إعلان

"السرقة الكبرى للحبوب".. روسيا تعيد التاريخ وتقفز بأسعار القمح لمستويات غير مسبوقة

02:24 م الثلاثاء 17 مايو 2022

حصاد القمح

كتبت- ياسمين سليم:

تسير أسواق الحبوب العالمية نحو أكبر صدمة منذ ما يسمى بـ "السرقة الكبرى للحبوب" والتي شهدتها الأسواق في سبعينات القرن الماضي.

وتسببت حرب أوكرانيا في قفزة كبيرة في أسعار الحبوب نظرًا لأنها اضرت بإمدادات اثنين من أكبر منتجي القمح في العالم وهما روسيا وأوكرانيا، وهو ما أربك سوق الحبوب.

ولامست أسعار القمح أمس عنان السماء بعد أن وصلت لمستوى قياسي بعد أن أعلنت الهند، ثاني أكبر منتج للقمح في العالم حظر التصدير بسبب انخفاض الإنتاج وزيادة الطلب، وهو ما سبب قفزة كبيرة في الأسعار.

وسجلت أسعار القمح أمس ارتفاعًا لتبلغ 435 يورو (453 دولارا) للطن مع افتتاح السوق الأوروبية.

وكان أعلى سعر وصل له القمح هو 422 يورو للطن في 13 مايو الماضي، مع صدور توقعات أمريكية بانخفاض إنتاج القمح الأوكراني بمقدار الثلث لعام 2022-2023.

وتشير بيانات رويترز إلى أن سعر القمح ارتفع منذ أشهر إلى مستويات غير مسبوقة في الأسواق العالمية، وزاد بنسبة 40% خلال ثلاثة أشهر، منذ بداية حرب أوكرانيا.

وتوقع بنك جولدمان ساكس في مارس الماضي بأن تضع اضطرابات خطوط الشحن، وارتفاع تكاليف المدخلات، إضافة إلى المخاوف بشأن المزروعات الجديدة في أوكرانيا، أسواق الحبوب العالمية على الطريق نحو معاناة "أكبر صدمة" منذ ما يسمى بـ "السرقة الكبرى للحبوب" التي وقعت في سبعينيات القرن الماضي.

السرقة الكبرى للحبوب

في صيف عام 1972 كانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي غارقتين في منتصف الحرب الباردة، لكن هذه الحرب لم تكن لتمنع الأعمال التجارية بين البلدين.

خلال هذه الفترة عانى الاتحاد السوفيتي من ظروف مناخية سيئة تسببت في تدمير محصول الحبوب، ليجد نفسه مطالبًا بتوفير احتياطات كبيرة من الحبوب لشعبه.

كان تحرك الاتحاد السوفيتي سريعًا وخفيًا إذ دخل في مفاوضات مع الولايات المتحدة لشراء القمح منها دون أن يعرف أحد بالأزمة التي يعاني منها، خوفًا من رفع الأسعار عليه أو عدم تمكنه من الوصول لمستهدفاته من الحبوب.

بعد مناقشات لم تستغرق وقتًا تمكن السوفيت من إبرام اتفاق مع الجانب الأمريكي بأن يشتري حبوبًا أمريكية بقيمة 750 مليون دولار خلال فترة 3 سنوات، وتضمن الاتفاق أن يلتزم الاتحاد السوفيتي بشراء ما لا يقل قيمته عن 200 مليون دولار من الحبوب في السنة الأولى.

وتشير أوراق مركز بحثي أمريكي تابع للاحتياطي الفيدرالي-البنك المركزي الأمريكي- إلى أن بعد هذا الاتفاق باعت أمريكا للاتحاد السوفيتي أقماحًا خلال فترة شهر بنحو 700 مليون دولار وهي كمية أكبر من صادرات أمريكا كلها في العام السابق له 1971.

وكانت الكميات المباعة نحو 30% من المتوسط السنوي لإنتاج أمريكا من القمح خلال الـ 5 سنوات السابقة للاتفاق وأكثر من 80% من القمح المستخدم في الاحتياطي المحلي خلال هذه الفترة.

لم تعرف أمريكا بهذه المشتريات الضخمة والسريعة إلا بعد حدوثها بأكثر من شهر بعد أن اكتشفت وزارة الزراعة الأمريكية أن الاتحاد السوفيتي اشترى أقماحًا بقيمة تخطت 700 مليون دولار في شهر من أمريكا، بجانب مشتريات أخرى من أستراليا وفرنسا وكندا.

وتسببت هذه الأزمة في قفزة عالمية كبيرة في أسعار الحبوب من القمح وفول الصويا والأعلاف ومن بعدها اللحوم.

وسجلت أسعار القمح 3 أضعاف أسعارها بنهاية العام مقارنة بأغسطس من نفس العام بينما سجلت أسعار الذرة والفول الصويا أكثر من الصعف، وارتفع مؤشر أسعار الجملة لجميع المنتجات الزراعية بنسبة 66% وارتفع سعر الجملة للمواد الغذائية بنسبة 29%، كما تشير الورقة البحثية الأمريكية.

كانت هذه المشتريات التي سميت فيما بعد "السرقة الكبرى للحبوب" سببًا في تحويل جزء من مسار وزارة الزراعة الأمريكية.

وبحسب ستفين هو، كبير الاقتصاديين بوزارة الزراعة الأمريكية فإنه في أعقاب سرقة الحبوب الكبرى عام 1972، أدركت الوزارة أهمية امتلاك معلومات عن الطقس خاصة بها.

وبحسب بودكاست بثته وزارة الزراعة الأمريكية عبر موقعها الإلكتروني فإنها أبرمت اتفاقيات مع هيئة الأرصاد الجوية الوطنية لتطوير مرفق مشترك لرصد التوقعات الزراعية العالمية.

وأضافت أنه بهذه الطريقة يمكن لوزارة الزراعة توفير معلومات الطقس مباشرة إلى كبار الاقتصاديين داخل وزارة الزراعة الأمريكية، حتى تتجنب أن تحدث مثل هذه المفاجآت الخاصة مرة أخرى.

ورغم أن أمريكا اتخذت احتياطاتها في المستقبل للحد من تكرار هذه الأزمة، إلا أن "السرقة الكبرى للحبوب" ظلت علامة بارزة في التاريخ الأمريكي وعلى أثرها صدرت العديد من الكتب والروايات التي تحكي قصة أكبر خديعة روسية لأمريكا خلال الحرب الباردة.

فيديو قد يعجبك: