لعنة "الخِلفة البنات"..قصة "كيان" التي قُتلت على يد والدها في أسيوط
كتب : مصراوي
هيئة المحكمة باسيوط
أسيوط ـ محمود عجمي:
في قلب قرية المعابدة الغربية بمركز أبنوب بمحافظة أسيوط، تتكشف مأساة حقيقية، قصة طفلة بريئة لم تتجاوز التسعة أشهر، دفعت حياتها ثمنًا لرغبة والدها في إنجاب الذكور؛ هذه ليست مجرد جريمة، بل هي قصة "كيان"، رمز البراءة التي اغتيلت على يد من كان من المفترض أن يكون حاميها.
"مصطفى. أ. ك" (28 عامًا)، عامل بسيط، كان يحمل في داخله رغبة في إنجاب الذكور، هذه الرغبة تحولت إلى هوس أعمى؛ تزوج أول مرة من ابنة عمه قبل تسع سنوات؛ الأيام الأولى كانت تحمل معها الفرح، لكنها سرعان ما تبددت مع قدوم المولودة الأولى.. "أنثى" انقلبت حياة الزوجين إلى سلسلة لا تتوقف من الشجارات والخلافات.
أربعة أعوام مرت، وجاءت المولودة الثانية.. "أنثى" أخرى؛ تصاعدت الخلافات وتركت الزوجة منزلها مرارًا، لكن تدخل الأهل كان يعيدها في كل مرة، لم يغير ذلك شيئًا من قناعة "مصطفى" الذي ظل يردد: "أريد ولدًا!"، حتى وصل الأمر إلى الطلاق.
لم ييأس "مصطفى" حتى تزوج مرة أخرى، هذه المرة من "شيرين. ج. م" (21 عامًا)، كان الأمل يحدوه أن هذه الزيجة ستأتيه بالولد المنتظر، وبعد عامين ونصف، شعرت "شيرين" بأعراض الحمل، وهرع بها "مصطفى" إلى الطبيبة؛ كانت عيناه تلمعان بالترقب، يترقب سماع الخبر السعيد، خبر مجيء الذكر الذي سيطفئ ظمأه، لكن السونار لم يكذب، أظهر أن المولودة المنتظرة هي "أنثى".. هنا، تحولت الفرحة إلى غضب جامح، وتوقفت حياة الزوجين عند نقطة الصفر.
بدأت المشاجرات من جديد، بل صارت أشد وأعنف، طالب "مصطفى" زوجته بإسقاط الجنين، مبررًا ذلك بكلمات صادمة: "أنا مابحبش خلفة البنات!"، لكن "شيرين" أصرت على الاحتفاظ بطفلتها، لم يثنها ذلك عن ضربها المبرح في محاولة لإجهاضها، لكن عناية الله كانت تحيط بـ"كيان" الصغيرة في أحشاء أمها.
جاء يوم ميلاد "كيان"، حملتها "شيرين" إلى العيادة ووضعتها، وسط حزن أبيها الذي لم يتغير قلبه المتحجر، "كيان" اسم جميل يعني الوجود، لكن وجودها كان يثير غضب والدها، ظلت الصغيرة في أحضان أمها، بينما كان "مصطفى" يعتدي باستمرار على زوجته، ويردد كلمات تقشعر لها الأبدان: "أنا عايز أموت البنت، مابحبش خلفة البنات!".
في مساء الثالث من مارس الماضي، وصلت القصة إلى ذروتها المأساوية، كانت "كيان" قد أكملت تسعة أشهر من عمرها القصير.. حملها "مصطفى" بين يديه، فصرخت الطفلة وبكت، وكأنها تستشعر الخطر المحدق بها، حاولت "شيرين" أن تنتزع ابنتها من بين يديه، لكن "مصطفى" دفعها بقوة وطردها خارج المنزل.
ركضت "شيرين" مذعورة إلى حماتها في الطابق الأرضي من نفس المنزل، تستنجد بها لإنقاذ طفلتها؛ لكن رد الحماة كان بمثابة حكم بالموت على "كيان": "أكيد مش هيعمل في بنته حاجة، مش هتهون عليه".
بعد نحو ساعتين، نزل "مصطفى" إلى شقة والدته، و"كيان" بين يديه. نظر إلى والدته وزوجته وقال ببرود قاتل: "البنت ماتت!". صرخت الأم المكلومة: "أنت عملت لها إيه؟ حرام عليك!"، فأجاب "مصطفى" بلا مبالاة: "أنا ضربتها وماتت!". انهارت "شيرين" في نوبة صراخ وبكاء، فألقى "مصطفى" بجثة "كيان" على الأريكة، وانهال على زوجته بالضرب ليسكت صراخها.
في صباح اليوم التالي، هربت "شيرين" من المنزل، خوفًا من بطش زوجها، جلست في الشارع تائهة، حتى علمت أن "مصطفى" قد حمل جثة "كيان" لدفنها، في تلك اللحظة، قررت "شيرين" أن توقف هذه المأساة، وتوجهت إلى مركز الشرطة لتبلغ عن جريمة قتل طفلتها؛ تحرك ضباط المباحث على الفور، وألقوا القبض على "مصطفى" تم نقل جثمان "كيان" الصغيرة إلى مشرحة مستشفى أبنوب المركزي.
وتعود أحداث القضية رقم 7408 لسنة 2025 جنايات مركز أبنوب، إلى بلاغ تلقاه مركز الشرطة من السيدة "شيرين. ج. م"، المقيمة بالقرية ذاتها، تتهم فيه زوجها "مصطفى. أ. ك"، البالغ من العمر 28 عامًا، بالتعدي عليها وعلى طفلتهما "كيان" البالغة من العمر 9 أشهر، ما أسفر عن وفاة الطفلة.
وكشفت تحريات رئيس وحدة مباحث مركز أبنوب، عن صحة أقوال الزوجة، حيث تبين أن المتهم اعتدى على طفلته بالضرب ثم خنقها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة، بدافع رفضه لإنجاب الإناث.
وأوضحت التحريات أن المتهم قام بطرد زوجته من منزل الزوجية، وانفرد بالطفلة المجني عليها، قبل أن ينقلها بعد وفاتها إلى منزل والدته.
قضت الدائرة الثانية عشرة بمحكمة جنايات أسيوط، بالسجن المؤبد لعامل أدين بقتل طفلته الرضيعة بدافع رفضه لإنجاب الإناث، في واقعة هزت قرية المعابدة الغربية التابعة لمركز أبنوب بمحافظة أسيوط.
صدر الحكم برئاسة المستشار وليد سيد الأمير رئيس المحكمة، وعضوية المستشارين محمد أبو القاسم محمد الرئيس بالمحكمة و أحمد عصمت الزيني نائب رئيس المحكمة ، وأمانة سر صلاح تمام و أحمد عبد العال.