وثيقة ترامب الجديدة.. تهميش قارة أوروبا وإعادة مبدأ مونرو لهيمنة أمريكا
كتب- عبدالله محمود:
ترامب
تُعد وثيقة الأمن القومي الأمريكية الجديدة، التي أصدرها الرئيس ترامب خلال الأيام الماضية، تغييرًا كبيرًا عن الوثيقة التي أصدرها قبل سبع سنوات، والتي ركزت على التنافس مع الصين وروسيا كقوة عظمى. والآن يتحول التركيز إلى سياسة "أمريكا أولًا"، وفق ما أكده عضو الحزب الديمقراطي والمحلل السياسي في الشؤون الأمريكية، نعمان أبو عيسى.
الهيمنة على الأمريكتين
يقول أبو عيسى في تصريحات لمصراوي، إن الولايات المتحدة تحاول عبر هذه الوثيقة الهيمنة على الأمريكتين، شمالًا وجنوبًا، بما يشبه "وثيقة مونرو" للرئيس الأمريكي الأسبق جيمس مونرو، التي نصت على سيطرة أمريكا على الأمريكتين.

وبحسب الوثيقة الأمريكية، فإن الولايات المتحدة بعد سنوات من الإهمال ستعيد تطبيق مبدأ مونرو لاستعادة الهيمنة الأمريكية في نصف الكرة الغربي، وحماية أراضيها وضمان وصولها إلى مناطق جغرافية أساسية في أنحاء المنطقة.
وتنص الوثيقة على منع المنافسين من خارج هذا النصف من نشر قوات أو قدرات تهديدية أخرى، أو امتلاك أو السيطرة على أصول ذات أهمية استراتيجية حيوية داخل نصف الكرة الغربي.
الملحق الترامبي
وتصف الوثيقة استعادة مبدأ مونرو بأنه "الملحق الترامبي"، الذي يمثل استعادة عقلانية وقوية للنفوذ والأولويات الأمريكية بما يتوافق مع المصالح الأمنية للولايات المتحدة.
غضب أوروبا
ويكشف عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي والباحث والمحلل السياسي الدكتور مهدي عفيفي الأسباب التي أثارت غضب أوروبا من الوثيقة الأمريكية الجديدة، مؤكّدًا أنها أظهرت أوروبا كرجل كبير ضعيف، غير قادر على فعل شيء، وأهملت العلاقات الأمريكية-الأوروبية الوطيدة على مدار عقود.

وأضاف عفيفي: "ضعف الإنفاق العسكري والركود الاقتصادي"، هكذا وصفت الوثيقة دول أوروبا، مشيرًا إلى أن المسؤولين الأمريكيين اعتادوا النظر إلى المشكلات الأوروبية من زاوية الضعفاء.
ويرى الدكتور مهدي عفيفي أن وثيقة ترامب تعمدت تجاهل أهمية الدور الأوروبي في مناطق عديدة مثل أفريقيا أو في بعض المباحثات مع إيران. وتشير الوثيقة إلى أن أوروبا فقدت حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حيث تراجعت من 25٪ عام 1990 إلى 14٪ اليوم، مؤكدة أن هذا التراجع الاقتصادي يمثل محوًا حضاريًا محتملاً.
ونوهت الوثيقة إلى أن المشكلات الأكثر خطورة التي تواجهها أوروبا هي أنشطة الاتحاد الأوروبي والهيئات العابرة للحدود الأخرى التي تقوّض الحرية السياسية والسيادة، وفقدان الهوية الوطنية والثقة بالنفس، ما رأت فيه أوروبا نوعًا من الإهانة لدورها الكبير، إذ تهز مكانة الدول الشريكة للولايات المتحدة في مسائل عديدة.
وحذرت الوثيقة القارة الأوروبية من الاستمرار في الاتجاهات الحالية، التي ستجعلها قارة غير قابلة للتعرّف عليها خلال عشرين عامًا أو أقل، مشيرة إلى عدم وضوح ما إذا كانت ستتمتّع باقتصاد وجيش قوي. ويعلق عفيفي على تحذير الوثيقة لأوروبا بأن أمريكا تعتمد على مبادئ جديدة، إذ قللت من أهمية العلاقة مع الشركاء الأوروبيين واعتبرتهم أقل قيمة.
وأشار إلى أن الوثيقة وصفت أوروبا بأنها "قارة عجوز مختلطة بالمهاجرين"، وأن والي لندن أصبح مسلمًا من أصل باكستاني، ووصفهم بالدول العالم الثالث، مؤكّدًا أن الوثيقة تهدف إلى حماية الحدود الأمريكية وتحويل الجيش من قوة حرب إلى قوة حماية حدودية لمنع تسلل المهاجرين والمخدرات والإرهابيين، وهو ما يزعج الشركاء الأوروبيين بوضوح.
خلق توترات حول العالم
وأكد عفيفي أن وثيقة الأمن الأمريكية الجديدة تأتي ضمن المخطط الكبير للرئيس ترامب، الذي بدأ بتغيرات جوهرية في الإدارة، بما في ذلك إعادة تسمية وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، موضحًا أن الإدارة تسعى لإثارة توترات حول العالم للاستفادة منها اقتصاديًا، إذ تتأثر مصانع الأسلحة ورجال الأعمال والأسهم من هذه التغيرات والتذبذبات.
وأشار عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي إلى أنه كما رأينا في نمو العملات المشفرة، هناك إعادة هيكلة في سياسات الإدارة الدولية سواء الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية، وإعادة تعريف التجاذبات والتحالفات، وإعادة النظر في الحلف الأطلسي والعلاقات مع دول عديدة حول العالم، وإعادة تمركز القوات الأمريكية في مناطق مثل جنوب شرق آسيا، مع التركيز على الصين.
وأضاف أن الوثيقة، بما تضمنته من تغييرات، تعكس آمال الإدارة الأمريكية الجديدة في إعادة الهيمنة الأمريكية بشكل كبير.
يذكر أن إدارة ترامب أصدرت خلال الأيام الماضية استراتيجية جديدة للأمن القومي، والتي انتقدها حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، حيث تشير المبادئ الواردة فيها على سياسة عدم التدخل ومبدأ "أمريكا أولًا".