إعلان

أصحاب المقامات العالية (11)- أبي العباس المرسي وريث الشيخ الشاذلي

02:51 م الخميس 15 أبريل 2021

مسجد أبي العباس المرسي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- هبة خميس:

في عام 1244 قدم إلى الإسكندرية العارف بالله أبي الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الشاذلية الصوفية ومصطحبًا معه تلميذه الذي قابله في تونس وقدم معه لنواة الصوفية في مصر وهي مدينة الإسكندرية، ليستقر الشيخ أبي الحسن الشاذلي بمسجد العطارين يعطي الدروس للناس ويفقههم بشأن دينهم، بينما وقعت عينا أبي العباس المرسي على تلك البقعة الواسعة في حي بحري أمام البحر بالقرب من جبانة لأولياء الله فيستقر بها علها تكون نقطة النور التي تضيء ذلك الحي الذي اشتهر بسوء سمعته وكثرة سرقاته وبيوت البغاء.

"من عرف نفسه عرف ربه"

في عام 1933 بقرار من الملك فؤاد الأول شرع المهندس الإيطالي ماريو روسي في تصميم المسجد الذي نعرفه حاليًا باسم مسجد أبي العباس المرسي الذي بُنِي بجوار جبانة الأولياء في منطقة بحري ليصبح من أجمل مساجد مصر، جاء روسي إلى مصر مع مجموعة ضخمة من المعماريين الأوروبيين للعمل على نهضة مصر المعمارية الحديثة ولتصميم الكثير من المباني والبنايات التي مازالت موجودة حتى الآن.

صورة 2

وفي مصر وقع روسي في عشق العمارة الإسلامية لتكون هي الشيء الذي سيبرع في تصميمه فيما بعد، وأثناء تكليفه ببناء مسجد أبي العباس المرسي صمم روسي ميدانَا للمساجد يضم في المنتصف أكبرهم وهو مسجد أبي العباس.
استغرق روسي ستة عشر عامًا لبناء المسجد ودرس وقتها التصميم الأندلسي الإسلامي واعتنق الإسلام ودرسه تعاليمه جيدًا ليخرج المسجد بنقوش أندلسية بديعة وقبة ضخمة تشبه في تصميمها قبة الصخرة في القدس، ليصبح المسجد تحفة لمريديه وقِبلة للمنطقة ويعتبر المسجد من أوائل المساجد الإسلامية الحديثة التي بنيت بدون صحن داخلي للمسجد لضيق مساحة المدن.

بعد انتهاؤه من المسجد بدأ روسي في بناء مسجد أخر بالإسكندرية بمئذنة عالية وتصميم فريد وهو مسجد القائد إبراهيم بمحطة الرمل وبعده بني مسجد الرفاعي ومسجد عمر مكرم ليكمل مشوارًا طويلًا قضاه في بناء المساجد ليتوفى روسي عام 1961 بالحجاز.

صورة-3

"الفقيه هو من انفقأ الحجاب عن عيني قلبه"

من بعيد تبدو مئذنة المسجد علامة على المنطقة التي خلدها شيخها باسمه، فيصبح مولده احتفالاً للمدينة كلها فيخرج الموكب للكورنيش ويمشي حتى يصل إلى المسجد وحول الموكب يتراص الناس محتفلين بوليهم الذي أحب الحي وعاش ودُفن فيه، وفي الساحة الصغيرة المحيطة بالمسجد تتراص الخيام.

في مدينة مرسيه الأندلسية التي تطل على البحر المتوسط، ولد الشيخ شهاب الدين أبي العباس لأسرة يمتد نسبها للصحابي سعد بن عبادة الأنصاري، عمل والده في التجارة وأظهر نبوغًا في حفظه القرآن والحديث والحساب وعلمه أبوه هو وأخوه التجارة والحساب.
وحينما صار شاباً هو وأخوه قرر والده الذهاب للحج واصطحاب الأسرة معه ليغرق هو والأم ويعيش أبي العباس وأخوه، وعقب نجاتهم من الغرق قررا الاستقرار في تونس لاستكمال عملهم بالتجارة.

4

"من أحب الظهور فهو عبد الظهور، ومن أحب الخفاء فهو عبد الخفاء، ومن كان عبد الله استوى عنده الظهور والخفاء".
ربما يكون غياب الوالدين والسفر إلى تونس نقطة تحول بالنسبة للشاب "شهاب الدين"، لكن ما ساهم في تكوينه هو مقابلته للشيخ "أبي الحسن الشاذلي" كبير الطريقة الشاذلية والذي أنهل "أبي العباس" من علمه حينما قرر "الشاذلي" الذهاب إلى مصر اصطحبه معه ليستقرا في مدينة الإسكندرية التي كانت قبلة لأئمة الصوفية.

في منطقة "بحري" أو "باب البحر" استقر الشيخ "أبي العباس المرسي" ليعيش ويقيم مجلسه ويعلم الناس الفقه والدين ويقال عنه أنه لم يرث علم "الشاذلي" سواه فيصبح شيخ الطريقة من بعد وفاة "الشاذلي" في وادي حميثرة، ويحكى عنه أنه قدم له طعام فيه شبهة حرام فلم يمد إليه يده، وقال إن مقدم الطعام في يده عرقًا يعرف به الحرام، فاستغفر الرجل وتاب إلى الله.

في عام 1281 توفى الشيخ "أبي العباس المرسي" ودفن بجبانة الأولياء التي ظلت على شكلها عدة سنوات، وفي عام 1933 صار المسجد بالشكل الذي نراه الأن بعدما صممه المهندس الإيطالي ماريو روسي.

*المصادر:
-كتاب: إيطاليا في الإسكندرية
-كتاب: الطبقات الوسطى للشيخ الشعراني

فيديو قد يعجبك: