"البيع بالخسارة".. كيف يتعامل المتعثرون في سداد أقساط الوحدات السكنية؟
كتبت- مارينا ميلاد:
صورة تعبيرية
في غضون بضعة أشهر، تبدل موقع "شهاب" من باحث عن شقة بمشروع مدينة "نور" الجديدة بشرق القاهرة إلى بائع، حتى قبل استلامها. فيُغري الراغبين بالشراء – عبر مواقع التواصل الاجتماعي – بأنه سيبيعها بنفس سعرها القديم دون "أوفر"، أي سعر إضافي عن الفترة الماضية، وذلك بسبب تعثره في سداد باقي أقساطها.
وعندما حصل "شهاب" (35 عامًا) على وحدته التي تبلغ مساحتها 119 مترًا، خلال حجز العام الماضي، لم يتوقع أن تضطرب حساباته وأموره المادية لدرجة لم يعد معيها قادرًا على سداد القسط الشهري المقدر بنحو 25 ألف جنيه.
ووفقًا لرصد نحو عشر مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي تخص عددًا من المشروعات العقارية الجارية في هذه الفترة، لم تكن حالة "شهاب" استثناءً، إنما شاركه عشرات "المتعثرين" الذين يعرضون أسبوعيًا وحداتهم لإعادة بيعها مرة أخرى بسعر إضافي على المبلغ الذي تم دفعه من جانبهم أو بدونه، مع إعلان تحملهم نسبة خسارة.
جدول الأقساط
يقول "شهاب"، وهو متزوج ولديه طفل، ويعمل موظفًا في أحد البنوك، إنه "قرر خوض التجربة بكل ما ادّخره من مبالغ مالية، بالإضافة إلى ذلك حصل على قرض، للسكن بمكان مميز وقريب من العاصمة الإدارية الجديدة، التي ستتركز فها أغلب الأعمال خلال السنوات المقبلة".
ثم يكمل: "لكن لم تَسِرْ الأمور كما خططتُ لها، وتعثرت بعد سداد دفعتي الحجز والتعاقد ونحو 12 شهرًا من الأقساط الشهرية".
إجمالي ما دفعه "شهاب" يقارب المليون جنيه من أصل 8 ملايين و336 ألف جنيه مستحقة للشقة، يتم سدادها بدفعات شهرية وسنوية خلال 12 عامًا. ومن المفترض أن يعيد الرجل بيع شقته بنسبة زيادة لتتماشى مع سعر الوحدات بالمشروع هذا العام، لكنه لم يفعل، لتسريع عملية البيع ولا تتراكم عليه غرامات، كما يحكي.
ويوضح أحد الموظفين بشركة تطوير عقاري تعمل بعدة مناطق بالقاهرة (طلب عدم نشر اسمه)، أن شركته تضع ثلاثة أشهر سماح عند التعثر في سداد الأقساط، ثم بعدها تفرض غرامة 2.5% من قيمة القسط، وتستمر في التراكم مع عدم السداد، مشيرًا إلى أن "الشركة لا تسحب الوحدة إلا في حالات نادرة بناءً على طلب المالك، فهي تكسب طالما هناك فوائد وغرامات".
لذا يلجأ الملاك المتعثرون إلى فكرة إعادة البيع، وهو ما يصفه بـ"فرصة ينتظرها كثيرون". فيقول: "ببساطة، أنت تحصل الآن على شقة جديدة لكن بسعر قديم!"، موضحًا أن "أسعار العقارات تزيد شهريًا بنسبة تتراوح بين 2% و5%، وهو ما تراعيه الشركات عند بيع وحدات جديدة، لكن المتعثر في سداد الأقساط حين يعيد بيع شقته، لا يضيف نسبة الزيادة نفسها، بل يقللها أو لا يضعها من الأساس، ويكفيه الحصول على ما دفعه، حتى يكون عرضه مغريًا".
المهندس نجيب ساويرس، رجل الأعمال، كان قد أشار إلى هذا الأمر قبل أيام خلال كلمته في مؤتمر "ثينك كوميرشال"، فقال: "إن السوق العقارية تعاني حاليًا تراجعًا كبيرًا في المبيعات بجانب إرجاع المشترين وحداتهم؛ لعدم قدرتهم على السداد، وأن تكلفة إنشاء الوحدة تمثل حاليًّا 25% من الأسعار المعلنة، ويتبقى 75% تكلفة تمويل وقروض".
ذلك على الرغم من أن أكبر 10 شركات تطوير عقاري حققت مبيعات بقيمة 651 مليار جنيه خلال النصف الأول من العام الجاري، مقابل 442 مليار جنيه خلال الفترة نفسها من العام الماضي، بزيادة نسبتها 47% بالقيمة، وفقًا لتقرير صادر عن مكتب "ذا بورد كونسالتينغ" للاستشارات السوقية.

على عكس "شهاب"، لم يكن هدف أشرف عزت (60 عامًا)، الحصول على شقة بغرض السكن فيها، بل للاستثمار في العقارات، فيقول: "ما تعلمناه في السنوات الماضية هو أن أفضل استثمار يكون في الذهب أو العقارات، وبالنسبة لي، كان العقار الاختيار الأفضل، حتى ينفع أولادي".
فاشترى "أشرف" وحدته بمشروع "مستقبل سيتي" على طريق القاهرة السويس، والذي انتهت مرحلته الأولى ويجري العمل بمرحلته الثانية حاليًا. ويصل سعر الوحدة البالغ مساحتها 130 مترًا إلى 7 ملايين و900 ألف جنيه، يتم سدادها على 14 عامًا بدفع مقدم 5%.

هذه الوحدة من المفترض استلامها وفقا للعقد بعد 4 سنوات بحد أقصى، أرهقت "أشرف" خلال العام الأول من السداد، فهو مطالب بسداد نحو 130 ألف جنيه كل ثلاثة أشهر. لذلك شرع في إعادة بيعها. ويقول: "بمرور الوقت وزيادة الأسعار، لم يعد هذا المبلغ محتملا، ما زلت أسدد حتى اليوم لكن لا أضمن الثلاث أشهر المقبلة، فقررت عرضها حتى أرى إذا كان سيأتيني عرضًا جيدًا لها".
وبالطبع، استبعد خيار فسخ التعاقد مع الشركة، لأنه سيخسر حينها مبلغًا كبيرًا.
ويقول أيمن عبد الحميد، العضو المنتدب ونائب رئيس مجلس إدارة شركة التعمير للتمويل العقاري "الأولى" لـ"مصراوي"، في حوار سابق، إن " نسبة المتعثرين بلغت 2.4% وهي نسبة معقولة خاصة في ظل الأزمات الجارية والتغيرات الاقتصادية التي تشهدها جميع القطاعات".
كان التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في مصر تباطأ إلى 12% في أغسطس الماضي من 13.9% في يوليو 2025، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وتوقع صندوق النقد الدولي قبل أشهر نمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي 2025-2026 بنسبة 4.1%، مقارنة بـ 3.6% في العام المالي السابق، وهبوط معدل التضخم تدريجيًا، بحسب جولي كوزاك (مديرة إدارة الاتصالات بالصندوق) خلال مؤتمر صحفي.
لكن "شهاب"، الذي يقضي أيامه الآن وهو يفكر في بيع الشقة بأسرع وقت، قرر ألا يغامر مجددًا، فيقول: "إن لم أضمن توفر المبالغ المستحق دفعها للأقساط وإن ذلك لن يؤثر على المصاريف اليومية لأسرتي، فلن أدخل في هذه القصة مرة أخرى".
اقرأ أيضا: الدخل vs الأسعار.. 10 سنوات من الصراع في سوق العقارات بمصر (تقرير بيانات)
جدول الأقساط