إعلان

"إيست ميد" خط جديد لتصدير غاز إسرائيل لأوروبا.. فما تأثيره على مصر؟

06:52 م الأربعاء 08 يناير 2020

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- ياسمين سليم وأحمد السيد:

أثار إعلان إسرائيل وقبرص واليونان الأسبوع الماضي، عن توقيع اتفاق لمد خط أنابيب تحت البحر المتوسط، لتصدير الغاز إلى أوروبا، جدلا واسعا، حول أسباب وجدوى إنشاء هذا الخط، الذي قد يتعارض مع حلم مصر في التحول لمركز إقليمي للغاز.

الخط الجديد الذي أطلق عليه اسم "إيست ميد"، سيمتد تحت البحر لمسافة طويلة تصل إلى 1900 كيلومتر، لنقل الغاز الطبيعي من منطقة شرق البحر المتوسط إلى أوروبا.

ويأتي توقيع هذا الاتفاق في وقت تشتعل فيه المنافسة على الغاز الطبيعي بين دول شرق البحر المتوسط، ومساعٍ تركية لوضع قدم في الاتفاقات التي تبرم بشأن استكشاف الغاز وتصديره لأوروبا، وخلافات على ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وقبرص واليونان.

وجاء الإعلان عن اتفاق إنشاء الخط الجديد "إيست ميد"، ليفتح باب الشكوك حول هذا الاتفاق الذي وقعته ثلاث دول تربطها علاقات وطيدة بمصر، وتأثير هذا الخط على مشروع مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة في شرق المتوسط، والذي يعتمد على تصدير الغاز إلى أوروبا، بما تمتلكه مصر من مزايا تتعلق بقربها من حقول الغاز المكتشفة في قبرص وإسرائيل، وامتلاكها بنية تحتية قوية للغاز، وتفردها بامتلاك محطتي إسالة في إدكو ودمياط.

3

وينقل الغاز إما عن طريق ضخه مباشرة من الحقول إلى العملاء في أنابيب، أو إسالته وشحنه عن طريق السفن، ليتم إعادته لحالته الغازية مرة أخرى لدى الدولة المستقبلة، لضخه في شبكة الغاز الخاصة بها.

وبينما يرى البعض أن "إيست ميد" قد يمثل بديلا ضارا لخطط مصر لتصدير غاز شرق المتوسط عبر محطات الإسالة التي تمتلكها، فإن البعض الأخر يرى أن هذا الخط الجديد قد يمثل مسارا آخرا لتصدير غاز إسرائيل وغيرها من دول شرق المتوسط لأوروبا، دون التأثير على مصر.

ولدى مصر اتفاقا بالفعل لاستيراد الغاز الإسرائيلي، بقيمة 15 مليار دولار، الذي من المتوقع أن يبدأ في التدفق لمصر منتصف الشهر الجاري، بعد انتهاء إصلاح خط الأنابيب بين البلدين.

كما أن جدوى وفرص تنفيذ الخط الجديد لا تزال محل شكوك كبيرة، بسبب طول الخط وصعوبة تنفيذه في أعماق كبيرة تحت البحر، واستثماراته الضخمة التي سترفع تكلفة نقل الغاز، بالإضافة إلى عدم موافقة إيطاليا حتى الآن على المشروع باعتبارها أخر نقطة في الخط، لربطه بأوروبا.

ومع هذه التحديات المتعلقة بتنفيذ الخط، يبدو أن فرص مصر لا تزال كبيرة في وضع قدمها كلاعب أساسي في تصدير غاز شرق المتوسط لأوروبا.

وربما يدعم هذا الاتجاه، أن الدول الثلاث -إسرائيل وقبرص واليونان- لا تزال تبحث جدوى المشروع وكيفية تمويله، حيث تهدف هذه الدول للتوصل إلى قرار نهائي بشأن تفاصيل الاستثمار الخاصة بالخط الجديد في 2022 وإتمام خط الأنابيب بحلول 2025، حسبما أُعلن في مؤتمر صحفي عقد في أثينا نهاية الأسبوع الماضي.

8

ومع الإعلان عن الخط الجديد، الذي سينقل الغاز الإسرائيلي مباشرة إلى أوروبا عبر أنابيب تمتد تحت البحر المتوسط إلى أوروبا وتمر عبر قبرص واليونان، وصولا إلى إيطاليا، يظل السؤال الأبرز هو هل الخط الجديد يضر بمصالح مصر في التحول لمركز إقليمي؟ وهو ما سنحاول الإجابة عليه في هذا التقرير، بجانب أسئلة أخرى تتعلق بجدوى خط "إيست ميد" الجديد وأهميته.

هل الخط الجديد يضر مصالح مصر؟

"لا ما يضرهاش"، الإجابة تأتي واضحة من أسامة كمال، وزير البترول السابق، في مداخلة تلفزيونية مع برنامج "القاهرة الآن" على قناة العربية الحدث.

ويضيف أن القارة الأوروبية تستهلك 200 مليار متر مكعب غاز سنويًا، مشيرًا إلى أن روسيا تمدهم بثلث هذه الكمية وتحصل أوروبا على الثلثين من بقية دول العالم المصدرة للغاز.

وبحسب كمال فإن الكمية التي ستنتجها قبرص ومصر وإسرائيل واليونان بالإضافة إلى الجزائر لن تتخطى 50 مليار قدم مكعب، وهي كمية ليست بالكبيرة.

ويصف كمال الإعلان عن الخط الإسرائيلي لتصدير الغاز لأوروبا وتأثيره على خطة مصر لتصدير الغاز لأوروبا بأن "هذه خطة وهذه خطة بديلة".

ويتفق حديث الوزير السابق، مع دراسة نشرها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، عن تأثير خط "إيست مد" على مشروع مصر للتحول إلى مركز إقليمي للغاز في المنطقة.

7

وخلصت الدراسة إلى أن الخط الجديد يسمح بأن يكون هناك مسارين جديدين لتدفق غاز شرق المتوسط للسوق الأوروبية، الأول من خط الحقول الإسرائيلية مرورا بالحدود القبرصية وصولا لليونان وإيطاليا، وهو خط "إيست ميد". والثاني يصل حقل "أفروديت" القبرصي لمصر، ومن ثم تسييله وبيعه بسعر أعلى للسوق الأوروبية الرامي للاعتماد على الغاز المسال ضمن استراتيجية الولايات المتحدة لتخفيف اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي الروسي.

وسيكون أمام الخط الجديد نحو 5 سنوات ليرى النور، فيما تملك مصر حاليًا بنية تحتية تدعم طموحها لتصبح مركزا إقليميا للطاقة، منها أنها تمتلك خط أنابيب غاز بالفعل مع إسرائيل وآخر بينها وبين الأردن، كما تخطط لمد خط أنابيب بينها وبين قبرص.

هذا فضلًا عن مصنعي إسالة الغاز الطبيعي بإدكو ودمياط، حيث ستتمكن المحطتان من تسييل الغاز القادم من أي دولة من دول الجوار وتعبئتهما في ناقلات النفط العملاقة ومن ثم شحنه إلى دول أوروبا المختلفة.

ورغم المميزات التي تملكها مصر حاليًا، فإن الدول الثلاث أعلنت عن إنشاء الخط الجديد، قبل أيام من بدء التصدير للغاز الإسرائيلي لمصر والذي سيبدأ معه فعليًا خطة مصر للتحول لمركز إقليمي للطاقة.

لماذا تُنشئ إسرائيل خطًا مباشرًا مع أوروبا رغم اتفاقها مع مصر؟

"لدينا كفاية من الغاز الطبيعي في إسرائيل وقبرص، لكي ننشأ خطي غاز وليس واحدا"، هكذا يقول وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، في مقابلة مع موقع "New Europe"، عقب توقيع الاتفاق.

وأضاف أن "بعض هذا الغاز سيتم تسييله وإرساله من مصر إلى أوروبا".

ويصف الوزير التعاون في مجال الطاقة بين مصر وإسرائيل بأنه "يتقدم ويزدهر، وهناك بالفعل صفقات لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر وأيضًا إلى الأردن مقابل 30 مليار دولار وهذه مجرد بداية".

ويواجه الخط الجديد مشكلة، مع عدم إعلان إيطاليا حتى الآن موافقتها على إنشاء الخط الذي من المقرر أن يمر عبر أراضيها ومنها إلى بقية القارة العجوز.

كما أن اتفاق الحدود البحرية الذي وقعته تركيا مع ليبيا مؤخرا قد يقف عائقا جديدا أمام تنفيذ خط "ميد إيست" الجديد.

تركيا تبحث عن نصيبها في غاز المتوسط

تعتبر خطط تصدير غاز شرق المتوسط لأوروبا وفقا للاتفاقات بين مصر وقبرص واليونان وإسرائيل، غير مرضية لتركيا، التي تلعب بالفعل دور المركز الإقليمي للطاقة في أوروبا، من خلال موقعها بين الدول المصدر للغاز في آسيا والسوق الأوروبي.

وتمتلك تركيا شبكة واسعة من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، مثل الخط الدولي الذي يربطها بروسيا عبر بلغاريا ورومانيا وأوكرانيا، والخط الأزرق الذي يربط روسيا بتركيا مباشرة عبر البحر الأسود.

ومع موقعها الجغرافي بين الدول المنتجة للغاز وبين الدول المستهلكة له، وامتلاكها لخطوط غاز قائمة بالفعل، ترى تركيا أنها في وضع مثالي يمكنها الاستفادة من طفرة الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي ضخم للطاقة، لكن قبرص تمثل عائقا كبيرا أمام طموحات أنقرة، حيث أن الصراع التركي القبرصي تاريخي.

6

ويوجد في منطقة شرق البحر المتوسط احتياطات تصل إلى نحو 223 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي ونحو 1.7 مليار برميل من الزيت الخام و6 مليارات برميل متكثفات، وفقا لدراسات المساحة الجيولوجية الأمريكية، وهو ما أشعل المنافسة بين دول شرق المتوسط، التي ترى أن هذه الثروة ليست من النوع الذي يمكن تركه للاعب رئيسي واحد، ولذلك تسعى تركيا للحصول على حصة من تلك الاحتياطيات.

ومؤخرا أبرمت الحكومة التركية، اتفاقيتي تفاهم مع حكومة الوفاق الوطنية في الغرب الليبي، إحداهما لترسيم الحدود البحرية بين البلدين في البحر المتوسط، في محاولة من الأولى لوضع قدم في منطقة شرق البحر المتوسط، وأعقبه تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تفيد إن البلدين ستعملان مع شركات دولية للتنقيب عن النفط والغاز في المتوسط.

22

ونقلت وكالة رويترز عن محللين قولهم إن الاتفاق قد يشكل عائقا أمام خط الأنابيب المقترح الذي سيتعين مروره عبر المنطقة الاقتصادية التركية-الليبية.

وتتجاهل الاتفاقية بين البلدين وجود جزيرة كريت اليونانية بين الساحلين التركي والليبي، كما تعتبر منافية لقانون البحار الدولي، ومن خلال هذه المنطقة يراد مد أنبوب الغاز "إيست ميد".

وتتصارع اليونان وقبرص وتركيا منذ سنوات على احتياطات غاز في شرق البحر المتوسط بعد زيادة الاكتشافات في هذه المنطقة.

ويصف التلفزيون اليوناني مشروع "إيست ـ ميد" باستمرار على أنه "حصن ضد استفزازات تركيا"، بحسب ما يقوله موقع دويتشه فيله الألماني.

وبعيدًا عن المشكلات السياسية التي قد يواجهها الخط الجديد، فإن الخط قد يواجه مشكلات أيضا تتعلق بالتمويل.

هل خط "إيست ميد" مُجدٍ اقتصاديًا؟

لا تزال هناك شكوك كبيرة حول تنفيذ خط "إيست ميد"، إذ أنه سيمتد في المياه العميقة بالبحر المتوسط من إسرائيل وعبر قبرص واليونان ثم إلى إيطاليا، بطول 1900 كيلو متر، لذلك ستصل تكلفة إنشاءه لما يتراوح بين 6 و7 مليارات يورو، وهي تكلفة كبيرة جدًا من غير المعلوم حتى الآن من سيتحملها.

1

وهذه التكلفة قد تفسر لماذا أعلنت الدول الثلاث الأسبوع الماضي، أنها ستتخذ قرارًا نهائيًا بشأن تفاصيل الاستثمار في 2022 وإتمام خط الأنابيب بحلول 2025.

وتقول مصادر في شركات البترول العالمية لمصراوي إن تكلفة نقل المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي من خلال ذلك الخط ستبلغ ما بين 2.5 و3 دولار، وهي تكلفة مرتفعة، تزيد سعر بيعه بشكل غير تنافسي.

وأضافت المصادر أن الشركات كانت قد اقترحت من قبل ربط حقول الغاز الإسرائيلية وحقل الغاز في قبرص ليتم مده إلى مدينتي دمياط أو إدكو لإسالة الغاز وإعادة تصديره.

وتصل تكلفة إنشاء ذلك الخط نحو 1.3 مليار دولار، على أن تتراوح تكلفة نقل المليون وحدة حرارية ما بين 1.5 و2 دولار.

وهو ما يعني أن الربط مع مصر يعتبر الخيار الأفضل سياسيا واقتصاديا لدول حوض شرق البحر المتوسط حيث يتجنب اللجوء إلى تركيا ويصل الغاز للسوق الأوروبية بسعر مناسب.

ويفتح هذا الاقتراح الباب لإلقاء نظرة حول المميزات التي تسمح لمصر بأن تلعب دورًا كبيرًا في تجارة الغاز خلال الفترة المقبلة.

ما الذي يميز مصر عن بقية دول الجوار؟

تمتلك مصر بنية تحتية تدعم طموحها لتصبح مركزا إقليميا للطاقة يسيطر بشكل خاص على غاز منطقة شرق المتوسط لقربها الجغرافي من حقول الغاز بالمنطقة سواء الإسرائيلي أو القبرصي.

كما تمتلك شبكة خطوط تمتد بينها وبين إسرائيل وآخر مع الأردن وتخطط لإنشاء خط جديد للأنابيب مع قبرص.

وفقًا للاتفاق الموقع بين مصر وقبرص في سبتمبر 2018، سيتم إقامة خط أنابيب بحري مباشر، ينقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي إلى محطات الإسالة في إدكو بمصر وإعادة تصديره إلى الأسواق المختلفة.

وبحسب طارق الملا، وزير البترول، فإن الاتفاق المصري القبرصي لا يشمل تنفيذ خط أنابيب بحري فقط، بل سيسهم في تأمين إمدادات الغاز للاتحاد الأوروبي.

ويقول مصدر بوزارة البترول إن الطاقة الاستيعابية للخطوط مع قبرص تصل إلى 700 مليون قدم مكعب سنويا.

وأضاف أنه سيتم توجيه جزء من الغاز القبرصي المستورد للاستهلاك في السوق المحلية، والجزء الآخر للتصدير من خلال محطات الإسالة.

4

ويوجد بمصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعي في إدكو ودمياط لإسالة الغاز وإعادة تصديره إلى أوروبا.

ويقع حقل الغاز ظُهر على بعد نحو 90 كيلو متر بعيدا عن حقل الغاز أفروديت القبرصي، والذي يبعد نحو 7 كيلومترات من حقل ليفياثان قبالة السواحل الإسرائيلية، وهو ما يسمح بتطوير الحقول الموجودة في حوض شرق البحر المتوسط، بالإضافة إلى إنشاء شبكة إقليمية متكاملة للبنية التحتية للغاز بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان.

اقرأ أيضًا:

قبرص وإسرائيل واليونان توقع على اتفاق لمد خط أنابيب للغاز بالبحر المتوسط

أردوغان وبوتين يدشنان خط أنابيب غاز التيار التركي

أسباب استيراد مصر الغاز من إسرائيل رغم اكتشاف حقل "ظهر" العملاق

رئيس قبرص: تنقيب تركيا عن الغاز في حدودنا اعتداء صارخ وتهديد للمنطقة

بسبب الغاز.. هل تشعل قبرص "مواجهة كبرى" بين تركيا وأوروبا؟

الاتحاد الأوروبي يعاقب ضد تركيا بسبب تنقيب عن الغاز شرق المتوسط

مصر تُدين توقيع اتفاق أمني وبحري بين "السراج" وتركيا

إيكونوميست: الغاز الإسرائيلي "لغز".. والحل في مصر

تفاصيل وأسباب صفقة شراء خط أنابيب الغاز بين مصر وإسرائيل

إسرائيل تبدأ تصدير الغاز الطبيعي للأردن

فيديو قد يعجبك: