إعلان

يزرع الأمل بالموسيقى.. لبناني يتطوع لتدريس "البيانو" بعد انفجار بيروت

06:35 م الإثنين 31 أغسطس 2020

حسين قرعوني تطوع لتعليم البيانو لأبناء بيروت بعد ا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

يعلم حسين قرعوني جيدًا ما تُحدثه الموسيقى بالنفس، ذاق ذلك منذ عمر الثمانية، ولازمه الأثر حتى اختار العزف على البيانو رغم دراسته للجرافيك، صحبت الموسيقى قرعوني في أشد اللحظات حزنًا، رفض أن يتوقف عنها مع تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان، وغلق الأكاديمية التي يعمل بها لتفشي فيروس كورونا، التمس دومًا في تعليمها طريقًا للأمل، لذا حين وقع انفجار مرفأ بيروت، أغسطس الجاري، ما وجد الشاب شيء يقدمه للمتضررين أفضل مما يتقن؛ تطوع عازف البيانو لاستكمال دروس الموسيقى للطلاب الذين أجبرتهم الكارثة على التوقف.

مع الأيام التالية للانفجار، فعل قرعوني مثل الكثير من اللبنانيين "أول يومين نزلنا على بيروت ساعدنا العالم قد ما نقدر على الأرض"، لكن هذا لم يكن كافيًا لدى عازف البيانو، أراد تقديم مساعدة يدوم أثرها، يعلم أن المال أكثر ما تحتاجه الأسر المتضررة بعدما فقدت بيوتها، لكن هذا ليس بمقدوره طويلاً.

فكر قرعوني في أن "الواحد إذا مش قادر يحط فلوس فيه يحط من الشيء اللي بيعرفه. فيه يحط من إنسانيته"، تذكر صاحب الخامسة والعشرين ربيعًا أن للأسر المتضررة أبناء، منهم مَن كان يتلقى دروسًا في العزف على البيانو مثل طلابه في أكاديمية أوتار لتعليم الموسيقى، الذين يدرس لهم في مدينة صور-جنوب لبنان، تخيل أن أحدهم لن يرجع لأستاذه لأنه لم يعد يملك حق تلك الدروس، فسرعان ما أعلن عبر صفحته على فيسبوك أنه مستعد للتكفل بتعليم أي طالب يدرس البيانو تأثر جراء الانفجار حتى تتيسر الأمور.

1

ردود فعل إيجابية استقبلها قرعوني إزاء مبادرته، لكن الأقرب لقلبه بتلقيه طلبات تدريس من أبناء بيروت المتضررين. نحو 20 طالبًا، أصغرهم بعمر 8 أعوام يتابعهم عازف البيانو، بعضهم يتواصل معهم عبر الانترنت لبعد المسافة بينه وبينهم، إذ يستغرق الوصول من مدينة صور إلى بيروت نحو الساعة والنصف، وأما مَن سكنوا عند أقاربهم بالجنوب أو في محيط قريب، يذهب الشاب إليهم.

خلال ما بين 30 و45 دقيقة مع كل طالب أسبوعيًا، يلمس قرعوني السماء، يمد تلاميذه الجدد بتفاصيل عن البيانو، فيما يعين أخرين ممن يجيدون الغناء "عندي خبرة بالفوكاليز والصولفيج وغيرها من النظريات الغنائية بساعدهم على قدر ما بقدر". لا يفرق الشاب اللبناني بين الطلاب المتضررين وغيرهم، يعاملهم كأن شيئًا لم يقع، يسافر معهم مدة الدرس إلى عالم آخر، لا خوف فيه ولا حزن، فقط أنغام الموسيقى.

يستشعر قرعوني أنه يزرع الأمل في نفوس طلاب بيروت، يرى ذلك في الوجوه "الولاد بينبسطوا أن في حدا عم يهتم فيهم. خصوصًا حدا اجى من وين ما عم يعرفوا. فكروا أنه راح يوقفوا موسيقى بعد ما بيتهم راح وأنه حتى لو اتصلح ما بقى يقدروا يكملوا"، لكن بتطوع عازف البيانو استعاد الصغار شيء من حياتهم التي فقدوها بين ليلة وضاها.

مع كل لقاء يحتضن قرعوني ابتسامة طلابه مباشرة أو افتراضيًا، تُلجمه كلمات شكر الأهالي على ما يصنع، فيما يذوب مع كلمات تكررت على لسان أكثر من طالب "لو ما في كورونا كنا غمرناك (حضناك)".

يؤمن عازف البيانو بأثر الموسيقى خاصة في الأزمات، يرغب بفعله أن يخبر الصغار "أحنا ما بنستسلم.. صحيح في أضرار مادية ولبنان عم يمرق بأزمة لكن أهم شيء نحنا"، يحمل على عاتقه واجب تعريف الأجيال الأصغر عمرًا الطريق نحو الموسيقى والعلم "وكل شيء إله فايدة"، يرى في تلك الدقائق التي يسخرها من وقته هدفًا أبعد من القاء "بس حدا يشوفك بتعمل هيك وهو صغير راح يتعلم. يمكن بعدين لا سمح الله يصير أي نكبة راح ياخد محلي ويعلم الجيل اللي بعده".

2

ما يفعله قرعوني ليس جديدًا عليه، منذ تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان ثم تفشي فيروس كورونا، وتفرغ خريج الكونسرفتوار بشكل كبير لتعليم الموسيقى "من قبل ما كان عندي كتير وقت أعلم في الأوقات العادية"، كان يقضي مدير أكاديمة أوتار لتعليم الموسيقى يومين في التدريس لطلاب الأكاديمية ، فضلاً عن كونه أستاذ بالمدرسة الدولية للإبداع، ويدرس بشكل غير منتظم لطلاب جامعيين، فيما يواصل السفر كعازف بيانو، طاف الشاب إلى الآن نحو 20 دولة، مَثل لبنان عام 2014 في مهرجان روسيا العالمي للموسيقى، لكن الأوضاع تغيرت قبل أشهر، جاء "كورونا" محفزًا لابن مدينة صور اللبنانية لتقديم المساعدة.

وجد قرعوني مع عدد من أساتذة الموسيقى بديلاً بعد غلق الأكاديمية لتفشي الوباء "كنا عم نعلم بمجهود خاص. صرنا نروح للأولاد على البيت"، لم يكن الانترنت وسيلة جيدة لسوء جودتها في كثير من الأحيان، كذلك ابقى الشاب على أسعار الدروس رغم تغير حال العملة "بعدنا عم ناخد نفس السعر. 50 ألف ليرة على الدرس كانت تعادل 32 دولار هلا صارت بتعادل 6 دولار".

بعض معلمي الموسيقى واكبوا المتغيرات وضاعفوا ثمن الدروس أو قبلوا بالعملة الأجنبية، لكن قرعوني رفض حتى أن يكون المقابل بغير الليرة اللبنانية، لم يرغب عازف البيانو أن يزيد معاناة اللبنانيين، بل يتخففوا من أعبائهم بالموسيقى، وكذلك قصد بعد الانفجار.

يواصل قرعوني الدروس مع طلاب بيروت المتضررين، يأمل في كل مرة أن يترك أثرًا فيهم، يعلم أن مهمته مؤقته "خبرتهم أي حدا بده يدرس معي بس تا يرجع يتحسن وضعه يعود لأستاذه الأساسي"، لم يتطوع عازف البيانو لأجل المال كما يقول، لكن لدافع يحركه "الموسيقى بالوقت الراهن شغلته بس يزرع كل شيء إله علاقة بالطيبة وعدم الطائفية واحترام الآخر".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان