إعلان

''تسييس'' الأطفال.. ما بين مشروع ''ثوري'' أو ''إرهابي''

08:57 م الإثنين 10 فبراير 2014

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تحقيق- نور عبد القادر:

أسوارها تتزين بشعارات ''اخلع ردائك الحزبي قبل دخول المدرس'' و''الثورة فكر وإبداع''.. ولكن حال الطلاب داخلها مختلف، فهناك طفل يشير بـ''رابعة'' في وجه زميله الذي يرفع علامة النصر، وكلاهما يتعاركان دون أن يدركا سبب خلافهما.

''محمد محمود'' و''أحمد عبدالله''.. تربط أسرتيهما علاقة صداقة وجيرة، وهما زميلان بالصف الخامس الابتدائي بمدرسة ''أحمد شوقي'' بحي شبرا، طفولتهما تتشابك في الذهاب معاً للمدرسة، والعودة لاستذكار الدروس الخصوصية.

ظل ''محمد'' و''أحمد'' متلاحمان طيلة سنوات الطفولة، إلى أن أصبحا طرفا في لعبة لا يدركان ملامحها، وليس لبراءتهما ذنب في اتجاهات أباءهما السياسية، فوالد ''محمد'' أحد الموالين لنظام الإخوان والمدافعين عن عودة الرئيس السابق محمد مرسي، وكثيراً ما تحدث أمام ابنه عن فض اعتصامي ''رابعة والنهضة''، حتى صار الطفل يحاكي إشارته وعبارته ويرفع علامة ''رابعة'' تلقائياً.

أما والد ''أحمد'' فعلى النقيض، دائما ما يتغنى بـ''تسلم الايادي''، ويعلق صورة كبيرة للمشير عبدالفتاح السيسي داخل منزله، ويرى فيه المنقذ المخلص من بطش الإخوان، مما دفع ابنه لتقليده لا إرادياً والجدال مع أصدقائه بما يخبره والده.

الأمر تطور مع الأطفال ولم يتوقف عند تباين الآراء، ووصل للمضايقات اللفظية والجسدية بدلاً من حديثهما البريء، وكلاهما يرفع شارته، ويتغنى بأغاني فريقه، فـ''تسلم الايادي'' أمام '' تتشل الايادي''، ''مرسي رئيسي'' بمواجهة ''السيسي رئيسي''، وفى النهاية أصيب أحدهما بجروح وكدمات خلال مشاجرتهما، وتم استدعاء أولياء الأمور.

حالة الطفلين ''أحمد ومحمد'' ليست فريدة من نوعها، ففي شوارع شبرا الجانبية مجموعة أطفال لا يتجاوزون العشر سنوات، يلعبون ''السيسي والإخوان''، وهى اللعبة المعروفة بـ''عسكر وحرامية''، وعندما استوقفت أحدهم لسؤاله عن سر تلك التسمية أجاب ببراءة: ''السيسي خلص على الإخوان''.

ويحكي عمر عبد الرحيم، أنه يكره ''الإخوان الإرهابين'' على حد وصفه، ويحب ''السيسي'' لأن والده يؤيده، رغم أن والدته من أنصار ''مرسي''، ولهذا يفضل ان يلعب دائما دور السيسي الذي يقضي على الإخوان.

صديقه الذي يشاركه اللعب ويدعي عمر عبدالله تدخل قائلا ''عندنا في الفصل إخوان بيرفعوا إشارة رابعة، وأحنا بنغنى لهم تسلم الايادي.''

أما الطفلة منة حسين، فتروي: ''مرسي راجل غلبان وماما بتقول هيرجع، وإحنا بنمشي كل يوم جمعة مع زمايل ماما في مظاهرات وبنرفع إشارة رابعة وصور مرسي''.

''منة'' توضح أنها كثيرا ما تغيب عن المدرسة بسبب الاحداث، ولم تعد تتمكن من الخروج للتنزه بصحبة والديها يوم الجمعة كما اعتادت في السابق.
دور المدرسة

وحول مدى تواجد تلك المشاكل داخل مدارسنا يشرح لنا ''أحمد يسري'' مدير مدرسة ''أحمد شوقي'' الابتدائية، أن ما يحدث نموذج بسيط لما يدور داخل المنازل المصرية، بعدما تم إقحام الطفل المصري في لعبة السياسية، واستغلاله وزرع مفاهيم خاطئة، وبدلا من ان يحول الثورة لإبداع ويقوم برسم الميادين أو التعبير عن رأيه، أصبح نواة للعنف.

''سعينا لدعوة أولياء الأمور لمجلس الآباء للنقاش حول حال التلاميذ وما وصلوا إليه، وللأسف لم يحضر الأغلبية، ومن حضروا رأوا أنه لا جدوي لتهويل الآمر'' هكذا شرح مدير المدرسة مدى صعوبة الوضع، مضيفا أن الأسر المصرية غائبة ولا تدرك خطورة الزج بالطفل في المناقشات السياسية وتعرضه لأفكار العنف ومشاهد الدم، ولهذا تسعى المشرفة النفسية للتواصل مع التلاميذ، كما أن هناك تعليمات من قبل وزارة التربية والتعليم بإن يلتزم المعلمين الطرق التربوية، وأن يسعوا لترجمة معانى الثورة لدى الاطفال في شكل إبداعي عن طريق الرسم والموسيقي .

لم ينته مشاهد الزج بالأطفال في المشهد السياسي؛ فقد سبق وتم استغلالهم من قبل مظاهرات الإخوان المسلمين لرفع ''أكفانهم '' تحت شعار ''مشروع شهيد ''، حيث سار الأطفال يرتدون الجلباب الابيض حاملين أكفانهم، وتلتقط المحطات الإعلامية صورا ً لهم، كما شكلوا سلاسل بشرية لتأييد ''مرسي ''، ثم تم الزج بهم لرفع صور المشير السيسي خلال مظاهرات التأييد، ومازال حتى الآن يتم الزج بهم في مظاهرات الإخوان خلال كل جمعة لرفع صور ''مرسي '' و''رابعة ''، بالإضافة لاستغلال أطفال الشوارع فى المظاهرات بشكل دائم .

قوانين الطفل تجرم ''التسيس''

هاني هلال، مدير الائتلاف المصري لحقوق الطفل، يري أن الانتهاكات بدأت منذ الثورة عندما تم استغلال اطفال الشوارع في أحداث المظاهرات، ثم استغلال الاخوان لأطفالهم تحت مسمي ''أطفال ضد الانقلاب''، ووصولا لما يحدث داخل البيوت المصرية حتى أصبحت ''افلام الكارتون '' ممنوعة في ظل تزايد جرعة البرامج الاخبارية

وانتقد ''هاني ''تصدير العنف في اتجاه الأطفال، الذين تجاوز أعدادهم الثلاثون مليون طفل، حتى أصبحوا جزءاً من المشهد وطرفا فيه، و إقحام الأطفال في السياسة من قبل الدولة والنشطاء السياسيين واستغلالهم للطفولة في لعبتهم السياسية .

''هناك فرق بين المشاركة والاستغلال، وما يحدث الان هو استغلال وإتجار بالطفل المصري، وتم تجريمه من قبل قانون الطفل''، هكذا وصف ''هلال '' ما يحدث تجاه الطفل المصري، مؤكدا أنه أصبح مفعول به وهو الامر الذي سيؤدى لحدوث خلل في مراحل نموه وإنتاج شخص عنيف ومشروع إرهابي.

وأوضح ''هلال'' أن الائتلاف القومي لحقوق الطفل رصد تلك الانتهاكات وتم تقديم بلاغات للنائب العام ولم يتم التحقيق فيها حتى الان، مضيفا ً أن المجلس القومي للأمومة والطفولة لا يقوم بالدور المنوط به، وفي ظل غفلة المسؤولين عن التعليم والصراع الاسرى

''رصدنا استغلال حركات ثورية لأطفال الشوارع، وقدمنا بلاغا ضد حركة 6 إبريل، ولم يتم أيضا التحقيق فيها حتى الآن، وكذلك ما حدث من الإخوان في اعتصامات رابعة'' مشيرا لنماذج من الانتهاكات.

وشرح ''رئيس الائتلاف ''أن استغلال الأطفال في بعض الميادين والتأثير عليهم بقيامهم بحمل أكفانهم بقصد تحقيق أغراض سياسية وتعريض حياتهم للخطر والهلاك، وما يحدث داخل المدارس والمنازل المصرية مخالف قانونا، فالمادة الاولى من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 تكفل الدولة حماية الطفولة والأمومة، وترعى الأطفال، وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم التنشئة الصحيحة من كافة النواحي فى إطار من الحرية والكرامة الإنسانية''.

واستعرض ''هلال'' بقية المواد التي تؤكد أن ما يحدث جريمة في حق الطفل وهى المادة 96 يعد الطفل معرضا للخطر، إذا وجد فى حالة تهدد سلامة التنشئة الواجب توافرها له، وذلك فى أي من الأحوال الآتية، اذا تعرض امنه او اخلاقه او صحته او حياته للخطر، واذا كانت ظروف تربيته فى الأسرة أو المدرسة أو مؤسسات الرعاية أو غيرها من شأنها أن تعرضه للخطر أو كان معرضا للإهمال أو للإساءة أو العنف أو الاستغلال أو التشرد.

وأوضح أنه طبقا لقانون الطفل المصري يعاقب بغرامة لا تقل عن مائتي جنيه، ولا تتجاوز ألف جنيه كل من حرض، أو استخدم أطفالاً استغلالاً تجارياً أو سياسيا.

وطالب ''هلال'' بفصل المجلس القومي للأمومة والطفولة عن وزارة الصحة، حتى يهتم بقضايا الطفل، ويقوم بدوره الذي أصبح غائبا بعد الثورة، ويتولى الدفاع عن حقوق الطفل والتنسيق بين الجمعيات والوزارات المعنية بحقوق الطفل.

حصص للحوار السياسي بالمدارس

ويري دكتور كمال مغيث، الخبير التربوي، أن السياسية لم تعد ''تابو'' ''محرم'' على الطفل المصري، وتصل إليه عبر نافذة التليفزيون، وسط إصرار الأهل على مشاهدة جرعات مكثفة من برامج ''التوك شو'' السياسية، وأيضا ًعبر الشارع الذي أصبح معبرا لمسيرات ومظاهرات الجمعة، وعبر حوارات مدرسية، وكذلك عبر شبكة الانترنت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي .

''من الممكن أن يكون هناك جانبا إيجابيا من معرفة الأطفال بالثورة وبعض مفاهيمها، خاصة وإننا كنا نشتكي غياب الشباب عن الحوار السياسي، ولكن الجزء السلبي تعرضهم واحتكاكهم المباشر بمظاهر العنف السياسي'' - هكذا فسر ''مغيث'' وجهة نطره فيما يحدث تجاه الطفل المصري، منتقدا ً غياب مادة التربية القومية عن المناهج .

وطالب الخبير التربوي ، بضرورة عمل وتنظيم حصص للحوار السياسي لتوعية الأطفال بما يحدث بشكل حيادي، ومحاولة ترجمة مشاعر ومفاهيم الأطفال إبداعيا، وتفعيل دور مجالس الاباء من أجل تحسين البيئة المحيطة بالطفل، بعيدا عن استقطاب الاعلام

التأثير النفسي

وتحلل دكتور إيمان دويدار، الحالة النفسية للطفل المصري بعد الثورة قائلة '' الطفل له احتياجات فى كل مرحلة عمرية، فهناك قبل المدرسة يحتاج للاكتشاف والحوار مع الاهل واللعب والتنزه، ولا يصح أن تصل إليه حالة الصراع السياسي والاستقطاب الحاد الموجود في المجتمع، لان هذا يخلق حالة من التوتر والعنف وربما يصل الطفل لمرحلة الاكتئاب النفسي ويعزف غن التواصل والمشاركة مع زملائه او مع الاهل، ويؤدي لرسوبه وضعف تحصيله الدراسي.

وحول ما يجب عمله أكدت ''دويدار'' أنه من الضروري عزل الطفل عن الصراع السياسي، وتركه ليعيش مراحله الطفولية وفطرته ويتربى على الثوابت التى من المفترض أن تكون نواة لطفل سوي، ولابد من سن برامج تأهيل نفسي للطفل وتعميمها على مستوى المدارس والجمعيات الحقوقية المعنية بحقوق الطفل ويتم ذلك برعاية المجلس القومي للأمومة والطفولة ووزارة التربية والتعليم .

دور المجلس القومي للأمومة والطفولة

وعلقت دكتورة عزة عشماوي، رئيس المجلس القومي للأمومة والطفولة، أن المجلس يحاول إشراك الطفل المصري في الثورة بشكل إيجابي، لإصلاح ما حدث من انتهاكات، بتفعيل فكرة الابداع من خلال مسابقات الرسم عن الثورة، موضحة أن المجلس يعي جيدا ما يدور داخل المدارس والمنازل المصرية وما يتم من انتهاكات ضد حقوق الطفل .

وحول جهود المجلس في هذا السياق، أكدت أنه يتم التنسيق مع وزارة التربية والتعليم والجمعيات الاهلية للتواصل مع أولياء الامور والمدرسين خلال مجالس الاباء لمنع ما يحدث وسيتم ذلك على مستوى المحافظات.

وأفادت ''دورنا هو التنسيق بين الجهات والمنظمات الاهلية لحماية الطفل من الانتهاكات، خاصة وأن هناك قرابة أربعة الاف جمعية عاملة في حقوق الطفل''

أطفال الشوارع يشاركون في المظاهرات

وكان هناك دراسة استطلاعية أجراها المجلس القومي للطفولة والأمومة مؤخرا، على عينة من أطفال الشارع للتعرف على تأثيرات الأحداث السياسية، ومدى الاستغلال الذى يتعرضون، وقالت الدراسة إن 70% من العينة العشوائية من الأطفال أكدوا أن لهم أصدقاء لم يروهم بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة.

وكشفت الدراسة عن أن 90% من أطفال الشوارع ذهبوا أكثر من مرة لأماكن العنف والمظاهرات ميدان التحرير ومحيط الاتحادية وأحداث محمد محمود وأحداث قصر العيني، بسبب الانتقام من الشرطة أو العمل أو الحصول على مبالغ مالية، وذكروا أنهم تعرضوا لإصابات نتيجة لمشاركتهم في تلك الأحداث، وأنهم يتحركون داخل الميدان وأثناء تلك الأحداث بتوجيهات من القائمين على تنظيم التظاهرات داخل الميادين.

موقف وزارة التربية والتعليم

وحول موقف وزارة التربية والتعليم يؤكد مدحت مسعد، وكيل أول وزارة التربية والتعليم، أن بالفعل هناك ظاهرة تسييس الأطفال داخل مصر، ولعل وزارة التربية والتعليم تتحمل جزءً كبيرا من المسؤولية .

وبرر ''مسعد'' حديثه'' بأن غياب حصص ''الريادة'' التي كانت متواجدة خلال فترة التعليم الأساسي، والتي كانت تشهد حالة من المشاركة وتبادل الآراء بين الاطفال، أدت للسماح بانتشار أفكار متطرفة لدى الاطفال.

وأضاف ''غياب الدور المهني للأخصائيين الاجتماعيين داخل المدارس المصرية، سمح بانتشار العنف الفكري بين الأطفال، ومن ثما لابد من تنظيم دورات تدريبية للأخصائيين للتعامل مع المستجدات''

وأنهى ''مسعد'' حديثه'' بضرورة تفعيل مجالس الاباء والمعلمين، من اجل التواصل لتحسين البيئة المعيشية والنفسية للأطفال، خاصة وان المدرسة كمؤسسة تعليمة تتأثر بما يحدث داخل المجتمع، ومن الممكن أن تكون تلك الظاهرة مؤقتة لحين حدوث استقرار داخل البلاد وعودة الامور لمسارها الطبيعي .

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك... اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج