتظر ذات الشعر القصير الوقت لتلتقي "مارني"، فيتبدل كل شيء؛ تدب الحياة مرة أخرى بالمنزل المهجور، تنسى الصغيرة نفسها مع رفيقتها، المشتركة معها بكثير من الملامح، تُسمع ضحكتها للمرة الأولى، تتجاوز مخاوفها وخجلها من الغرباء، تقطع على نفسها عهدا بأن تدوم صداقتهما، فيما تقسم "مارني" أنها حافظة سرها الأبدي.


4


 لم يكن أحد يرى "مارني" إلا "آنا"، كل المؤشرات كانت تخبرها بعدم وجود صديقتها، لكن الحلم كان يأخذ بيدها، ويمتزج مع شخصيات واقعية، مختلفة عما حولها، بدءً من الصياد قليل الكلام، الذي أنقذها حين ارتفع المد، والسيدة المسن الرسامة "هيساكو"، التي عايشت قصة القصر وساكنوه لزمن، فكانت رسمتها للمنزل دليل آخر لـ"آنا"، التي كانت تساير الأحداث بمرونة، فتذهب للقصر، بمجرد أن أبصرت به تجديدات، لتلتقي بفتاة صغيرة "ساياكا"، التي اقتسمت معها بحثها عن الحقيقة، بعد اكتشافها لمذكرات "مارني".

 ربما لا تجد في صورة الفيلم، المنفذ باستوديهات غيبلي –احتفى به مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام- ما يبهرك، أكثر من تنوع الألوان، وزخم المشاعر المنطوي عليه الفيلم، البالغ مدته ساعة و42 دقيقة، وهو ما سيخرجك بنوع من الاكتفاء، وعدم الشعور بضياع الوقت، لمشاهدة أحد أفلام "ميزاكي" الذي حصل فيلمه  SPIRITED AWA "المخطوفة" على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة عام 2003، وترشح فيلمه Howl's Moving Castle "قلعة هاول المتحركة" لجائزة الأوسكار عام 2006،  كما أن البساطة البادية بالفيلم، والتعقيد المقابل في حبكة القصة، يعطيك الدافع لمواصلة المشاهدة حتى النهاية، لتعرف حقيقة "آنا".

Capture

لم يكن طريق ذات الاثني عشر عاما للحقيقة يسير، تعبت "آنا" كثيرا حد المرض بالحمى، ظنت أن "مارني" تركتها كما فعل الأهل، بعد أن اختفت لأيام، وهنا كانت لحظة الصدق، ازيح الستار عن التفاصيل الضبابية، اشتبكت مع كلمات"هيساكو" صديقة "مارني"، التي أخبرتها أن الفتاة الشقراء امرأة عجوز توفت قبل عشر أعوام، تاركة حفيدة في الثانية من عمرها، راعتها بعد أن توفت ابنتها "إيميلي"، وحكت لها معاناة "مارني" منذ كانت طفلة، غير أن تلك التفاصيل ما كانت إلا تكرار على مسامع "آنا"، فسبق أن أخبرتها ذات العينين الزرقاوين بها.

211

في لحظات ينفتح الكادر، ويُترك الزمن، لذاكرة "آنا"، لتطل عليها باستعادة تفاصيل أعوامها الأولى، وتلك السيدة التي تحكي لها عن جدها، ووالدتها، فيما تنهل عيناها من ذلك المنزل، فما كانت الجدة المسن إلا "مارني".

7(1)

روح واحدة اقتسمتها "آنا" و"مارني"، عبرا عن معاناة الصغار، الأولى أخفى عنها أسرتها البديلة حقيقة أنها متبناه، فأسرت سخطها، فيما ذاقت الثانية إهمال الأهل الأثرياء، وتركها لقسوة الخدم، كلاهما توفا عنهم الأهل، بعد أن تعنتوا في حب ذواتهم، بينما الصغيرتان كانتا فقط تبحث عن الحياة، لذا حينما أتت الفرصة، وباتت الأمور واضحة، عادت "آنا" لطفولتها، غفرت لوالدتها تأخرها في إعلامها بالحقيقة، مودعة بمحبة الصياد، الرسامة، وصديقتها الجديدة "ساياكا"، عائدة لمنزلها مرة أخرى.

فيديو قد يعجبك: