إعلان

في مواجهة كورونا والإعاقة.. قصة 15 سيدة يمنية تصنعن الكمامات بـ"عدن"

02:13 م الإثنين 26 أكتوبر 2020

سيدة يمنية تصنعن الكمامات

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- دعاء الفولي:

كانت نهلة فضل تتأخر عن موعد المدرسة، إذ لم تجد الفتاة وقتها وسيلة نقل جيدة، اضطرت للسير مسافات طويلة وهي التي وُلدت بإعاقة في ساقها اليُمنى، لم تكن ظروفها الصحية أزمة كبيرة، حتى وبّخها المدرسون أكثر من مرة "كرهت إعاقتي ولم أذهب للمدرسة لشهور طويلة"، قبل أن تثنيها والدتها عن التسرب من التعليم، أقنعتها بالعودة للمدرسة الموجودة بقرية البريقة بمحافظة عدن اليمنية، أتمّت نهلة دراستها بشق الأنفس؛ التحقت بمعهد التدريب المهني وأتقنت الخياطة أو "المهنة التي حققت حلمي" كما تحب أن تسميها، غير أن فيروس كورونا وأزمات اليمن جعلا الأمور أسوأ.

تعمل نهلة في مشغل تابع لمعهد التدريب المهني، ضمن 15 سيدة أخرى من ذوي الإعاقة، ينسجن بأيديهن ملابس متنوعة، يعملن في التطريز أيضا، كان المشغل ولازال فرصتهن الأكبر لإثبات الجدارة، غير أن ظهور فيروس كورونا أجبر المكان على الإغلاق لفترة، وعقب العودة بات العمل أقل كثيرا "لذا تدخلنا بتقديم مشروع صغير لهن بميزانية 4000 دولار وهو مشروع لصناعة كمامات"، كما يقول محمد عيديد الموظف الميداني في قسم الأمن والاقتصاد باللجنة الدولية للصليب الأحمر.

سبتمبر الماضي بدأت الخمسة عشر سيدة في تعلم حياكة الكمامات، أمدّهم الصليب الأحمر بالمواد الخام؛ الأقمشة والخيوط والأكياس البلاستيك، خلال أيام أنهين تدريبهن وعملن على إنتاج 2500 كمامة، لكل واحدة منهن حكاية تتداخل فيها تفاصيل الإعاقة والحرب "لكننا استطعنا التأقلم سريعا مع الظروف".

الثامنة صباحا يبدأ دوام عمل سيدات مشغل الحياكة بالمعهد، وفر لهن المكان وسائل انتقال منه والعكس، غير أن وصول بعضهن لمرحلة العمل لم يكن يسيرا، كما حدث مع سيناء محمود، مشرفة التدريب بالمشغل، فأسرة السيدة الثلاثينية طالما اعترضوا على خروجها للعمل "لأني فتاة ريفية وعندهم الشغل عيب ولازم البنت تجلس بالبيت"، كما أن إصابتها بمرض شلل الأطفال جعل الظروف أسوأ "حصلت على ماكينة خياطة وعملت عليها لكن لم أستغن عن الخروج للعمل أيضا وأقنعتهم بالنهاية لما شافوا إصراري".

صورة 1

سيناء تعيش ضمن ما يقارب 30 مليون نسمة باليمن، ألقت الحرب التي اشتعلت عام 2015، بين ميليشيات الحوثيين والسلطة وقوات التحالف ظلالها على كل شيء؛ بداية من الاقتصاد الذي تقلص 50%، مرورا بانخفاض عمالة النساء بنسبة 28% وتدني الأجور، فيما أُجبرت بعض النساء بمناطق مختلفة على البقاء بالمنزل دون عمل بسبب المخاوف الأمنية، حسب تقرير أصدره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، يوليو 2019.

20 عاما لم تبرح فيها سيناء عملها بين الحياكة والتطريز، ورغم أن عمرها لم يجاوز السادسة والثلاثين "بس الحمد لله حبي للمهنة خلاني أكون مدربة واعمل مع 12 فتاة أخرى في المشغل من ذوي الإعاقة"، كانت الحياة قبل كورونا شبه مستقرة، لكن طالما أثرت الحرب على تفاصيل سيدات المشغل "الحرب أزعجتنا نفسيا وصحيا واقتصاديا.. زادت أسعار المواد الغذائية والمواصلات والجانب الصحي صار مزري للاسف مافي تامين صحي مافي عناية مافي اهتمام"، تلك التفاصيل لمست نهلة أيضا "وزاد عليها انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، عملنا يتأثر جدا بذلك".

حين دفع "الصليب الأحمر" بالمشروع للمشغل "كان أمامنا وقت قصير لننهي الكمامات"، تعين على السيدات أن تنتج الواحدة منهم 40 لـ 50 كمامة يوميا، اضطررن أحيانا للبقاء حتى العصر لإنهاء العمل "بس كانت أجواء ممتعة واحنا نشعر إننا بنعمل شيء حلو وعندنا حركة بالمشغل"، تفتقد نهلة أجواء ما قبل كورونا، تفخر بما وصلت له "كنت أطرز كل شيء، من ملابس الأطفال لفساتين الأفراح وأصنع ملابس"، باتت الأم والزوجة مشهورة بصنعتها في قرية البريقة حيث تنتمي، تُرجع الفضل في ذلك لوالدتها "لولاها لما خرجت لسوق العمل أو واجهت الناس".

صورة 2

مازالت كلمات الأم ترن في عقل نهلة "إنتي ما ناقصك شيء"، تستعيدها حين ترى فتيات القرية ممن مروا بظروف شبيهة لها، تحدثهن عن ضرورة التعليم، تحكي لهم عن حلمها الأول "أن أصير مدرسة"، لكنها تضحك مستطردة "بس بقولهم إني صرت مدرسة بس بالخياطة"، تحزن عندما تشهد على شدة الأهل تجاه بعض الفتيات في القرية "حالتهم تتدهور أكتر وحقوقهم الأصيلة بتؤخذ منهن"، لذلك ربما تشعر سيناء بالفضل لإصرارها "انا الآن مسئولة عن نفسي، الحمد لله لا أحتاج أحد ينفق علي".

لم يتوقف دعم "الصليب الأحمر" عند ذلك، يقول عيديد إن المنظمة ستساعد السيدات على إنشاء مشاريع صغيرة "ربما محل خياطة صغير وإن شاء الله سندرس أفكار وآليات التدخل لدعم السيدات ذوي الإعاقات بمشاريع مختلفة"، ذلك ما تنتظره نهلة، فالسيدة الثلاثينية تحصل على دخل ضعيف "ما يعادل 100 جنيه مصري شهريا راتب من الحكومة"، بالإضافة لأجرة عملها في المشغل والتي تحصل عليها مقابل حجم الإنتاج وليس بشكل ثابت، فيما تتمنى لو لديها ماكينة في المنزل، تشجعها على الإنتاج بصورة أكبر.

فيديو قد يعجبك: