إعلان

مقابر احتضنت الأحياء.. قصة جبل الموتى و3 آلاف مدفن بسيوة

كتب- مصراوي:

12:48 م 19/06/2025

تابعنا على


في قلب واحة سيوة، حيث تمتزج الرمال بالحكايات، وتهمس النخيل بأسرار الزمن البعيد، يقف "جبل الموتى" شامخًا كحارس صامت لتاريخ مدفون لا يشبه سواه.

في عام 1944، بينما كانت نيران الحرب العالمية الثانية تزحف نحو الحدود، لجأ أهالي سيوة إلى جبل صخري يبعد قرابة كيلومترين عن المدينة، بحثًا عن مأوى يقيهم شر القنابل وصوت البنادق، لكنهم لم يجدوا فقط الأمان هناك، بل اكتشفوا ما لم يتخيله عقل.

فبين تجاويف الجبل وكهوفه الصغيرة، عثر السكان على سراديب طويلة وممرات تؤدي إلى قاعات محفورة بدقة، تخبئ في جدرانها آلاف الحكايات.. لقد كانوا في قلب مقبرة أثرية ضخمة، تضم ما يقرب من 3 آلاف مقبرة من مختلف العصور: فرعونية، بطلمية، ورومانية.

أطلقوا عليه اسم "جبل الموتى".. لكن المكان لم يكن موحشًا، بل نابضًا بالحياة القديمة، حيث تروي جدرانه ما عاشه أصحابها، من فرح وموت، حب وولاء، وإيمان عميق بالحياة بعد الموت.

من أشهر تلك المقابر، كانت مقبرة "سي آمون"، ذلك الرجل ذو الأصول اليونانية الذي اختار أن يتخلى عن هويته الإغريقية ويتقمص روح المصريين. حلق لحيته وشعره، ووقف أمام "أوزوريس" يقدم القرابين، كما يظهر في النقوش المحفورة على جدران المقبرة. أحب الحضارة المصرية حتى آخر لحظة، وتزوج من مصرية، ليُدفن بين أهلها كما لو كان واحدًا منهم.

في داخل المقبرة، تبرز رسومات للإلهة "إيزيس" وهي تحمل مفتاح الحياة، و"نفتيس" و"حورس"، فيما يقف "أنوبيس" في ركن آخر، يجهّز "سي آمون" لرحلته الأبدية نحو الحساب. وعلى السقف، تسبح الإلهة "نوت" كأم للكون، تبتلع الشمس كل مساء وتلدها من جديد مع شروق كل يوم، في دورة لا تنتهي.

لكن الغموض لا يتوقف هنا، فأهالي المنطقة يهمسون بأسطورة لا تزال تُروى حتى اليوم: سكان الجبل لا يزيدون ولا ينقصون. دائمًا، هم ٣٤٠ شخصًا فقط، لا أكثر ولا أقل. وكأن أرواح المكان تحفظ توازنه وتحرس أسراره.

هكذا يبقى "جبل الموتى" شاهدًا لا يموت على حضارة ما زالت تنبض في رمالها، تحكي لمن يصغي، وتخفي الكثير لمن لا يجرؤ على السؤال.


فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان