إعلان

بـ747 كتاب.. كيف أصبح عبدالتواب يوسف صديقًا لأطفال مصر؟

11:00 ص الأربعاء 26 يناير 2022

الكاتب الراحل عبدالتواب يوسف

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي:

لم ينْس عبد التواب يوسف أبدًا ذاك الطفل الصغير الذي كان عليه، طفل شُغِف بحُب القراءة لكن بسبب الفقر حُرم من تلك المتعة، فقد كان ثمن الكتاب الواحد 20 صاغ، أي ما يُعادل ثمن 20 بيضة، في ذلك الوقت من أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، حيث وُلد عام 1928 في قرية شنرا مركز الفشن ببني سويف، وكان أبيه يُضحي بالعشرين صاغ مُقابل أن يقرأ صغيره، لذا عندما شبّ الطفل وكبر حمل على كتفيه همّ الأطفال أمثاله.

ظلّ لذلك الطفل مكانة كبيرة في نَفْس عبد التواب، حتى حينما صار كاتبًا شهيرًا في أدب الطفل، وأخذت وزارة التربية والتعليم إحدى قصصه لكتاب الخامس الابتدائي دون استئذانه لم يتضايق "أنا موافق ياخدوا كل قصصي بدون علمي، أنا كنت طفل فقير جدًا ولم أقرأ سوى كتب بسيطة ورخيصة، فرحة كبيرة إننا نُردّ للأطفال شيء حُرمنا منه في طفولتنا"، قال ذلك في حواره مع الشاعر فاروق شوشة.

عُرف عن عبد التواب يوسف أنه غزير الإنتاج، فقد كتب حوالي 747 كتاب للطفل؛ بدأ فيها بالكتابة الدينية للأطفال، فأنتج سلسلة خاصة حول العقيدة ثم القرآن الكريم، وبعدها قدّم سلسلة بعنوان المكتبة القرآنية للأطفال، كي يُحبب للصغار القرآن الكريم، ثم قدّم قصصًا من الأحاديث النبوية، وبعد ذلك قام بالكتابة عن العبادات، أما السيرة النبوية فأنتج فيها 25 كتاب، وأتت بعد ذلك سيرة الصحابة والتابعين والأنبياء والأخلاقيات الدينية، وحاول عبد التواب عبر كتاباته استخدام أسلوب عصري قريب من الأطفال، حتى يهتموا بالمعلومات المقدمة "حين كتبت عن الهجرة سألت الأطفال سؤال ما هي أعظم رحلة حول التاريخ، الأطفال هيفكروا في رحلات زي طلوع لويس أرمسترونج للقمر، لكن أنا بقولهم إن أعظم رحلة في التاريخ هي الهجرة النبوية".

لم تأتِ ريادة عبد التواب من فراغ، فلم يكن مُجرد كاتبًا للأطفال، بل أنه اهتم بمجال أدب الطفل ككل، سواء على مستوى الكتابة أو الثقافة، كتب عبد التواب أيضًا أعمال روائية للأطفال؛ من بينها خيال الحق التي طُبع منها 3 مليون نُسخة، وقرأها أطفال ما بين الـ 11 و 12 سنة، ورغم أنه لم يكتب الشعر لكنّه اهتم بجمع دواوين الشعراء العرب الذين كتبوا للأطفال، مثل أحمد شوقي ومحمد الهراوي وكامل الكيلاني ومعروف الرصافي، كما اتجه للكتابة للطفل في سن قبل المدرسة.

ليس ذلك فحسب بل توجّه أيضًا للكبار، حيث لاحظ قُصور شديد في الدراسات والبحوث الخاصة في أدب الطفل، فحسب حواره مع الشاعر فاروق شوشة لم يكن هناك ندوات أو مؤتمرات حول أدب الطفل، فأقام أول مؤتمر لثقافة الطفل في مارس 1970، وحضر العديد من الندوات حول العالم عن أدب الطفل أيضًا، كما اهتمّ بالأدب الشعبي للأطفال، وأصدر كتابين في ذلك.

أخلص عبد التواب لأدب الطفل، كراهب يتعبّد في محرابه، ألزم الكاتب نفسه بمعرفة كل صغيرة وكبيرة عن ذلك العالم، فحتى رحلاته خارج الوطن العربي كانت ليلمّ بما يحدث في أدب الطفل عالميًا، وما كان يستقرّ في مدينة إلا أن تكون وِجهته الأولى هي مكتبة الطفل، فيتعرّف على أمين المكتبة الذي بدوره يُوصله لكُتاب الطفل في تلك المدينة، هكذا طوّر عبد التواب من نفسه، وصار على دراية بما يحدث من حوله، لذا كانت وجهة نظره تنمّ عن عِلم حقيقي، وكان واحدًا ممن عارضوا مناهج التعليم المُعتمدة على الحفظ والتلقين بسبب ما رآه في أوروبا وأمريكا وكندا "التعليم برة مفيش مقرر لكن كُتب مرجعية، وبالطريقة دي الطفل يتعلم البحث والاستقصاء من سنّ مُبكّر".

وبسبب حُبّه للتعلّم كان لعبد التواب دور أيضًا في محو الأمية، فلم تمحو ذاكرته ذلك المشهد البعيد حين رأى رجلًا من أقاربه يُشير لطفل يرافقه ويسأله عن المكتوب على يافطة الشارع، رآه عبد التواب من شُرفة منزله حيث كان قريبه في طريقه إليه، كان موقفًا مُزلزلًا بالنسبة لعبد التواب "حسيت إنها كارثة"، في ذلك الوقت كان مُنخرطًا في العمل السياسي، وكانت محو الأمية مسئولية جديدة ضمن مسئولياته الأخرى، وبسبب اهتمامه بتلك القضية حصل على جائزة اليونسكو في محو الأمية، وفي 1990 قررت سوزان مبارك-حرم الرئيس الأسبق- أن يكون عام محو أمية الطفل، وقتها كتب عبد التواب مقالات بشكل أسبوعي عن محو أمية الطفل.

حصل عبد التواب يوسف على العديد من الجوائز، لعل أبرزها كانت جائزة الدولة في أدب الطفل عام 1975، وجائزة الملك فيصل العالمية في الآداب عام 1991، غير أن الجوائز بالنسبة لعبد التواب لم تعني الكثير، فهي كما وصفها بنفسه "ربتة على الكتف تقول أنت على الطريق الصحيح".

حتى وفاته عام 2015 ظلّ عبد التواب مُخلصًا لأدب الطفل، يُحاول سدّ الفجوة الكبيرة الموجودة داخل أدب الطفل، ذلك المجال الذي يمتنّ فيه لمن سبقوه من رواد مثل كامل الكيلاني، ولكنه كان يعلم أن لازال الطريق طويلًا، وأن مكتبة الطفل لم تكتمل بعد "الكتب موجودة كتير في الاتجاه الديني، لكن اتجاهات زي الفنون التشكيلية والموسيقى قليلة"، فمن يستطيع ملء الفراغ من بعده؟

فيديو قد يعجبك: