لماذا قفزت الفضة إلى أعلى مستوياتها؟ خبراء يوضحون
كتب : أحمد الخطيب
أسعار الفضة
كتب- أحمد الخطيب:
يرى خبراء في سوق المعادن الثمينة أن الارتفاع الأخير في أسعار الفضة ليس مفاجئًا، بل يمثل تطورًا طبيعيًا في مسار سوق يشهد تغيرات هيكلية واضحة خلال الفترة الماضية.
فالصعود الحاد الذي سجلته الفضة الأسبوع الماضي يعكس تداخل عوامل الصناعة والاستثمار والسياسة النقدية، وسط ضغوط متنامية على المعروض العالمي وتزايد الطلب الصناعي، إلى جانب عودة شهية المستثمرين للمعادن كملاذ آمن في ظل التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية.
شهدت أسعار الفضة قفزة استثنائية خلال تعاملات الجمعة الماضية بعدما لامست أعلى مستوى تاريخي لها عند 59.34 دولار للأوقية بنسبة ارتفاع 2.72%، قبل أن تغلق عند 58.29 دولار بارتفاع 2.03%، في موجة صعود تعكس تحولًا واضحًا في اتجاه السوق العالمية.
وكان المعدن الأبيض قد سجل أعلى ارتفاع له في عام 1980 عند 50 دولارًا للأونصة قبل أن يدخل في موجة انهيار حاد، ثم تكررت التجربة في 2011.
أما خلال الفترة الحالية، فتسجل الفضة أسعارًا تاريخية لأول مرة منذ 40 عامًا، متجاوزة المستويات السابقة بدعم من الطلب الصناعي وتوجه المستثمرين نحوها كأصل يجمع بين القيمة الصناعية والقدرة على التحوط من التضخم، فضلًا عن تأثير التطورات الجيوسياسية وتحول السياسة النقدية الأمريكية نحو التيسير.
الطلب الصناعي يقود الارتفاع العالمي
يرى كريم حمدان، تاجر وخبير المعادن الثمينة، أن الزيادة الحادة في أسعار الفضة ليست مجرد رد فعل لحظي، بل نتيجة تراكم ضغوط هيكلية في معادلة العرض والطلب، أبرزها النمو المتسارع في الصناعات المعتمدة على الفضة، وفي مقدمتها الطاقة الشمسية والبطاريات والمكونات الإلكترونية الدقيقة.
ويشير إلى أن التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة رفع الطلب الصناعي إلى مستويات قياسية، في وقت تعاني فيه المناجم من تباطؤ التوسع الإنتاجي وصعوبة فتح مناجم جديدة بسبب التكلفة والتشريعات البيئية.
ويضيف حمدان أن الفضة استعادت مكانتها كملاذ استثماري متوسط التكلفة، خصوصًا مع تراجع الثقة في الأصول عالية المخاطر، موضحًا أن الفضة تستخدم بشكل استهلاكي ولا يعاد تدويرها بالكامل بعد دخولها في الصناعات الحديثة، بخلاف الذهب الذي يعاد تدويره بشكل متكرر، وهو ما يخلق فجوة أكبر بين الطلب والمعروض.
ويؤكد أن المستثمرين باتوا ينظرون إلى الفضة كأصل يجمع بين القيمة الصناعية والقدرة على التحوط من التضخم، وهو ما يفسر الزخم المتزايد في صناديق المؤشرات المرتبطة بها.
الفائدة والتضخم يعيدان الفضة إلى دائرة الملاذات الآمنة
من جانبه، يؤكد جورج ميشيل، رئيس اللجنة النقابية للمصوغات والمجوهرات، أن توقعات خفض أسعار الفائدة عالميًا تزيد من جاذبية المعادن النفيسة، مع تراجع عوائد السندات وارتفاع مستويات التقلب في أسواق الأسهم، وهو ما يدفع المستثمرين إلى تعزيز حيازتهم من السلع ذات القيمة الحقيقية. ويرى ميشيل أن الارتفاع القياسي للفضة يعكس انتقال السوق إلى مرحلة جديدة عنوانها "الطلب الهيكلي طويل الأجل"، مشيرًا إلى أن الفضة أصبحت أحد أعمدة الصناعات المستقبلية، سواء في تطبيقات الطاقة المتجددة أو الصناعات المتقدمة التي تعتمد على موصليتها العالية وقدرتها على تحمل الحرارة.
ويضيف أن الفجوة بين العرض والطلب مرشحة للاتساع خلال السنوات المقبلة، ما يفتح الباب أمام استمرار موجة صعود قد تتجاوز المستويات الحالية في حال لم تضخ الدول والشركات استثمارات كبيرة في تطوير المناجم.
ويعتبر ميشيل أن تحركات الفضة الأخيرة ليست "فقاعة مضاربية" بل امتدادًا لاتجاه عالمي يعيد تشكيل خريطة المعادن الاستراتيجية، لافتًا إلى أن زيادة الطلب الحالية مدفوعة أيضًا بنقص حاد في الخام لدى كبرى الدول المنتجة، وعلى رأسها الصين، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عالمي غير مسبوق في الطلب على الفضة.