جبانة البجوات بالوادي الجديد.. حكاية أقدم المقابر المسيحية في العالم
كتب : مصراوي
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
-
عرض 21 صورة
الوادي الجديد – محمد الباريسي:
في قلب واحة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد، وعلى بُعد ثلاثة كيلومترات فقط شمال المدينة، تقبع "جبانة البجوات"، أحد أقدم المقابر المسيحية في العالم، التي جرى بناؤها في القرن الثاني الميلادي، وما زالت جدرانها المصنوعة من الطوب اللبن صامدة عبر أكثر من 18 قرنًا، لتروي قصة صمود المسيحيين الأوائل في مواجهة اضطهاد الرومان.
هذه الجبانة ليست مجرد مقبرة، بل شهادة حية على حضارة دينية وفنية عاصرت حقبة اضطرابات تاريخية، وجعلتها مقصدًا للسياح المسيحيين من مختلف أنحاء العالم.
تاريخ وتراث يمتد عبر العصور
"جبانة البجوات" التي اكتسبت اسمها من لفظ "بجوات" التي تعني "قبوات" باللهجة المحلية، نسبة إلى القباب المبنية من الطوب اللبن التي تزين مقابرها، جرى تأسيسها بين القرن الثاني والسابع الميلاديين. تضم هذه الجبانة 263 مقبرة، معظمها مزخرف بقباب فريدة مزينة بمناظر من التوراة والعهد القديم، إضافة إلى رسومات مسيحية ملونة باستخدام تقنية الفريسكو، التي تعني خلط الألوان بالماء على الجدران.
يُفسر الخبير الأثري بهجت أبو صديرة، مدير عام آثار الوادي الجديد السابق، أن الجبانة جرى بناؤها على أنقاض جبانة مصرية قديمة، وتضم مقابر فردية وعائلية اتسمت بالعمارة المتداخلة بين الفن المصري القديم والفن القبطي، مما يعكس تعايش الثقافات والأديان في تلك الفترة.
ويشير أبو صديرة إلى أن طقوس الدفن في الجبانة تشبه إلى حد كبير طقوس الدفن في مصر القديمة، حيث جرى وضع الموتى في توابيت برفقة مستلزمات جنائزية، في أرفف تحت الأرض، مع الاستمرار في بعض الحالات بممارسة التحنيط رغم توقفه في وادي النيل.
ملاذ الفارين من الرومان
تروي جبانة البجوات قصة إنسانية مليئة بالصمود والتحدي، فقد لجأ أقباط مصر إلى الواحات هربًا من الاضطهاد الروماني في القرن الثاني الميلادي، باحثين عن ملاذ آمن بعيدًا عن بطش الإمبراطورية التي كانت تضطهد المسيحيين في مهدهم.
يقول منصور عثمان، مدير الآثار القبطية السابق بالوادي الجديد، لمصراوي: "هذه الجبانة كانت ليست مجرد مكان للدفن، بل كانت ملجأ للفارين من ظلم الرومان، حيث احتوت أيضًا على أماكن للعبادة مثل الكنائس الصغيرة، ومخابئ سرية تحت الأرض لحماية المصليين في حال وصول الجنود الرومان بحثًا عنهم."
ويروي عثمان أن جدران المقابر احتفظت بنقوش وصور تحكي المعاناة والقصص الدينية للمسيحيين الأوائل، مكتوبة باللغة القبطية واليونانية، ومزينة برسومات مستوحاة من العهد القديم، تشهد على رحلة إيمان وصمود منقطعة النظير.
مزار الخروج: لوحة فنية تروي أعظم قصص العهد القديم
أحد أبرز معالم الجبانة هو "مزار الخروج"، الذي يحتضن رسومات على قبة المزار تجسد قصة خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة النبي موسى، وهروبهم عبر صحراء سيناء بينما يطاردهم جيش فرعون، وهي قصة تعد من أعظم الأحداث الدينية في التاريخ.
تقول الدكتور سهام بحر ، مدير الآثار القبطية بالوادي الجديد حاليا، "يزين سقف المزار شريطان ملونان يصوران لحظات خروج النبي موسى مع بني إسرائيل، ما يجعل المكان رمزًا حيويًا للأمل والتحرر."
وتضيف: "بالإضافة إلى قصة الخروج، توجد في جدران المزار رسومات أخرى تحكي قصص آدم وحواء بعد طردهما من الجنة، وفلك النبي نوح، وقصة النبي دانيال في جب الأسود، وقصة النبي يونس والحوت، وغيرها من المناظر التي ترمز إلى قوة الإيمان والتصميم على التمسك بالتراث الديني رغم الظروف القاسية."
مزار السلام
إلى جانب مزار الخروج، يُعتبر "مزار السلام" من المعالم المتميزة داخل الجبانة، والذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي، ويتميز بجدرانه البيضاء المزينة بنقوش وألوان هادئة تعبر عن رموز السلام.
يوضح منصور عثمان: "يُطلق عليه الباحثون الأوروبيون اسم 'مقبرة البيزنطية'، لما يحتويه من نقوش مستوحاة من الكتاب المقدس، مع رمز السلام الذي يزين قبة المزار، وهذا كان بمثابة رسالة أمل للمسيحيين في أزمنة الاضطهاد."
ويشير إلى وجود نقوش مكتوبة على جدران المزارات بلغات متعددة، منها العربية التي تعود إلى القرون الوسطى، خاصة من قبل الحجاج المغاربة الذين استخدموا "درب الأربعين" لعبور الصحراء إلى مكة المكرمة، ما يجعل المكان شاهدًا على التقاء الثقافات والحضارات.
النقوش والمخربشات
لا تقتصر أهمية الجبانة على المعالم والرسومات، بل تتجلى أيضًا في المخربشات والنقوش التي جرى تسجيلها على جدران المزارات والمقابر، والتي يبلغ عددها نحو 63 مخربشة، مكتوبة بأكثر من لغة، منها العربية (29 مخربشة)، اليونانية (19)، والقبطية (12).
يشرح الأثري طارق القلعي، مدير متحف الآثار بالوادي الجديد، لمصراوي: "هذه المخربشات كانت بمثابة توقيعات للزائرين والحجاج الذين عبروا المكان على مر العصور، منهم من كتب أبياتا شعرية تعبر عن الموت والحياة، ومنهم من كتب خواطر وأسماء، ما يضيف بعدًا إنسانيًا لهذه الجبانة التي جمعت بين الفن والتاريخ والروحانية."
قيمة تراثية عالمية
تعتبر جبانة البجوات نموذجًا فريدًا في العمارة القبطية المبكرة، حيث تم بناء مقابرها على شكل قباب من الطوب اللبن، وهي الطريقة الوحيدة من نوعها في مصر والعالم.
يوضح طارق القلعي: "في وسط الجبانة تقع أطلال كنيسة تعد من أقدم الكنائس القبطية في مصر، ما يجعل الموقع ذا أهمية دينية وتاريخية وثقافية بالغة. ويُعد هذا المكان مرجعًا مهمًا لدارسي فن العمارة القبطية والرسم الفريسكوي، فهو يحوي إرثًا نادرًا يجمع بين فنون متعددة وتاريخ ديني عميق."
إرث خالد
تظل جبانة البجوات في واحة الخارجة واحدة من أهم المواقع الأثرية الدينية في مصر، حيث تمثل لوحة تاريخية فريدة تسرد قصص أجيال من الأنبياء والمسيحيين الأوائل الذين تحدوا القهر والاضطهاد، وجعلوا من الواحات ملاذًا للحرية والإيمان.
الموقع لا يقتصر على كونه مكانًا أثريًا فحسب، بل يُعد معلمًا روحيًا يجذب الباحثين والزوار من مختلف أنحاء العالم، ليشهدوا بأعينهم عبق التاريخ وترابط الدين بالثقافة والحضارة المصرية القديمة.