إعلان

ليس فزّاعة جديدة.. مصراوي يتتبع مسار فيروس "نيباه"

11:30 م الأحد 07 فبراير 2021

فيروس نيباه

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

قضمة واحدة كانت كافية لقتل محمد سابيت. أحبّ صاحب الـ26 عاما الفاكهة التي ملأت محيط منزله في ولاية كيرالا الهندية، أعطته طعمًا حلوًا ووظيفة، إذ اعتاد صُنع عصائر الفاكهة وبيعها. لا يعرف أحدٌ أي ثمرة وضعت النهاية لحياة الشاب الراحل في مايو 2018، لكن الباحثين عرفوا أن فيروس "نيباه" هو السبب.

عامان ونصف مرّا دون ذِكر "نيباه" المُنتمي لعائلة الفيروسات المخاطية والمكتشف في ماليزيا قبل أكثر من عشرين عامًا، غير أن مقالًا نشرته صحيفة الجارديان 26 يناير الماضي أحيا سيرته، ومعها تم إحياء "كابوس" جديد قد يغزو العالم، على غرار (كوفيد - 19).

المقال كان مبنيًّا على تقرير نشرته مؤسسة Access to medicine غير الهادفة للربح، التي تمولها الحكومة البريطانية والهولندية، وتسعى لتحسين وصول الأدوية والعلاجات لمنخفضي الدخل حول العالم، فالتقرير المنشور في يناير ذكر 16 مرضًا فيروسيًّا، أدرجتهم منظمة الصحة العالمية كتهديدات تحمل صفة الوبائية أو التفشي؛ منها "إيبولا"، "ميرس"، "زيكا"، "نيباه" وآخرهم "كوفيد-19".

خلال الفترة الماضية، حاولت كلوديا مارتينيز، مديرة برامج البحث في المؤسسة، توضيح الالتباس بطرق عديدة، وذكرت في حوار أجراه مصراوي معها عبر الإيميل، أن Access to medicine تنشر تقريرًا كل عامين عن مشاريع البحث والتطوير للقاحات الفيروسات التي تشكل خطرًا على العالم، وكان تقرير المؤسسة من المفترض أن يُنشر في نوفمبر الماضي "لكن قررنا الانتظار حتى يناير للتأكد من بعض المعلومات"، كما تقول مارتينيز.

ركّز التقرير على عدد المشروعات البحثية التي تقوم بها أكبر 20 شركة أدوية حول العالم لتطوير لقاحات لكل فيروس خلال عام 2020، ففيما حاز كوفيد-19 نصيب الأسد بـ63 مشروعًا، حصد إيبولا خمسة مشروعات فقط، ولم تزد مشروعات "فيروس زيكا، حمى شيكونغونيا، مرض ماربورج" عن واحد خلال العام الماضي، بينما لم يرصد التقرير أي أبحاث لتطوير لقاحات لباقي قائمة الفيروسات ومنها "نيباه".

kk

مع انتشار أخبار عن فيروس نيباه، تابع الدكتور إسلام حسين، الحاصل على دكتوراه في علم الفيروسات من جامعة كمبريدج والباحث في جامعة ماساتشوستس، موجة الفزع "ومكنتش فاهم ليه.. الفيروس موجود من 1999 ومفيهوش جديد"، أثار الأمر انتباهه، فبجانب تخصصه العلمي، ينشر حسين محتوى عربي عن الفيروسات منذ عام 2014، يُدقق ويراجع ويتابع كل ما يتعلق بها ليخرج في النهاية برنامج virolvlog وهي حلقات تُذاع تباعًا على قناة يوتيوب الخاصة به "استغربت كمان لأنه من ساعة ما اسم نيباه انتشر وناس كتير بقت بتسألني بخوف هو في ايه؟ وأنا ردي واحد إنه التقرير كان تحذيري من مجموعة فيروسات مش نيباه فقط".

منذ عام 1999، وقت ظهور "نيباه" اندلعت عدة موجات تفشي، فرغم بدايته من ماليزيا، ظل ضحاياه أكبر في الهند وبنجلاديش، إذ شهدت الهند ثلاث فاشيات، آخرهم في مايو 2018، حين تُوفي 21 شخصا من 23 اُصيبوا بولاية كيرالا الهندية، فالشاب سابيت-الحالة الأولى وقتها- نقل العدوى لشقيقه سهيل، ورحل الاثنان في غضون 14 يوما، بعد ظهور أعراض القيء والصداع ثم غيبوبة، فيما أكد فحص جثمان سابيت أنه توفي نتيجة تلف الخلايا العصبية.

في القرية التي عاش بها سابيت، تتواجد خفافيش الفاكهة Pteropus وهي الحاضن الأساسي لفيروس نيباه، حيث رجح الباحثون أنه تناول فاكهة تحوي فضلات الخفافيش. كما أن الخنازير مصدر آخر للفيروس لكنها مصدر وسيط، ينتقل عن طريقه المرض من الخفافيش للإنسان، ولأن نيباه ينتقل بين البشر بالاتصال المباشر، اقتصرت نسب انتقاله -خلال فاشية الهند- على مقدمي الرعاية الصحية الذين تعاملوا مع المرضى أو أسر المصابين، كما يقول دكتور عبدالناصر أبو بكر، رئيس وحدة إدارة مخاطر العدوى بمنظمة الصحة العالمية، لمصراوي.

صورة 2

لم تتلقَ الصحة العالمية أي بلاغ بحدوث تفشي جديد لنيباه منذ 2018، رغم ذلك، تظل هناك مناطق مُعرَّضة لخطر الإصابة، وذلك بسبب وجود الفيروس في خفافيش الفاكهة وأنواع أخرى داخل عدد من البلدان، منها كمبوديا وغانا وإندونيسيا ومدغشقر والفلبين وتايلند. و"رغم أن معدل الوفاة بين المصابين به مرتفع ويتراوح بين 40%-75%، أي أنه يمثل خطورة على المصابين به والمخالطين لهم مخالطة وثيقة إلا أن قدرته ضئيلة على التسبب في جائحة" يوضح أبوبكر.

تابع أبو بكر أيضا الأخبار المتداولة عن فيروس نيباه، عاد لذهنه ما حدث مع بداية فيروس كوفيد-19؛ عاين كمًّا هائلًا من المعلومات الخاطئة، كشفت جائحة كورونا عن وباء آخر من المعلومات المضللة أو المتضاربة أو المنقوصة "بذلنا الكثير لمواجهته ومعالجة آثاره وكلفنا ذلك وقتًا وجهدًا كان من الأجدى إضافتهما لجهود مكافحة الجائحة لذا نرجو من الإعلام مضاعفة جهده في تأمين الحصول على المعلومات من المصادر الموثوقة".

من جهة أخرى، يُشدد أبو بكر على أهمية تطوير لقاحات وبرامج بحثية خاصة بالفيروس؛ ذلك الدرس المستفاد هو ما يحاول تقرير مؤسسة access to medicine قوله، فعلى حد تعبير مديرة البرامج البحثية "التأهب للوباء يتطلب مجموعة قوية ومتنوعة من كيانات القطاعين الخاص والعام للانخراط في البحوث ويشمل ذلك الشركات التي يمكنها تسريع مرور الأبحاث من خلال التطوير والموافقة السريرية والتصنيع والتوريد على نطاق عالمي".

طوال عشرين عاما، قرأ حسين آلاف التحذيرات من العلماء والباحثين وحتى الصحفيين العلميين من فيروسات بعينها "البعض كان متوقع مثلًا إن الفيروس الجاي هيكون الإنفلونزا"، بات يوقن الآن أن تكريس الأموال لتطوير اللقاحات أكثر ذكاءً وتوفيرًا من انتظار حدوث الأزمة "وأدينا شوفنا حصل إيه مع كوفيد-19 وكم الخسائر المرعبة اقتصاديًا".

تابع الباحث المصري أيضًا موجات تفشي نيباه منذ ظهوره، مازالت المعلومات المتاحة عن التعامل الطبي معه قليلة، إذ طُرح عقار ريبافيرين كدواء مؤقت "لكنه مش علاج .. هو بيتم تجربته مع كتير من الفيروسات وبيشوفوا نتيجة استخدامه جيدة ولا لأ"، يقول حسين الذي يعمل حاليا كباحث رئيسي في شركة ميكروبيوتيكس بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقود مجموعة بحثية تعمل على اكتشاف وتطوير أدوية جديدة مضادة للفيروسات.

صورة 3

قلة الأبحاث الخاصة بفيروس نيباه، تجعله تحديًا أمام الباحثين، وكذلك المزارعين والمتعاملين مع الخنازير إذ يهدد حيواتهم. يقول رئيس "مخاطر العدوى" بالصحة العالمية إنه أثناء التفشي الأول بماليزيا، تم إرجاع العدوى البشرية إلى ملامسة الخنازير الحية، بينما لم تُعزَ أي حالة بشرية إلى ملامسة الخفافيش، أما في بنغلاديش، فيتمثل الخطر في شرب عصارة النخيل الملوثة بفضلات الخفافيش أو منتجها المُختمر، مضيفًا "صحيح أن استمرار هذه الممارسات يهدد بظهور حالات إصابة لكن لا توجد دلائل على احتمال أن يهدد بجائحة عالمية".

منذ التفشي الأخير في الهند، نُشرت الكثير من الدراسات العلمية عن نيباه؛ بعضها تناول انتشاره والطفرات، إذ تناولت ورقة منشورة في أكتوبر 2018 بعنوان "تفشي نيباه: مازال محدودًا لكن مميت" بصحيفة الأمراض المعدية التي تصدرها جامعة أوكسفورد، تفاصيل عن كيفية انتقال الفيروس، ففيما يُعتقد بانتقاله خلال لمس الأشخاص المصابين أو الجثامين، تقول الورقة -المعتمدة على التقصي والبحث في الهند- إن قطرات من السعال يُرجح أنها السبب في انتشاره من شخص لآخر.

وأضافت الورقة العلمية، أن سلالة نيباه التي انتشرت في ماليزيا مختلفة عن التي انتشرت في بنجلاديش عام 2001، فبينما تم تحديد الخنازير كوسيط مضيف للفيروس في ماليزيا، لم يعرف الباحثون الوسيط بين الخفافيش والبشر في تفشي بنجلاديش، وفيما لم يتم توثيق حالات واضحة لانتقال العدوى من إنسان لآخر في التفشي الأول بماليزيا، تم توثيق الانتقال البشري بوضوح في بنجلاديش، حيث ارتفعت معدلات الوفاة لتتراوح بين 60 إلى 100%.

صورة-4

بينما يبدو التفاوت جليًا في اهتمام شركات الأدوية بفيروسات دون غيرها، تقول مديرة برامج البحث في access to medicine "أعتقد أن السبب الأكبر لتركيز الشركات على تطوير لقاح لفيروس دون غيره هو عدد الإصابات وجغرافية الانتشار"، بالإضافة لوجود سبب آخر وهو مجتمع المانحين أو المتبرعين للأبحاث العلمية "فوجود ذلك المجتمع ليدعم تطوير لقاح دون آخر يعني الكثير".

ربما لم يكن التفشي الأخير لـ"نيباه" سيئًا ككل؛ زاد اهتمام الباحثون بتتبع مسارات الفيروس في ولاية كيرالا الهندية واكتشفوا المزيد عن فترة حضانته التي تمتد لـ18 يوما، فيما امتد الاهتمام لدول أخرى مسّها الفيروس، فمن كمبوديا نشر فريق بحثي من معهد باستر، دراسة في ديسمبر 2020 بدورية science direct تحدثت عن طبيعة الفيروس خلال البحث بين عامي 2013 إلى 2016.

يدرس باحثو كمبوديا نيباه منذ عام 2003، حينها وجدوا أن الحاضن الأساسي هناك هو "خفاش الثعلب"، كان ذلك بذرة لعمل مشروع بحثي بدعم من الاتحاد الأوروبي لدراسة بيئة تلك الخفافيش، حسبما تقول لمصراوي الدكتورة فييسنا دونج، رئيسة قسم الفيروسات بمعهد باستر ومؤلفة الدراسة.

اكتشف الفريق وجود نسب أعلى من فيروس نيباه في أماكن تجمع الخفافيش بمقاطعتي كاندال وباتامبناج، وجمع العلماء عينات من 3157 خفاش ليجدوا منها 20 عينة تحمل جين الفيروس، ولحسن الحظ فالعينات التي أخذها الباحثون من418 ساكن محلي جاءت سلبية "لكننا لا نعرف إلى الآن هل الفيروس يشبه نظيره الأول في ماليزيا أم الهند أم بنجلاديش.. ذلك ما نحاول فهمه".

في الوقت الحالي يسعى فريق باحثي كمبوديا لاكتشاف المزيد عن كوفيد-19 "لكننا لن نوقف أبحاثنا الخاصة بنيباه". تؤمن مؤلفة الدراسة أن ذلك هو السبيل الوحيد للنجاة "لأننا لا نعرف من أين تأتي الجائحة القادمة".

فيديو قد يعجبك: