إعلان

التنمّر على كل شكل ولون.. ذكريات المدرسة "مش وردية"

03:22 م الجمعة 07 سبتمبر 2018

التنمّر

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- شروق غنيم:

كانت تجربة قاسية؛ أن تتعرض للتنمر صغيرًا دون أن تعلم حتى كيف تواجه الأمر، لم تكن ذكريات المدرسة وردية بالنسبة لهم، رغم مرور فترة زمنية على ذلك إلا أن المضايقات تركت ندوبًا في أرواحهم، تستيقظ من سُباتها أحيانًا، وفي أحيان أخرى تُدفن.

تعرف منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف)، التنمر على أنه أحد أشكال السلوك العدواني الذي يتسبب من خلاله شخص ما في إيذاء شخص آخر أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة.

الذهاب إلى المدرسة كان كابوسيًا بالنسبة لشاهندا إلهامي، تظاهرت أكثر من مرة بالمرض حتى لا تبرح منزلها، كان يعني ذلك أن تظل في مساحة آمنة، وأنها حتى ولو ليوم واحد لن تسمع مضايقات لفظية بسبب وزنها الزائد.

عرفت الفتاة التنمر منذ كانت في المرحلة الابتدائية، ألفاظ متنوعة تناوبها أقرانها في المدرسة "ومكنش حد بيرضى يصاحبني". شعور ثقيل غمر نفس شاهندا، تحملته وحدها ولم تخبر أسرتها بما يجري معها "كنت بنعزل أكتر وأقضي وقت في أوضتي بعيط"، ما كان مُفاجئًا بالنسبة لها أن يشترك مدرسون أيضًا في الأمر "أحيانا مدرس يقومني أجاوب عشان يتريق عليا أو يهزقني قدام الفصل"، تمنت لو أن المدرسة لم تكن موجودة في حياتها.

استمر تعرض شاهندا للتنمر من المرحلة الابتدائية وحتى أولى سنواتها في المرحلة الثانوية، كانت نقطة التحول بالنسبة لها "وقتها كنت كبرت وقادرة أدافع عن نفسي"، اختلفت شخصيتها في ذلك الوقت، ركزت طاقتها على الاستذكار، وأصبحت لا تركز مع نظرات زملائها لها أو كلماتهم.

حاليًا اختلفت مشاعر شاهندا تجاه المدرسة، أصبحت مُدرّسة في الوقت الحالي، وبعد تجارب صعبة خاضتها "بقى أول همي إني عمري ما أعمل كدا مع أي طالب ولا أحسسهم إن فيهم حاجة وحشة"، قربتها المهنة أكثر من الأطفال في عائلتها "لما بيحكو لي عن تنمر بحاول أخفف عنهم وارشدهم إزاي يتصرفوا"، فيما تنصح أهاليهم بضرورة مصاحبة أولادهم وتشجيعهم على الحكي "وبقيت اقرأ علم نفس أكتر، وعارفة إن المدرس لازم يبقى مؤهل لمهمة زي دي، عشان ميطلعش أطفال مشوهين في حياته".

لم تخرج التفاصيل من ذهن مصطفى، احتفظت ذاكرته بملامح الفتاة التي ظلّت تسخر من لون بشرته وهو في المدرسة الابتدائية، نظرتها له، الألفاظ التي انطبعت بداخله كوصف للونه "عيّل إسود"، كان يتعرض لذلك من أناس مختلفين داخل مدرسته، لكن حديث الفتاة "فضل عايش معايا بسبب إننا كنا بناخد دروس سوا وقررت ترمي ورقي على الأرض".

لم يكن مصطفى حكّاء تجاه تجاربه مع التنمر، دفعه الأمر نحو الانعزال، والرغبة في عدم المشاركة في أي اجواء اجتماعية "بقيت وحش في حق نفسي ومش عاوز اتكلم مع حد رغم إني كنت بلعب كورة في نادي، بس قعدت فترة ساكت ومحدش بيسألني مالك لأني مش متعود احكي".

حاول مصطفى أن يجرب دروبًا شتى، أن تخرج الطاقة الكامنة بداخله إلى شيئ مختلف، وجد نفسه في الرقص المُتحَرر (Break Dance)، وتجربة غناء الراب، أما في المرحلة الجامعية فاشترك في المسرح. ذات يوم بينما أسدلت الستار بعد انتهاء المسرحية "البنت دي كانت حاضرة وكانت فكراني، جت سلمت عليا بهدوء وتسألني بهزار المسرحية الجديدة هتبقى إمتى يا فنان؟".

كان الموقف مُربِكًا بالنسبة للشاب العشريني "لأني في لحظة حاسس إني عاوز آخد حقي من اللي اتعرضلته"، لكنه لم يُقدِم على ذلك "حسيت إني خدت حقي بإني يمكن نجحت في حاجة حبيتها حتى لو كنت في نظر حد عيّل إسود".

كانت ميرنا جلال لا تزال تدرس في المرحلة الابتدائية، لكنها تُفكر كيف يمكن أن يُصبح شعرها أكثر نعومة؟ ما الذي يمكن أن تفعله حتى لا يقال لها إنها "منكوشة"، أو كيف تتصرف تجاه نحافتها لكي لا يعترضها أحد بسخافات، أو حتى كيف تُقنع أحد أن والدها بالفعل لبناني الجنسية وهي أيضًا "ومحدش مصدق عشان بشرتي سمراء؟".

كانت تسمعها من المدرسين قبل زملاؤها في المدرسة، يتعجبوا كيف يمكن أن يُنجِب أب لبناني "أبيض وحِلو بنت شهبك؟"، تنهمر تعليقات مماثلة كلما عرف أحد عن الأمر "فيحسسك إنك وحشة جدًا لدرجة إنك متستاهليش أب جميل شكلًا".

توترت العلاقة بين ميرنا ووالدها بسبب ذلك "كنت مبرضاش أنزل معاه في حتة أو إنه يوصلني المدرسة، عشان محدش يقولي كلمة تزعلني"، غير أن والدها كان داعمًا بشكل مطلق "كان يصر ينزل معايا ويقولي أنا بحب شكلك ولونك لإن ده إنتِ، بنتي"، تذكر حينما قرر أن يسافر إلى مصيف حتى تؤثر الشمس في لون بشرته "ويسمر شوية عشان محدش يضايقني".

في المدرسة كان لميرنا ألقاب بين المعلمين وأقرانها "مدرسة كانت بتناديني مثلًا ميرنا سمارة، أو يتقالي يا عجوة عشان سمراء ورفيعة"، حتى الآن يلازمها التنمر، كلما عرف أحد أنها لبنانية الجنسية "أقل تعليق مش باين عليكي؟ اللبنانيين بيض وحلوين"، قررت الفتاة العشرينية أن تتجنب ذلك، أن تحافظ على سلامتها النفسية "سألت واحدة صاحبتي نوبية عن أماكن هناك أقول إني منها وإننا جينا عشنا في القاهرة".

لاحق التنمر ميرنا خلال فترة الابتدائية والثانوية "كنت بسبب كدة بفرِد شعري كتير عشان يبقى ناعم"، فيما انقطع ذلك الشعور خلال المرحلة الثانوية "كانت أول فترة أحب شعري الكيرلي (المجعد) بسبب بابا، قالي متعوديش تبصي لنفسك عشان تطلعي الوحش اللي فيكي، شعرك كدة حلو سيبيه على راحته".

في المرحلة الثانوية لم يقل التنمر، لكن لم تترك ميرنا له مساحة بداخلها "بقى في هدف جوايا إني عاوزة أدخل جامعة كويسة، مبقتش مهتمة حتى اسمع مجاملة حلوة من حد مش تريقة كمان"، تدرك أن الفارق أيضًا أن وهي صغيرة "لما بتلاقي حد أكبر منك شايفك وحش بتصدق إنك كدة فعلًا".

أنهت ميرنا المرحلة الدراسية، لكن التنمر لم يتوقف "في مرة كنت ماشية في الشارع حد قالي أعوذ بالله"، ينال الأمر منها مرة ومرة أخرى تتغلب عليه، تتصبر بما قاله لها والدها قبل وفاته منذ خمس سنوات "إني مغيرش حاجة فيا لأني كدة حلوة، ومش لازم أكون الأعظم في كل حاجة، مفيش حد حلو قوي وحد وحش قوي كل واحد فيه حاجة حلوة أو وحشة لكن بيفضل في النهاية بني آدم ممكن ناس تحبه وناس لأ".

تابع موضوعات الملف:

بعد محاولته الانتحار.. مصطفى يقود مبادرة ضد التنمر في المدارس

1

حقائق حول التنمّر (فيديو جراف)

3

"إنتوا جايين بلدنا ليه؟".. سوري وسوداني يواجهان التنمّر داخل المدارس المصرية

4

"انتوا بنات ملجأ".. حكاية 3 فتيات عانين من التنمّر

5

حائط صد.. الأهالي ساندوا أولادهم لمقاومة العنصرية في المدارس

6

"كنت متنمرًا".. نورهان أوشكت على الوقوع في فخ الأذى

7

روشتة "إخصائي اجتماعي مثالي" لمواجهة الأذى النفسي في المدارس

8

مواجهة "فريدة".. حكاية طالبة تغلبت على التنمر واستقبلت رسالة اعتذار

9

"الحل عند الآباء".. كيف نتعامل مع الطفل المتنمّر؟

10

"لسانك حصانك".. التنمّر دفع أحمد وكريم لكراهية المدرسة

11

بعد حملة "التعليم".. قصص "التنمر" ضد مسيحيين في المدارس

2018_9_10_21_15_3_642

فيديو قد يعجبك: