إعلان

الدخل vs الأسعار.. 10 سنوات من الصراع في سوق العقارات بمصر (تقرير بيانات)

كتبت- مارينا ميلاد:

11:35 م 04/10/2025 تعديل في 05/10/2025

مشاريع سكنية - القاهرة

تابعنا على

مرة أخرى، يحسب أسامة موريس (55 سنة)، الذي كان يعمل مهندسًا، مدخراته. وما إن يظن أنه اقترب من شراء شقة لواحد من أولاده الثلاثة على الأقل، ينهار عشمه وهو يسأل عن أسعار الوحدات سواء التي سيدفع ثمنها دفعة واحدة أو على أقساط. فالأسعار تسبقه دائمًا بعشرات الخطوات. وتتكرر هذه اللحظة معه منذ سنوات؛ فكلما اقترب من شراء شقة واحدة ابتعد الهدف الذي يلاحقه أكثر.

يحدث الشيء نفسه مع أحمد حسين (28 عامًا)، الذي يُجهز نفسه للزواج. فطوال عامين، يبحث عن شقة بأقساط معقولة تناسبه ولا يعثر عليها. فيقول: "بات الأمر مزعجًا، وتقريبًا استسلمت لفكرة أنني لن أشتري شقة في الوضع الحالي، ما لم تحدث معجزة".

فخلال نحو عشر سنوات، ارتفعت أسعار العقارات في مصر بصورة غير مسبوقة، ولم تواكبها الزيادات المتتالية للأجور. إذ تظهر الأرقام أن متوسط الدخل في مصر خلال السنوات العشر الماضية ارتفع تدريجيًا من عام2016 حتى 2025 بنسبة 85%، في حين قفزت أسعار الشقق بنسب تراوحت بين 650–750%، ما يكشف عن فجوة واسعة.

لا توجد جهة حكومية واحدة تصدر متوسطًا واحدًا موحَّدًا لسعر المتر² للوحدة السكنية عن كل سنة بطريقة تغطي السوق. لذلك البيانات المتاحة عادةً تأتي من مؤشرات سنوية لتغيّر أسعار المساكن (نسب مئوية) تصدرها منصات تحليلية أو مجمِّعات بيانات عقارية (مثل Aqarmap / GlobalPropertyGuide).

كانت خطة "أسامة" الأصلية قد بدأت منذ نحو عشر سنوات، عندما عاد إلى مصر بعد عمله بالخارج لسنوات، وتتلخص في أن يضع كل تحويشته في وحدات سكنية لأولاده. لكن واقع العقارات، الذي تغيّر برمته في تلك السنوات وبوتيرة سريعة بدّد خطته. فيقول: "صرت أبحث عن شقة واحدة فقط، وبمرور الوقت أيقنت أنني لا أستطيع شراؤها دفعة واحدة ولابد من التقسيط، الذي لم أفضّله طوال حياتي".

بينما "أحمد" كان يدرك من البداية أن مبلغ الـ600 ألف الذي يملكه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يشتري له شقة حتى في المناطق الأقل مستوى مما يطمح إليه. فاتجه إلى البحث في المشاريع الجديدة للمطورين العقاريين عن شقة يدفع لها هذا المبلغ مقدمًا، ويقوم بتقسيط باقي المبلغ على دفعات.

لكن ما وجده هو أن "الكومبوندات" الجديدة يصل فيها سعر الوحدات إلى نحو ثلاثة ملايين على الأقل، بالطبع حسب الموقع والمساحة، وليس هناك تسليم فوري، أقل شيء بعد ثلاث سنوات، والأغلب دون تشطيب، غير أنني مطالب بسداد عدة دفعات كبيرة من أصل المبلغ خلال السنة الأولى، بعد ثلاثة أشهر وبعد ستة أشهر، ووديعة صيانة ثم البدء في الأقساط"، كما يحكي.

وما يتقاضاه "أحمد" وأبناء "أسامة" في عملهم بشركات قطاع خاص، لا يواكب تلك الأرقام المفترض سدادها. فالأرقام تكشف حجم الفجوة بين متوسط دخل الفرد وما يفرضه السوق لامتلاك وحدة سكنية. فبينما ارتفع متوسط الدخل الشهري من 3768 جنيهًا عام 2016 إلى نحو 7000 جنيه هذا العام، قفزت أسعار الوحدات العقارية بمعدلات أكبر بكثير.

العلاقة بين الدخل وأسعار الوحدات بحلول أبريل 2025، قفز مؤشر أسعار العقارات على مستوى الجمهورية بنسبة 30.4% مقارنة بالعام السابق، في ظل استمرار التضخم المرتفع، وفقًا لما رصدته بوابة العقارات المصرية "عقارماب".

رغم ذلك، ترى شركة JLL MENA المتخصصة في الاستشارات العقارية أن "السوق في مصر يبقى مرنًا، مدفوعًا بالطلب المحلي والأجنبي القوي، وتحسن الظروف الاقتصادية". لكن بالنسبة لأشخاص مثل "أسامة" و"أحمد" فتذكر الشركة أن "زيادة تكاليف المعيشة أدت إلى تحول التفضيلات نحو الوحدات الأصغر والأكثر ملاءمة للميزانية".

لذا من المرجح، في رأيها، أن يتفوق المطورون الذين يتكيفون مع هذه المتغيرات من خلال استبدال المخططات الضخمة والفيلات غير المكتملة بشقق متوسطة جاهزة. وتضيف: "مرونة المنتجات المطروحة، إلى جانب المجتمعات الغنية بالخدمات والمساحات المفتوحة، ستكون المفتاح للنجاح في مشهد القاهرة السكني المتطور".

ورغم أن ما تطالب به الشركة هو ما يحتاجه كل من "أسامة" و"أحمد" تمامًا، إلا أن الأخير اضطر إلى الاستغناء عن بعض المواصفات خلال جولاته بمناطق في الشروق وطريق القاهرة–السويس، الذي بات يمتلئ بالعديد من المشروعات السكنية الجديدة التي يجري العمل بها بمحاذاة الجبل.

لكن، كما يذكر: "كان متوسط أسعار الأقساط في شقق لا تتجاوز مساحتها 110 أو 120 مترًا، يصل ما بين 25 – 40 ألفًا شهريًا، يختلف حسب مكان الشقة وإن كانت أمامية أم خلفية". ويكمل: "كنا كأسرة سنشارك جميعًا في دفع قيمة القسط، لكن الدفعات الأولى مع المبالغ المرتفعة للأقساط، مع تكلفة التشطيب فيما بعد، ليست في مقدورنا، وإن تعثرنا، ستُسحب الشقة ونخسر جزءًا كبيرًا من أموالنا".

كان المهندس نجيب ساويرس، رجل الأعمال، قد قال في تصريحات قبل أيام: "إن القيمة الفعلية للوحدة السكنية التي تباع بالتقسيط بمبلغ مليون جنيه لا تتعدى 250 ألف جنيه نقدًا، وذلك بسبب تضمين أسعار البيع فوائد مالية تصل إلى 150% على مدى سنوات السداد، وإن المطورين العقاريين في مصر باتوا يتنافسون ليس فقط في الأسعار، ولكن في مدة السداد التي تمتد أحيانًا إلى 12 عامًا"، مؤكدًا أن "هذه المدة الطويلة تؤدي إلى تراكم فوائد هائلة تثقل كاهل المشتري". ويرى أن "حل الأزمة يكمن في تحول البنوك لتقديم قروض عقارية طويلة الأجل، وأن الدولة تُقسط للموظفين على مدار 30 و40 سنة".

بالتالي، يرى "أسامة" أن الأمر في شكله الحالي اليوم "أصبح شبه مستحيل". ولجأ إلى خيارات أخرى لم يكن يفضلها في البداية، وهي البحث في وحدات مشروعات الإسكان التي تطرحها الدولة، والتي أيضًا يصل سعر الوحدة في "مشروعاتها الفاخرة" إلى مليونين أو أكثر.

وشهدت السنوات العشر الماضية، ارتفاعًا تدريجيًّا في بناء المؤسسات المملوكة للدولة (القطاع العام) للمساكن الهادفة إلى الربح كمشاريع: سكن مصر، وجنة، ودار مصر، والإسكان الفاخر، مقابل المساكن غير الهادفة إلى الربح كالإسكان الاجتماعي/سكن كل المصريين، بالإضافة إلى الإسكان التعاوني وبديل العشوائيات، بحسب مرصد العمران، الذي أشار إلى "أنه قبل تسع سنوات كانت حصة الإسكان الاجتماعي غالبة على القطاع العام (96%) مقابل 4% فقط للهادف إلى الربح. والآن، حاز الإسكان الاستثماري متوسط 25% من إنتاج الحكومة للمساكن، ما يدل على أنه صار منتجًا رئيسيًا للحكومة بجانب الإسكان غير الهادف إلى الربح".

كانت مصر قد واجهت مصر أزمة اقتصادية عام 2016، حيث انخفض احتياطي العملات الأجنبية بشكل حاد. ولجأت وقتها إلى الاقتراض من صندوق النقد، وخفض قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، حيث ارتفع سعر صرف الدولار من 8 جنيهات إلى 18 جنيهًا، ثم تكرر الأمر عام 2022 مرتين. وفي يناير 2023، خفض البنك المركزي قيمة الجنيه للمرة الثالثة، مما أدى إلى فقدان العملة نحو 40% من قيمتها. ثم في مارس 2024، خفضت مصر العملة مجددًا، لتمهيد الطريق للحصول على مليارات إضافية من قروض صندوق النقد.

وخلال تلك السنوات، ارتفعت أسعار مواد البناء التي تشمل الحديد والإسمنت والخشب وغيرها، بنسب تتراوح ما بين 20% إلى 40% بسبب زيادة أسعار مدخلات الإنتاج. ووصل متوسط سعر طن الحديد في السوق المصرية إلى نحو 21 ألف جنيه (وفقا لأرقام شعبة مواد البناء باتحاد الغرف التجارية عام 2022)، فضلا عن ارتفاع تكاليف الشحن والنقل.

ووسط ذلك، لا زال كل من "أسامة" و"أحمد" يبحثان بشكل متقطع حتى وإن كان بقدر كبير من اليأس، كما يبدو من حديثهما. فيصف "أحمد" الأمر بالنسبة له بـ"الرحلة المحبطة". ويقول "أسامة": "أن تكون لديك ثلاثة صبيان، هذا همّ كبير.. واليوم أندم على كل لحظة بالماضي انتظرت فيها ولم أضع أموالي في عقار حتى لو بالاستدانة.. لم أكن أعلم ما سيحدث الآن".

اقرأ أيضا: "البيع بالخسارة".. كيف يتعامل المتعثرون في سداد أقساط الوحدات السكنية؟

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان