إعلان

بعد 15 عامًا داخل سجون الاحتلال.. مصراوي يحاور عميدة الأسيرات الفلسطينيات

08:21 م الأربعاء 03 مايو 2017

عميدة الأسيرات الفلسطينيات

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار- دعاء الفولي وإشراق أحمد:

في الوقت الذي كان يستعد فيه 1500 أسير لخوض معركة إضراب جديدة مع الاحتلال، للمطالبة بالحرية وتحسين أوضاع المعتقلين الفلسطينيين، لملمت لينا الجربوني ذكريات عشرات الليالي قضتها خلف زنازين إسرائيل، أنهت مدة الحكم عليها بتهمة المقاومة؛ مضت خارج السجن، تئن لفراق غيرها من المحتجزات، بعد 15 عامًا منحتها توصيف "عميدة الأسيرات" باعتبارها صاحبة المدة الأطول داخل سجون الاحتلال.

"هذا اختياري وطريقي".. قناعة عميقة تمسكت بها الجربوني منذ الانضمام إلى خضم الثائرين منذ انتفاضة الأقصى عام 2000، لذا حين وقع الاعتقال يوم 18 إبريل 2002 تجمّلت بالصبر والتحمل.

لم يكن طريق المقاومة غريب عن لينا، الأب والخال أسرى سابقين، وقريتها عرابة البطوف بمدينة عكا المحتلة طالما تضج بالتظاهرات المطالبة بإنهاء الاحتلال وإسقاط شرعيته، ودائما ما كانت ابنة آل الجربوني حاضرة.

ثلاثة أعوام ظلت فيها "الخالة لينا" بين السجن وجلسات المحاكمة، حتى صدر الحكم النهائي بسجنها 17 عامًا انخفضت إلى 15 بعد الاستئناف. وأمام وقع الخبر تزودت أسرتها بتجارب الاعتقال حال كثير من العائلات الفلسطينية "خالي قضى تقريبا 14 سنة في السجن ووالدي تم سجنه 8 سنوات"، وإن كان ذلك لم يمنع الخوف "المعرفة بما يتعرض له الأسرى من تعذيب والمعاملة سيئة شّكل قلق حتى عندي أنا شخصيًا" بحسب السيدة ذات الثالثة والأربعين ربيعًا في حديثها لـ"مصراوي".

1

حين التحقت الجربوني بالأسر، لم تجد رفقة تواسيها "ضليت 30 يوم في زنازين انفرداية"، مرت تلك الفترة بأعجوبة، قبل أن تنتقل جوار زميلات الزنزانة "هاي الدفعة من الأسيرات كانت تعتبر الأولى وقتها، لأنه اتفاقية أوسلو عام 94 حررت كل الأسيرات السابقات". اكتسبت عميدة الأسرى خبرة التعامل مع السجّانين بالطريقة الصعبة، لم يُعطِها أحدهم إرشادات، لكنها سطرت ميثاقًا بصحبة الأخريات للتعاطي مع الحياة الجديدة.

أيام السجن

داخل السجن مرّت السنين ببطء، لا يُسليها إلا زيارات الأهل، التي تنقل أخبار العالم الخارجي. وأحيانا مشاهدة قناة العربية-الوحيدة المُتاحة- ومنها سمعت الجربوني عن ثورات الربيع العربي، غير أن المحتوى الذي شاهدته عن مصر أصابها بالقلق.

"كانت القناة تنقل وكأن هناك فتنة بين المصريين.. كنا نخاف بشدة أن يمس مصر مكروه".. دائما ما آمنت الأسيرة المحررة، بمصر كراعي للقضية الفلسطينية "اعتقدنا أن شبح ما حدث بالعراق يُطارد إخواتنا"، لكنها ما أن رأت تغييرا في سُدة الحكم "اعتقدت أن ذلك سيأتي بقيادة أكثر انفتاحا على ما يحدث بفلسطين".

تلك الأجندة التي اعتمدت عليها الأسيرات، لم تكن مكتوبة، بل حفظوها في الصدور "أهمها إنه ما في تعامل أبدًا مع السجانات إلا في الإطار الرسمي"، اعتادت لينا الجربوني ورفيقاتها أن يُملين الإرشادات على السجينات الجدد "بعضهن بيبقى فاكر إن الحياة انتهت عند الأسر، لكن بيضلهن يتعرفوا ع الدنيا لحتى يتأقلموا".

مقاومة إسرائيل في الزنزانة

الروتين هو العدو الأول للأسير؛ عكفت الجربوني على محاربته مع رفاقها طيلة 15 عامًا، اعتنقت القناعة بأن "إذا بدنا نقهر السجان يبقى بصمودنا واستثمار وقتنا داخل السجن"، لذلك أقامت وزميلاتها الدورات التثقيفية وتعليم الأشغال اليدوية، وضعوا برامج تعليمية متجددة كل ثلاثة أشهر "كنا دائما نُشغل وقتنا في أشياء مفيدة حتى لا نُشعر السجّان أنه نال منا أو متحكم فينا".

بعد الحكم صارت تحسب الجروبوني ليوم خروجها، لم تتفاجأ باقتراب ميعاد لقاء البراح، بل المفاجئة أن يحدث غير ذلك بعد إتمامها المدة. قلق وتوتر، وأسئلة كثيرة دارت برأسها "ناس كتير مش راح أعرفها؟ ناس كتير خلقت وأنا بالسجن كيف راح أتعامل معهم، راح يقبلوني ولا مش هيقبلوني؟".

بالمقابل كان منزل الجربوني يعج بالفرحة الحذرة؛ قبل نحو ثلاثة أسابيع من خروج الابنة الغائبة علم الأهل بموعد إطلاق السراح، حسبوا الأيام لاستقبالها "لكن كنا خايفين للإسرائيليين يخلفوا بوعدهم" بحسب صابر الجربوني، شقيق عميدة الأسيرات.

فرحة الخروج

في اليوم المشهود، 16 إبريل المنصرف، توجهت الأسرة إلى سجن "الشارون" في التاسعة صباحًا "خفنا لينقلوها وينزلوها في مكان بعيد عن القرية متل ما صار مع أسرى سابقين"، لذلك كان الأمان في رؤيتها لحظة خروجها، مرت الساعات الباقية كالدهر، حتى الخامسة مساءً لم تخرج الجربوني، الأفكار تنهش الرؤوس، اعتقدوا في خروجها بالثانية عشر ظهرًا على أقصى تقدير "هاي اليوم كان عيد عند اليهود وبيعملوا نصف يوم"، لكن الاحتلال خسر في معركة أخرى مع الصبر الفلسطيني.

زالت كل مشقة الانتظار حينما أطلت الخالة لينا خارج أسوار السجن "شوفتها وحضنتها لأول مرة من 15 سنة"، لا يهوى صابر التصوير، لكن سريعًا التقط هاتفه المحمول، ووثق تلك اللحظة بصورة سيلفي هي الأولى مع عميدة الأسيرات "كانت أسرع وسيلة لإخبار الجميع وحركة الأسرى أن لينا خرجت وصارت معنا"، فقد عجزت الكلمات عن التعبير بأي شيء في ذلك الموقف المهيب.

2

17 يومًا مرت على إضراب الأسرى في سجون الاحتلال، كانت الجربوني واحدة منهم حتى يوم الأسير وإعلان الإضراب في 17 إبريل المنصرف. توقعت عميدة الأسيرات أن تكون الحركة أعلى صوتًا عربيًا وليس على مستوى الشارع الفلسطيني فقط. شاركت السيدة الأربعينية في 4 إضرابات منذ قبعت بالسجن، تعلم كم يؤثر ذلك على أحوال المعتقلين الفلسطينيين، خاصة أنه الخطوة الأخيرة التي يلجأ إليها الفلسطيني بعد مفاوضات طويلة مع إدارة مصلحة السجون "لإدخال بعض التحسينات على حياتهم". 

مطلب واحد رفعته الأسيرات في سجن الرملة حينما أعلنوا الإضراب عن الطعام عام 2003، أرادوا الانتقال لسجن أخر بعيدًا عن الجنائيات الإسرائيليات اللاتي يوسعهن مضايقة ونكالاً، كان ذلك بعد عام من سجن ابنة الجربوني، بعدها لم تتوقف عن مشاركة رفاق الأسر، تتذكر كيف ساهم أول إضراب في إيداعها ونظيراتها سجن "الشارون" بعيدًا عن الجنائيات، ونجاحهم مرة ثانية عام 2005 حينما أعادتهم إدارة السجون لسجن الرملة، وكيف أجبرت 20 يومًا الاحتلال على إخراج قرابة 28 معتقلاً من العزل الانفرادي وإدخال بعض الأجهزة والمستلزمات الطبية إلى مستشفى سجن الرملة عامي 2012.

تجربة الإضراب

وقت الإضراب تنكسر الحالة شبه المستقرة بين المعتقل الفلسطيني وإدارة سجن الاحتلال، تمارس الأخيرة كافة السبل للضغط من أجل أن يفك المعتقلين إضرابهم، ترتب عميدة الأسيرات تلك الممارسات في سحب الأدوات الكهربائية من الغرف "الراديو، سخان المايه، التليفزيون"، ثم تفريق الأسرى المتواجدين في مجموعات وتوزيعهم على سجون مختلفة، وبعد أسبوع يتم إيداعهم في الزنازين الانفرادية.

فاصل زجاجي يكشف وجوه الأحبة، وسماعة تنساب عبرها كلمات الشوق؛ هكذا ظلت تتواصل الجربوني مع أسرتها طيلة 15 عامًا، لم تعش الخالة لينا تجربة زيارة الأسير، لكنها حملتها سمعًا؛ حكت لها والدتها عن اختلاف وقع زيارتها لها عن رؤية والدها وخالها داخل السجن "قالت لي هم رجال ما كنت أخاف عليهم"، لكنها بقيت لفترة لا تعرف كيف تتعامل وتتأقلم على رؤية ابنتها من خلف زجاج، ثم تمضي وتتركها مُرغمة.

3

45 دقيقة كل أسبوعين كانت نافذة الجربوني للاطلاع على أحوال العائلة، تستقيها من أسرتها، أمها وأخوتها، أقارب الدرجة الأولى فقط المسموح لهم برؤيتها، تنهل من أخبارهم القديمة زمنا، لكن بالنسبة لها كلمات طازجة رغم قسوتها على نفسها أحيانا "أختي وخالي توفوا ولم أتمكن من رؤيتهم" تقول الخالة لينا، فيما لازال أثر الخبر جليًا على صوتها رغم مرور 3 سنوات على رحيل الأولى وقرابة 10 أعوام لفراق الثاني.

بعد عشرة أيام من وفاته عرفت الجربوني برحيل خالها إحسان "كان بالنسبة لي المثل الأعلى"، كذلك لخصت تأثرها به، بينما يحز في نفسها عدم تمكنها من مشاركة أسرتها ألم فراق شقيقتها وسيلة "الموضوع ما كان سهل بالمرة هاي اللحظات اللي كنت بتمني فيها أخد عزاء أختي".

تحايل المحتل وحلم الحرية

مواقف قاسية مرت على عميدة الأسيرات، لكن أشدها تلاعب المحتل بالأسير؛ في أكتوبر 2011 ، أمام شاشة القناة العبرية، جلست الجربوني بصحبة الأخريات، حتى ظهر نبأ عاجل معلنا عن لقاء بين خالد مشعل ورئيس الوزراء الإسرائيلي، لعقد صفقة وإخراج الأسرى "وقتها اتكتب إنه سيتم الإفراج عن جميع الأسيرات الفلسطينيات"، تذكر ابنة مدينة عكا المحتلة تلك اللحظة، حين اختلط التكبير مع الهتاف والزغاريد داخل السجن، صارت عودتها للمنزل محتومة، عاشت أسبوعا من الاحتفالات بين قريناتها، وعدت نفسها بالحرية، ثم انقلبت الأمور رأسا على عقب.

في اليوم الثامن، جاء رئيس مصلحة السجون الإسرائيلية، تلا أسماء المشمولات بالصفقة، غير أن اسم الجربوني لم يرد مع اسمين أخرين "كان وقع الصدمة كتير صعب.."، ظلت تتساءل عن السبب "أنا ورفيقاتي قدمنا لفلسطين.. بعدنا عن أهلنا.. ليش إحنا ما نخرج؟".

لم تتوقف الأفكار السوداء عن زيارتها، إلى أن تكشفّت لها الحيلة التي يلعبها الاحتلال "هما بيتعاملوا وكأنهم ملتزمين بالصفقة ياللي عقدوها مع القيادة.. لأنه الصفقة كانت جاية للإفراج عن كل الأسيرات الفلسطينيات.. لكن نحنا للأسف نحمل هوية إسرائيلية"، غاص قلب الأسيرات حزنًا، لكن هوّن على الجربوني خروج رفيقاتها، ممن حصلن على حُكم مدى الحياة "كنت عارفة إني على الأقل ليا مدة حكم لكن هّن بالنسبة لهم مفيش فرصة غير هاي الصفقة".

4

طالما رسمت لينا لحظة الخروج داخل السجن؛ كيف ستحتضن أمها، ماذا ستقول لأبناء أخوتها، لأي مدى ستنصهر داخل العائلة، لكن الحقيقة فاقت توقعاتها جمالاً، فما أن وضعت أقدامها خارج الأسر، حتى استدعت ذاكرتها سماء السجن القاتمة؛ لم يكن هناك نهار أو ليل "حتى الملعب غطوه بشبكة ضخمة فلا نرى منها الألوان"، ظلت كلماتها محدودة بعد الحرية "لسه ما أخدت على الناس"، فيما فقدت عيناها النوم في الليلة الأولى خارج السجن "ضليت حتى الصباح.. يحكوني عن إزاي أتعامل مع الحياة الجديدة". 

16 ليلة انقضت ولينا بين أحضان أسرتها، تنعم بالود وتفتقد رفاق الضيق، تعدد أسماء الكثير، وتخص أصحاب الأحكام الكبيرة "شروق دويات وشاتيلا أبو عيادة 16 عامًا، نورهان عواد 13 عامًا، ملك سلمان -17 عامًا محكوم عليها 10 أعوام"، تتمنى لو جادت الأيام بصفقة لتبادل الأسرى ويفرج عنهم بأقرب وقت، ترجو ألا يتوقف المؤمنون بهم عن الاعتصام، التحدث عنهم، تدويل القضية، والتدوين، وهذا ما تنوي الجربوني الاستمرار فيه. أما حلمها الشخصي فبسيط؛ أن تستكمل تعليمها، تبدأ مشروعها الخاص، وتستنشق نسيم القدس بعد 15 عاما من الحرمان، وهي التي اعتادت زيارة المدينة مرة أسبوعيًا قبل الأسر.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان