إعلان

القهر الخفي... والاستسلام لحكمة الله!

حسام زايد

القهر الخفي... والاستسلام لحكمة الله!

حسام زايد
07:56 م الإثنين 11 أغسطس 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

في لحظات كثيرة من حياتنا، نقف على حافة الشعور بالقهر. نعرف وندرك ونؤمن إيمانًا جازمًا بقضاء الله وقدره، ونثق أن حكمته أوسع من مداركنا، وأن رؤيته هي الخير والعدل المطلق. لكن وسط العاصفة، يضعف هذا الإيمان العملي، ونجد أنفسنا نتألم ونقاوم، بدلًا من التسليم والاطمئنان.

المفارقة أن هذه الدائرة تتكرر: أزمة، ألم، مقاومة، ثم بعد معاناة تسليم وراحة داخلية، يعقبها صفاء وسهولة في التعامل مع النفس والآخرين. ولكن… لماذا لا نحفظ الدرس من المرة الأولى؟ لماذا نعود للمقاومة وكأننا لم نعش التجربة من قبل؟

من منظور علم النفس، ما يحدث ليس ضعفًا في الإيمان فحسب، بل هو جزء من طبيعة العقل البشري. فالعقل البشري كما يقول عالم الأعصاب جوزيف ليدو مبرمج بيولوجيًا على مقاومة التغيير ومواجهة المجهول بالقلق، حتى لو كان المجهول تحت رعاية إلهية. المشاعر المؤلمة تُفعّل منطقة اللوزة الدماغية المسؤولة عن استجابة "القتال أو الفرار"، وهذا يجعلنا نحاول السيطرة على الموقف بدلًا من الاستسلام له، حتى وإن كنا نعلم أن السيطرة وهم.

كذلك، يفسّر علم النفس السلوكي هذا النمط من خلال ما يُعرف بـ "حلقة العادة العاطفية". حين نواجه أزمة، يندفع العقل تلقائيًا إلى النمط المعتاد القلق، التفكير المفرط، محاولة التحكم لأن هذه الاستجابات تكررت في الماضي، حتى لو لم تكن فعّالة. تغيير هذا النمط يتطلب وعيًا لحظيًا وممارسة متكررة لأسلوب مختلف، مثل التأمل الواعي أو الذكر أو التدرّب على "التسليم النشط"، وهو أن نقبل الواقع ونتصرف ضمن إطاره بدلًا من مقاومته.

من الناحية الروحية، التسليم لله ليس استسلامًا سلبيًا، بل هو قمة الثقة واليقين. الصوفيون وصفوا ذلك بأنه "راحة من حمل ما لا طاقة لك به"، وأن الوصول إليه لا يحدث مرة واحدة وينتهي، بل هو تمرين يومي، كالصلاة، يحتاج إلى تجديد مستمر.

إذن، ربما ليست المشكلة أننا لا نتعلم، بل أننا نعيش في عالم يعيد اختبارنا، ليقوّي عضلة الإيمان والتسليم فينا. كل مرة نفشل ثم ننجح، نحن نضيف طبقة جديدة من الفهم، حتى وإن بدا أننا نكرر نفس التجربة.

وربما يكون الطريق إلى الطمأنينة أبسط مما نتخيل: أن نتذكّر أن الله لا يختبرنا ليؤلمنا، بل ليحررنا من أوهام السيطرة، ويقودنا إلى مكان أوسع من السلام الداخلي… مكان نجد فيه أنفسنا مطمئنين مهما تغيّر الخارج.

إعلان

إعلان