إعلان

"استراتيجية ترامب للأمن القومي".. انسحاب من العالم وصدام مع الحلفاء

كتب : مصراوي

08:14 م 11/12/2025

دونالد ترامب

تابعنا على

ترجمة- مصراوي

أصدرت إدارة ترامب هذا الأسبوع استراتيجيتها الوطنية للأمن القومي التي طال انتظارها، حيث تسجل الوثيقة الجديدة سياسات الإدارة التي تنتقد حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وتؤكد على تعزيز النفوذ الأمريكي في نصف الكرة الغربي. وتشير المبادئ الواردة فيها — التي ركزت على سياسة عدم التدخل ومبدأ "أمريكا أولاً" — إلى تحول حاد مقارنة باستراتيجية الأمن القومي لعام 2022، التي كانت تركز على دور الولايات المتحدة في تعزيز الديمقراطية والحفاظ على السلام ضمن النظام العالمي القائم.

تشير الاستراتيجية إلى أن حل الصراع بين روسيا وأوكرانيا يعد مصلحة مركزية للولايات المتحدة، لكنها تستخدم لغة أشد تجاه الحلفاء الأوروبيين التقليديين مقارنة بما توجهه نحو روسيا، التي كانت قد صُنفت في إدارة ترامب الأولى كمنافس جيوسياسي رئيسي.

ومن بين الأولويات الأخرى، دعت الاستراتيجية إلى إعادة ضبط الوجود العسكري الأمريكي، ونقل القوات بعيداً عن الشرق الأوسط للتركيز على الأمن ومكافحة الاتجار بالمخدرات في نصف الكرة الغربي. كما تشجع الاستراتيجية الحلفاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ على زيادة مشاركتهم في جهود ردع النزاعات مع الصين في مضيق تايوان.

وفقًا لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي (CFR)، الذي ناقش عددًا من خبرائه التداعيات المحتملة لوثيقة الأمن القومي الجديدة، فقد أشاروا إلى أن استراتيجية ترامب الثانية للأمن القومي تمثل خروجًا جذريًا، سواء من حيث المضمون أو النبرة، عن الاستراتيجيات السابقة، بما في ذلك الاستراتيجية التي أطلقها خلال ولايته الرئاسية الأولى قبل ثماني سنوات. وكانت تلك الوثيقة، إلى جانب استراتيجية الدفاع الوطني المصاحبة لها، تمثل مسارًا جديدًا للسياسة الخارجية الأمريكية، مع التركيز على مفهوم المنافسة الكبرى مع الصين وروسيا.

أما استراتيجية عام 2025، فهي تفتقر تماماً إلى هذا الوضوح الاستراتيجي، وتميل أكثر إلى الخطاب الجدلي بدلاً من السياسة العملية. لم تعد المنافسة الكبرى مع الصين وروسيا تمثل "النجمة الشمالية"، وبدلاً من توضيح نطاق التحديات التي تمثلها الصين، تؤكد الاستراتيجية الجديدة أن الاقتصاد هو "الرهان النهائي"،

ويصبح الهدف الأساسي للعلاقات الأمريكية-الصينية هو إقامة "علاقة اقتصادية متبادلة مفيدة مع بكين". أما الحديث عن روسيا، فهو ضعيف وغامض، ويستخدم صياغة غريبة تقول: "الكثير من الأوروبيين يرون روسيا تهديداً وجودياً".حسب خبراء مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.

صورة 1 ترامب

ومن جانبه، قال ويل فريمان، زميل دراسات أمريكا اللاتينية في مجلس العلاقات الخارجية، إنه مع صعود الصين إلى مرتبة "منافس قريب" للولايات المتحدة، كانت آسيا غالباً أولوية الاستراتيجيات السابقة. لكن هذا العام أصبح نصف الكرة الغربي في المقدمة كما حدث في أعوام 1987 و 1990 و2006. بينما يرى البعض أن هذا تعديل حكيم بعد سنوات من الالتزام الأمريكي المفرط بالأقاليم البعيدة، يعتبره آخرون انسحاباً انعزالياً وتضحية غير ضرورية بالنفوذ لصالح الصين وروسيا.

وتضع الاستراتيجية تركيزاً على ثلاثة تهديدات رئيسية: الهجرة الجماعية، والجريمة المنظمة، و"التدخل الأجنبي العدائي". كما تدعو إلى استخدام القوة القاتلة والأصول العسكرية الأمريكية ضد "الإرهابيين المهربين" و"الكارتلات" بالتعاون مع الشركاء الإقليميين، مع اعتماد فهم عسكري بحت للجريمة المنظمة، متجاهلة دور القانون التقليدي. ويبدو، وفقاً لحديث فريمان، أن هذه الاستراتيجية قد تكون غير فعالة على أرض الواقع.

وفي هذا السياق، قال ديفيد ساكس، زميل دراسات آسيا في مجلس العلاقات الخارجية، إن استراتيجية ترامب الجديدة تمثل نهاية حقبة "المنافسة الكبرى" مع الصين، حيث أصبح دور الجغرافيا السياسية داعمًا، في حين يُنظر إلى الاقتصاد على أنه "الرهان النهائي". لم تعد الصين تُصوَّر على أنها تحدٍ نظامي ذو رؤية عالمية تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة. وتركز الاستراتيجية الجديدة على إقامة "علاقات اقتصادية متبادلة مفيدة" مع بكين، مع إيلاء اهتمام أكبر لتايوان مقارنة بالوثائق السابقة.

صورة 2 ترامب

بينما أشارت ليانا فيكس، الزميلة الأولى في شؤون أوروبا بمجلس العلاقات الخارجية، إلى أن الاستراتيجية الجديدة تتبنى مقاربة "حضارية" في علاقتها مع أوروبا، قائمة على ما تسميه الوثيقة "القيم الغربية" ذات الطابع المحافظ والقومي. وتنتقد الاستراتيجية القارة الأوروبية لفقدان هويتها الوطنية نتيجة الهجرة وتراجع معدلات الخصوبة، كما تتهم الاتحاد الأوروبي بقمع الحرية السياسية، في تحوّل واضح عن نهج الإدارات الأمريكية السابقة في رؤية أوروبا كشريك استراتيجي قائم على القيم الليبرالية المشتركة.

كما تؤكد الاستراتيجية أن الشرق الأوسط لم يعد محور السياسة الأمريكية، وهو ما ينسجم مع مواقف ترامب التي أعلنها في حملاته الانتخابية الثلاث. إلا أن هذا التوجه يتعارض مع السياسة الفعلية للبيت الأبيض بعد عودة ترامب إلى الرئاسة، كما يوضح ستيفن أ. كوك، الزميل الأول لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في المجلس. إذ تواصل القوات الأمريكية الانخراط في خطط السلام في غزة، وتعمل على تفكيك حزب الله، وتساهم في جهود الانتقال السياسي في سوريا، إلى جانب الضغط على إسرائيل للانخراط في حوار معمّق حول أمن الحدود.

صورة 3 ترامب

فيما تشير ميشيل جافين، الزميلة الأولى في شؤون السياسة الأفريقية، إلى أن الاستراتيجية تبدو كتحول كبير مقارنة بالماضي، لكنها في الواقع تعيد إنتاج أولويات قديمة، إذ تركز على حل النزاعات، وتعزيز التجارة الأمريكية–الأفريقية، وتهيئة بيئة جاذبة للاستثمار، من دون معالجة فعّالة لقضايا الحوكمة أو مكافحة الفساد، وهو ما يثير تساؤلات حول جدوى النهج الأمريكي تجاه القارة.

وفي السياق نفسه، يرى بول ستارز، الزميل الأول في مركز منع النزاعات بمجلس العلاقات الخارجية، أن الاستراتيجية تسعى لدعم ادعاءات ترامب بأنه "رئيس السلام" بعد الحديث عن تسوية ثمانية صراعات خلال أشهر، إلا أن الواقع يناقض هذه المزاعم؛ ففي كثير من الحالات لم تكن هناك نزاعات نشطة من الأساس، أو كانت قد انتهت قبل توليه المنصب، بينما يظل بعضها معرضًا للتصعيد مجددًا. كما لم يحقق أي تقدم يُذكر في أوكرانيا أو السودان، في حين يواصل استخدام القوة لتهديد دول أخرى عند الحاجة.

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان