إعلان

في كنيسة "كفر حكيم".. دخان الغياب الأمني يُسوّد جدران بيت الرب

08:39 م السبت 31 ديسمبر 2016

كنيسة كفر حكيم

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - علياء رفعت:

تصوير - علاء القصاص:

شوارعُ تضج بالحركة، عربات النصف نقل تنتظر أمام وكالات الخضروات لتحميلها، بينما يلهو صِبية صغار بعد انتهاء يومٍ دراسي قصير، هكذا تسري الحياة اليومية بـ"كفر حكيم" التابع لمنطقة كرداسة. تقودك أحد أشهر المقاهي داخل الكفر لشارع "المدينة المنورة" الواسع، منازله مُتلاصقة، وعلى أول ناصية منه يقع مبني ذو طِلاءٍ أصفر لا يختلف عن مُجاوريه سوى بظهورِ آثارٍ لحريق التهمه ولم يُبقى منه شيئًا، ليكون دليلًا دامغًا يؤكد أن ذلك المبني هو كنيسة "العذراء مريم" الشهيرة.

(1)

لا صُلبان، ولا قِباب تدل على هويتها، فيحسبها الناظر منزلًا عاديًا كبقية المنازل، غير أن الأهالي يعرفونها جيدًا. "الكنيسة اللي اتحرقت يوم فض رابعة" كلماتُ سيجيبك بها كل من تسأله عن مكانها فهذا هو أكثر ما يميزها بالنسبة لهم.

الأسود ليس اللون الوحيد الذي يطغى على صُفرة جدران الكنيسة، ولكن علامات الدماء المطبوعة بالكفوف، ورذاذ الطِلاء الذي كتب به المتشددون عباراتٍ طائفية على جدرانها يشهد بأن الغياب الأمني والفوضى التى عمت ذلك المكان منذ ثلاث سنوت لم تزول بعد.

(2)

(3)

على الناحية الأخرى من الشارع، تجلس "أم بلال" يوميًا داخل كُشكها الصغير منذ ما يزيد عن ثمانية عشر عامًا، تجاور الكنيسة وتحفظ روادها بالاسم عن ظهر قلب. ورغم كِبر سِن السيدة الستينية إلا أنها تذكر كُل شيىءٍ عن تلك الكنيسة مُنذ إنشائها، مرورًا بالحريق وحتى تركيب ثلاث كاميرات على جدرانها الخارجية "ركبوهم بعد 11-11، خافوا الناس تخرج والدنيا تهيج فيحرقوا الكنيسة من تاني".

قبل ذلك التاريخ لم تكن الكنيسة تخضع لأى مُراقبة أو تأمين من الخارج كما تؤكد أم بلال، سواء قبل الحريق الذي أضرِم فيها أو بعده "محدش بيحميها إلا رِضا الحارس ومراته، عايشين في أوضة جوا الكنيسة مبيفارقوهاش"، ولكن أحداث البطرسية الأخيرة غيرت من الوضع قليلًا كما تؤكد السيدة "بعتوا غفير واحد يعد قدامها أيام القداسات، غير كده مبيبقاش في حد موجود يأمنها".

(4)

الأوضاع الأمنية للكنيسة يغلب عليها طابع الغياب كما تروي أم بلال، فالتأمين الخارجى لها كان في أوجه حين تم إحراقها من قبل بعض العناصر الإرهابية في الرابع عشر من أغسطس عام 2013 "كان في عربيات بوليس ياما، وأجانب كتير بيصوروا"، لكن عقب مرور بعض الوقت على الحادث عاد كُل شىء لما كان عليه من قبل "العساكر اختفوا، ومعدناش بنشوفهم نواحي الكنيسة غير في الأعياد".

(5)

داخل الكنيسة كان كُل شيىء مُدمر تمامًا، وكأن الحريق قد حدث بالأمس حتى أن آثاره لازالت على حالها رغم مرور السنين. ثلاث طوابق تهدم منها اثنين بالكامل، فلم ينجو من ألسنة اللهب إلا الكنيسة العُليا التى تُقام فيها الصلوات -حاليًا- أما باقي الطوابق فقد خُرِبت، نُهِبت وحرقت عن بَكرة أبيها.

رافقنا رِضا الحارس وزوجته في أنحاء الكنيسة حتى انتهاء الصلاة القائمة بها. في الأنحاء تتناثر "شكائر" الأسمنت، وعُلب السيراميك، بينما تفوح رائحة الطلاء الطازج من بعض الحوائط التى تُشير لها الزوجة "أبونا بيرمم المكان واحدة واحدة واللي بيقدر على حاجة من الأهالي بيعملها لأن الحكومة مهتمتش بيه".

(6)

في تمام الحادية عشر انتهى قداس الثلاثاء بالكنيسة العلوية فتدفقت الجموع نحو الباب الحديدي ببطىء لتُغلق بعدها الكنيسة حتى صباح اليوم التالي، فلا تفتح بابها إلا لأبنائها ممن يريدون التبرُك أو الاستشارة. "اتعودنا على غياب الأمن لدرجة إن ده بقى العادى.. بنيجي نصلي وربنا هواللي هيحمينا لو في حاجة حصلت" قالتها مارينا الثلاثينية عقب انتهاء القداس موضحة غياب الأمن تمامًا عن حماية الكنيسة إلا في الأعياد الرسمية، والقداسات التى تسبقها.

الأمر ذاته تؤكده الخمسينية "مريم" والتى تحيا بكفر حكيم منذ نعومة أظافرها "لو خرجنا دلوقتى مش هنلاقي الغفير اللي عينوه من ساعة أحداث البطرسية، بيمشي بمجرد ما القداس يخلص، وكلها كام يوم ومنشوفوش إلا لما تحصل حادثة تانية". التدابير الأمنية التى تتخذها الكنيسة لنفسها هى تلك التى تستطيع أن تتحمل تكلفتها المادية، فالداخلية لا تؤمّن لهم الحماية أو البوابات الإلكترونية حسب مريم، كما أن أهالى الكفر المسيحيون أغلبهم بُسطاء لا يستطيعون تحمل تكلفة شِراء هذة الأدوات.

(7)

في السابع من نوفمبر الماضي، وعقب ثلاث سنوات من الحريق والمحاكمات، قضت محكمة جنايات الجيزة بالسجن المؤبد على الثلاثة متهمين اللذين تورطوا في حريق الكنيسة وترويع المواطنين، ولكن ذلك الحكم لم يخفف من وطأه الأمرعلى أهالى منطقة كفرحكيم فالجميع منذ الحادث وحتى اليوم يعيشون في قلقٍ دائم، وخوفٍ لا يزول خشية فقد أولادهم في حوادث قادمة أو تخريب ممتلكاتهم حسبما تقول مريم، مُستطردة "مع كل حادثة خوفنا بيزيد خصوصًا إن مفيش أى تأمين ومبقيناش عارفين المرة الجاية هتيجي في مين". التقطت مارينا طرف الحديث من مريم مُعقبة بأنها لا تريد سوى القليل من التأمينات التى تضمن سلامة المصليين في دور العبادة، كى تستوطن الطمأنينة قلوبهم قليلًا، ورغم ذلك ترى الفتاة الثلاثينة أن كل تلك الأحداث الإرهابية لن تمنعهم عن الصلاة بالكنائس "بقينا ندخل الكنيسة واحنا مستعدين أى حد فينا يحصله أى حاجة في أى وقت".

(8)

تفاصيل يوم الحادث التى لونت جدران الكنيسة بالأسود لم تغب عن بال "ماهر" قط، فهو لازال يذكرها كاملة "نهبوا كل حاجة، وولعوا في المكان لحد ما بقى كوم تراب". الفزع دب في النفوس وقتها، وانعدام الأمان تسييد الموقف، ألسنة اللهب قضت على الأخضر واليابس. فيما ردد لسان حال الجميع "لو كان في تأمين مكنتش اتحرقت".

لم تنس مريم الصلاة الأولى في اليوم الذي أعقب الحريق، وذلك لبكائها فور دخول الكنيسة في اليوم التالي لتترسخ داخلها قناعة ثابتة لم تتغير بمرور السنوات "كنيسة كفر حكيم لا أول ولا آخر كنيسة هتتحرق أو تتفجر، وزي ما حصل قبل كده هيحصل تاني لأن مفيش حاجة اتغيرت، ومفيش أمن". 

اقرا الملف..

على أبواب كنائس مصر.. ''للبيتِ ربٌ يحميه'' – (ملف خاص)

15801764_1267455896653745_301531965_n

''البطرسية'' تتشح بالسواد.. والأمن لا يحكم قبضته رغم الأحزان

1

في محيط ''القديسين''.. الأمن يمضي حضور وانصراف وأجراس الوجع تدق

2

في كنائس المنيا.. الأمن ''شاهد مشافش حاجة''

unnamed

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج