إعلان

عبق التاريخ وروعة البناء.. بيت الميزوني في رشيد لا يزال شامخًا - صور

07:54 م الجمعة 04 أكتوبر 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

البحيرة - أحمد نصرة:

في روايته الخالدة "غادة رشيد" اعتمد الشاعر والأديب البحراوي "علي الجارم" في بنائه الدرامي للأحداث على نبوءة عرافة أخبرت الفتاة "زبيدة" أن طالعها ينبأ تتويجها ملكة لمصر، وبصرف النظر إن كان ذلك حقيقة بالفعل أم أنه من محض خيال المؤلف، فالمؤكد أن قصة قائد الحملة الفرنسية "مينو"، وزواجه من "زبيدة البواب"، ترتقي في مجملها وأحداثها، إلى مرتبة الخيال واللامعقول، هذه القصة يمكنك أن تعيش بعض فصولها في رحاب منزل "الميزوني" الذي نشأت فيه زبيدة وهو الأثر الأهم الباقي شاهدًا على أحداثها الغريبة.

هنا نشأت زبيدة
في شارع بدر الدين برشيد، ولدت زبيدة وأقامت مع والديها بمنزل الميزوني الذي أنشأه جدها "عبدالرحمن البواب الميزوني" عام 1740م.

يقول محمد التهامي مدير آثار رشيد: "هذا المنزل واحد من أجمل وأفخم منازل رشيد ويعكس روعة الطابع الإسلامي في العصر العثماني، ويضم المنزل عددًا من المشربيات الرائعة والدواليب الخشبية المزخرفة بالنقوش الدقيقة والشقوف المزينة بالأرابيسك، أما واجهته فمغطاه بالطوب المنجور ذي اللونين الأسود والطوبي تزينها بلاطات من القيشاني".

ويصف الأثري محمود الحشاش المنزل: "يتكون من 4 طوابق الدور الأرضي وكالة ومخازن، والأول علوي السلاملك خاص باستقبال التجار في العصر العثماني، والدور الثاني علوي هو الحرملك الخاص بنساء المنزل، والدور الثالث به حجرات لها شبابيك من الخرط وحجرة الأغاني وبها دواليب خشبية ومنور مربع، وبه بالإضافة لوجود حمام يعلوه قبه يتخللها نواريز أو فتحات مغطاة بالزجاج الملون تعطي جو من الهدوء والسكينة عند الاستحمام، ويوجد بالمنزل مدخنة مخروطية الشكل لتصريف الدخان الناتج عن عمليه الطبخ".

قصة الزواج
يقول الحشاش: "بعد مقتل كليبر تسلم الجنرال جاك مينو قيادة الحملة الفرنسية في مصر، وأعلن رغبته في الزواج من مصرية، الأمر الذي جعل أهل رشيد يسارعون في تزويج فتياتهم، وخاصة الشيخ الجارم الذي تقدم مينو للزواج من إحدى ابنتيه فأسرع بتزويج ابنتيه لتلاميذه، ليقع اختيار مينو بعدها على زبيدة أبنة أحد أعيان رشيد عبدالرحمن البواب الميزوني، وكانت زبيدة متزوجة من سليم أغا وانفصلا، فانتظر الجنرال مينو حتى انقضت عدتها وتزوجها وعقد عليها في 25 رمضان 1213هـ وأنجب منها ابنه سليمان، وكان اختيار اسم سليمان، مرتبطًا بسليمان الحلبي قاتل كليبر، لكراهية مينو لكليبر، وكان لا يبدو منه أي احترام لذكراه".

وثيقة الزواج
يقول سعيد رخا – مدير متحف رشيد: "اكتشف العلامّة علي بك بهجت وثيقة زواج مينو من زبيدة في دفتر خانة محكمة رشيد الشرعية، وهي محفوظة الآن بدار الوثائق، ويوجد منها نسخة بمتحف رشيد، وبحسب ما جاء بالوثيقة عقد القران بحضور عدد من الأعيان، ونقيب الأشراف، وأئمة عن المذاهب الثلاثة الشافعي والمالكي والحنبلي، ونطق مينو بالشهادتين أمامهم ليدخل الإسلام، وتغير اسمه إلى عبدالله مينو، وتضمنت شروط العقد أن يمنح مينو زوجته 100 دينار ذهب كمقدم للصداق، و2000 ريال مؤخر".

مينو يصف زبيدة
يقول الباحث علي سلامة: "كان مينو مفتونا بجمال زوجته زبيدة وليس أدل على ذلك من رسالة بعثها إلى أحد أصدقائه من جنرالات الحملة الفرنسية قال فيها: "زوجتي طويلة القامة، مبسوطة الجسم، حسنة الصورة من جميع الوجوه، لها عينان رائعتان، ولون بشرتها هو اللون المصرى المألوف، وشعرها طويل فاحم، وهى لطيفة الطبع، وجدتها تتقبل كثيرا من العادات الفرنسية بنفور أقل مما توقعت"

الهروب للقاهرة
لم تدم أيام السعادة لزبيدة طويلًا بعد أن تم حصار مينو في الإسكندرية وأجبر الأسطول الإنجليزي الفرنسيين على الرحيل، ما جعل زبيدة تتخذ قرارًا بالهرب بصحبة أخيها علي، وطفلها سليمان من رشيد حتى الرحمانية ومنها إلى القاهرة، حيث أقامت في بيت الألفي بالأزبكية قبل أن تختبيء في القلعة، وبعد انتهاء المفاوضات بين قائد الأسطول الإنجليزي وقائد الحملة بالإنابة ديزيه، رفضت زبيدة مغادرة مصر بغير زوجها.

زبيدة في فرنسا
لم يتطرق الكثير من المؤرخين إلى مصير زبيدة بعد اختيارها مرافقة زوجها إلى فرنسا مع رحيل الحملة الفرنسية، ولعل ما ساقه رفاعة الطهطاوي في كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" هو الأبرز فذكر أن "مينو عاد إلى المسيحية، بمجرد وصوله فرنسا وأبدل العمامة بالبرنيطة، بينما تمسكت زبيدة بدينها، فلما أنجبت إبنها أراد أن يعمده على عادة الغرب، فرفضت إلا أنه وعن طريق أحد المستشرقين استطاع إقناعها بأن كل الأديان حق فأذنت بمعموديته".

نهاية حزينة
أشار الطهطاوي إلى أن مينو أصبح حاكمًا لإقليم فلورنسا، وترك زوجته وابنها الثاني في عزلة تامة وجردها من أموالها وجواهرها التي سافرت بها، بينما أوكل بالطفل الأول سليمان إلى أحد الأسر الفرنسية لكي تحسن تربيته، وعاش حياة لهو متخذًا لنفسه عشيقات عديدات، لتتراكم عليه الديون بسبب إسرافه وتبذيره.

ووفقًا للطهطاوي فالوحيد الذي ظل جوار زبيدة هو خادمها "مسرور" الذي تفانى في خدمتها، وظل يعمل في العديد من الأعمال المهينة، كي ينفق على طعامها بعدما تخلى عنها مينو ولم يعد لها مصدر رزق تعيش منه.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان