إعلان

عالق في القاهرة.. مواطن صيني يخشى العودة لبلاده بعد فيروس كورونا

01:40 م السبت 15 فبراير 2020

الحجر الصحي بمطار القاهرة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- شروق غنيم:

بفارغ الصبر انتظر تشاي-اسم مستعار بناء على طلبه- العطلة الوطنية للاحتفال بالسنة القمرية الجديدة، اختار فيتنام لتكون وِجهته لقضاء إجازته السنوية، وفيما يستمتع الشاب العشريني بجولاته كان "كورونا" يلتهم مئات الأرواح في بلاده، تسارعت الأحداث، انتقل الفيروس إلى حيث يسكن في جنوب الصين، فتم وضع بنايته تحت الحجر الصحي، ممنوع الخروج منها أو دخول شخصًا جديد إلى هناك، للحظات شعر أنه محظوظ كونه بعيدًا عن كل هذا الوضع المآساوي، غير أن الحزن سكن قلبه، إذ أيقن أن عودته للوطن باتت مستحيلة.

لم يقوَ تشاي على شعور الغربة، قلبه يتمزق خوفًا على أسرته ورفاقه في الصين، لكن لم تكن ثمة بدائل كثيرة لديه، أراد الرحيل عن القارة بأكملها "قررت الهرب من كل ما يحدث حتى لا تأكلني هواجسي، خاصة بعد انتشار الفيروس كنت أرى في عيون بعض الناس أمنيات رحيلي عن بلادهم، البعض تعامل معي وكأنني الموت"، وأول ما جال بخاطره هو السفر إلى مكان تهدأ فيه مخاوفه "بالطبع كانت مصر، زرتها مرتين من قبل ووجدتها مكانًا لطيفًا بالنسبة لي كذلك كونت شبكة أصدقاء رائعين هنا، في مصر أشعر وكإني في وطني".

جاء الشاب العشريني إلى مصر، خضع للإجراءات الصحية المُشددة، وشعر ببعض الاطمئنان كونه مُعافى من الفيروس "ويوجد حتى الآن متابعة دورية معي"، استقبله الأصدقاء بترحاب شديد، وقدموا له الدعم "الناس طيبون القلب ويواسونني باستمرار لما يحدث في بلدي، عرفت أنني قمت بالخيار السليم حين جئت هنا".

مع إشراقة كل يوم جديد يلتمس تشاي الأمل في العودة لموطنه وزوال الغُمة "لكن هذا لا يحدث، فمع كل ساعة أُبصر فيها الأخبار أعرف أن الأمر يزداد سوداوية". منعت بعض الدول دخول الصينيين لأرضها، فيما يرتفع أعداد ضحايا الفيروس، تطن السيناريوهات في عقله، يتخيل ماذا سيحدث إذا عاد لبلده "سأذهب بملء إرادتي إلى سجن، لأنني لن أتمكن من الخروج من الصين فضلًا عن خطورة إصابتي بكورونا"، غير أن الشاب العشريني وضع لنفسه شرطًا للعودة في حالة واحدة فقط "إذا لا قدر الله، حدث أي مكروه لعائلتي بسبب هذا الفيروس، حينها لن أفكر في أي شئ سوى التواجد معهم تحت أي ظرف".

بث مباشر لضحايا كورونا حول العالم:

عدم العودة للوطن لم يكن قرارًا سهل للشاب العشريني، فحينما غادر بلاده للعطلة السنوية كانت فرصة للهرب من الضجيج ومحاولة استعادة أنفاسه "لأننا في الصين نعمل خلال الـ 358 يومًا في العام، لذا هذا هو التوقيت الوحيد للترفيهعن أنفسنا بعض الشئ"، لذا حينما سافر في الإجازة "أخذت معي مقتنيات بسيطة جدًا من الملابس والأغراض الضرورية فقط حتى أكون خفيفًا خلال جولاتي"، لكن ما جرى أربك حساباته.

كان الطقس دافئًا في فيتنام "لذا لم تضم حقيبتني سوى ملابس صيفية، لكن الوضع تغير لمّا جئت القاهرة فالطقس أكثر برودة لذا اضطررت لشراء سترات جديدة، كما واجهتني أزمة مادية بالطبع لذا تخليّت عن فكرة الاستعانة بمترجم خلال إقامتي في مصر عكس المرتين السابقتين وجعلت أصدقائي هنا يعلمونني بعض الجمل الأساسية باللغة العربية للتعاملات اليومية"، فيما ساعده الأصدقاء المصريين في العثور على عمل حُر عبر الإنترنت "مثل المساعدة في ترجمة بعض المستندات من أجل كسب أموال تعينني على البقاء".

كما سائر الصينيين جرت القرارت على تشاي "مكتب عملي في الصين تفهم قراري تمامًا ولم يضغط علي من أجل العودة ومنحني فرصة العمل عن بُعد من خلال اللاب توب الخاص بي"، إذ يعمل الشاب منتج مواد ترفيهية.

بضغة زر ينتقل من حال إلى حال، يتصفح المواقع الإخبارية لمطالعة أحدث الأنباء، ثم يفتح تطبيق "WeChat" لمحادثة أصدقائه وأسرته للاطئمنان عليه "أشعر أحيانًا أنني سأفقد عقلي من كثرة التفكير في موقفهم" حتى الآن لم يمس كورونا أي شخص يعرفه، لكنه ينغمس في حالة حزن شديد حينما يتأمل أعداد الضحايا، فيما زاد الأمر وطأة بداخله حين توفي الدكتور لي وينغ ليانغ.

حملت قصة الدكتور لي الكثير من الدراما، كان من أوائل الأطباء الذين تحدثوا عن فيروس كورونا لكن السلطات الصينية اعتقلته بتهمة إفشاء الشائعات، لكن بعد تفشي كورونا انقلب الحال، صارت السلطات نفسها مُدانة، مات الطبيب قبل أيام بسبب الفيروس نفسه، وبعد وفاته أعلنت الحكومة الصينية معاقبة مسئولين بارزين ممن اعتقلوا الطبيب الراحل "كوني خارج منحني فرصة لمناقشة وفاة الدكتور لي بحرية أكبر مما يحظى بها أهل بلدي، أتمنى ألا تكون وفاته بلا أي جدوى، يجب أن تحدث تغييرات في الداخل الصيني ويُفتح المجال لحرية التعبير بشكل أكبر. آمل أن الغضب الذي بداخلنا يؤدي إلى تغيير بشكل ما ولا يذهب كل ذلك سدى".

يعيش تشاي بروح طليقة، سافر إلى بلاد عديدة، ينتابه الحماس مع كل رحلة جديدة، لكن هذه المرة صار الأمر كابوسًا بالنسبة له "دائمًا ما هناك موعدًا للعودة، حتى للأمور شديدة العادية، مثل الاستيقاظ في سريري، أو الجلوس على الأريكة بجانب والدتي". تمر الأيام ببطء شديد على الشاب العشريني، يتناسى الأزمة ببعض العمل والغرق في الحديث مع الأصدقاء "في زياراتي السابقة لمصر فعلت الأشياء التي يقوم بها السائحين وزورت الأماكن الأثرية، أما الآن أحاول أن أحيا وكأني واحد من البلد نفسها"، يلتمس تشاي الوطن في أشياء بسيطة، يذهب للمقهى، يعمل، يزور السينما، وأحيانًا يقرأ الكتب "إذا لم أفعل ذلك فسيتمكّن الذعر مني".

يتحدث الشاب العشريني مع أقرانه ليس بالداخل الصيني وحسب ولكن من هم خارج الوطن من أجل التخفيف عن بعضهم، يشكون له الشعور بالوحدة والتوتر من بعض المعاملات معهم "بعض الناس تتجنبهم وتخاف منهم فقط لأنهم صينيون"، يتمنى لو أن تلك الطريقة تتغير"هذا الفيروس بالفعل مرعب للغاية، وبالطبع متفهم شعور أي شخص بأنه مرعوب من هذا الفيروس، لكن في النهاية تعامل بشكل طيب مع الصينين، لأنها ليست غلطتنا"، يتشارك برفقة أصدقاؤه قصيدة صينية عبر الإنترنت تقول "الرياح والقمر يتشاركان سماء واحدة، كيف إذًا يعاني فردًا أو لا يجد ما يرتديه، في حين أننا جميعًا في نفس البوتقة وتحت سماء عالم واحد".

يعلم تشاي كم هو محظوظًا كونه خارج البلاد في تلك اللحظة الاستثنائية، رغم ذلك فهو عالق في مدينة بعيدة عن وطنه وغارق في الشعور بالذنب "لأنني تركتهم يواجهون هذا الوحش وحدهم"، يحاول طرد ذلك الشعور عن نفسه "حينما أعود لبلادي سأطالب بكل ما أوتيت من قوة بفتح المجال للتعبير عن آرائنا، لأن في ذلك نجاة لنا من تكرار مثل تلك المأساة".

فيديو قد يعجبك: