إعلان

''السنهوري'' ..الباشا الذي هزت دماؤه هيبة القضاء

12:00 ص الثلاثاء 16 أكتوبر 2012

تقرير - محمد أبو ليلة:
''توقفت المسيرة خارج بوابة المجلس المغلقة بسلاسل الحديد، فدخل أحد الضباط إلى مكتبي وطلب مني الخروج إلى حديقة المحكمة، لمخاطبة المتواجدين بها والتهدئة من روعهم، وحينئذ اقتحمت جموع المتظاهرين فناء المجلس وانقض بعضهم على بالسب والضرب، وحينئذ أدركت أن الأمر لم يكن مظاهرة أخاطب فيها المتظاهرين ــ كما ادعى الضابط ــ بل أمر اعتداء مبيت على، وما لبث المتظاهرون أن دفعوني دفعا إلى الحديقة وتوالى الاعتداء''.

هذه شهادة المستشار عبد الرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة الأسبق في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، علي ما تعرض له من اعتداء من بعض المتظاهرين يوم 29 مارس من عام 1954.

حادثة السنهوري الشهيرة

 يحكي المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق أنه عين عام 1953 موظف بمجلس الدولة؛ حيث حضر الحادثة الخاصة بالاعتداء علي السنهوري باشا عام 1954، قائلا''كنت في حجرة السنهوري رحمه الله وقت الحادث  وشهدت دماءه علي مكتبه الخاص، كما شاهدت تحطيم المحبرة التي كانت موجودة علي رأسه''.

 يضيف ''الجمل'' في شهادته علي الواقعة ''وقد أتي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلي المجلس في سيارة جيب ومعه حراسة من البوليس الحربي وقابل في هذا الوقت السيد علي السيد وكان المستشارون وأنا بينهم يتظاهرون ويهتفون ضد الاعتداء علي رئيسهم وقد زار عبد الناصر وكيل المجلس فترة قصيرة، ثم خرج من حجرته وغادر المجلس وهو ينظر بغضب إلي المستشارين الذين كانوا يهتفون بتأييد السنهوري وسيادة القانون''.

 ''الجمل'' أضاف ''اتضح أنه تم تدبير هذه المظاهرة الغوغائية من عمال النقل العام بزعامة واحد اسمه صاوي احمد صاوي، وتم دفع 3 ألاف جنيه كما علم في هذا الوقت إلي هذا الرجل الذي قاد عدد من العمال يتجاوز ألف و500 عامل إلي مكتب السنهوري واقتحموه واعتدوا عليه وقد اخذ إلي المستشفي واتهم السنهوري في تحقيق النيابة جمال عبد الناصر وكان الذي نفذ تجميع العمال كل من أتنين من الضباط الأحرار''.

وفي السياق ذاته يقول الكاتب الصحفي عمرو الشلقاني انه في ظهيرة يوم 29 مارس 1954شهدت القاهرة مظاهرات لا نعلم في تاريخ الثورات الحديثة بأعجب منها، مجموعات من المواطنين تغمر شوارع المدينة وتهتف في طرقاتها، تارة بحياة الجيش والثورة وعبد الناصر، وتارة أخرى تنادى بسقوط الأحزاب والنقابات والرجعية، بل وبسقوط الدستور ومعه الحرية والديمقراطية كذلك، علي حد قوله.

وأضاف:'' وما إن وصلت إحدى هذه المجموعات إلى مقر مجلس الدولة بالجيزة، حتى علا الهتاف ليشمل الدكتور عبد الرزاق باشا السنهوري، رئيس مجلس الدولة حينئذ، والذي ما لبث المتظاهرون ينادونه بالجاهل والخائن، ويطالبون بسقوطه هو الآخر''.

''الشلقاني'' أضاف أيضا أنه في اليوم التالي للاعتداء، فأدلى السنهوري بأقواله إلى النيابة العامة من على فراشه بالمستشفى، موجها الاتهام صراحة إلى الصاغ جمال عبد الناصر بتدبير الاعتداء عليه يوم 29 مارس، ثم طالبا من زوجته عدم السماح بدخول ناصر عليه الغرفة عندما قدم الأخير لزيارته والاطمئنان عليه في المستشفى.

وقال أن المتظاهرين كادوا يفتكون بالسنهوري ذلك اليوم، لولا أن تلقى الضربة أحد السعاة بمجلس الدولة، كما يحكى أن السنهوري لم يتمكن من مغادرة مكان الاعتداء إلا بعد قدوم الصاغ صلاح سالم، والذي اصطحبه إلى الخارج، والسنهوري ــ  وفق إحدى الروايات مدثر بسجادة من مكاتب المجلس.

الأزمة بينه وبين عبد الناصر

 كان الخلاف الذي وقع بين السنهوري وبين عبد الناصر هو السبب في حل مجلس الدولة وعمل تصفية من جانب السلطة لرجال القضاء العاملين بمجلس الدولة ثم إصدار عبد الناصر قانون جديد ينظمه، ويذهب البعض إلى أن الخلاف يكمن في رغبة السنهوري في تحقيق الثورة لمبادئها وتمثيل ذلك في جعل سلطة قضائية تكون هي الحكم بين الدولة الجديدة وبين الجماهير.

حتى أن السنهوري وهو رئيس الهيئة القضائية اللصيقة بعمل الإدارة وتراقب أعمالها.. في ظل رئاسته تم إلغاء العديد من القرارات الحكومية الصادرة من عبد الناصر نفسه، مما وضع الخلاف بين رجل القانون ورجل السياسة على مستوى الأزمة، وبالطبع حسم السياسي الأزمة لصالحه بإخراج السنهوري من الساحة القانونية

من هو السنهوري؟

 تقول المراجع التاريخية أن عبد الرازق باشا السنهوري ولد في 11 أغسطس عام 1895 بمدينة الإسكندرية لأسرة فقيرة وقد توفي والده  الذي كان يعمل موظف بمجلس بلدية الإسكندرية وعمره 5 سنوات، وقد بدأ السنهوري تعليمه في الكتاب ثم ألتحق بمدارس التعليم العام وتدرج بها حتى حصل علي الشهادة الثانوية عام 1913.

ويذكر بعض المؤرخين أن السنهوري كان ترتيبه الثاني علي طلاب مصر وحصل علي درجة الليسانس في الحقوق عام 1917 من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة وجاء ترتيبه الأول علي جميع الطلاب وكان يعمل موظف بوزارة المالية وقت دراسته، حيث تأثر بالزعيم مصطفي كامل في مرحلة شبابه وتبني فكرة الجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها كما كان معجبا بالكواكبي وعبد العزيز جاويش ومحمد فريد وجدي.

وعين السنهوري بعد حصوله علي ليسانس الحقوق بالنيابة العامة في سلك القضاء بمدينة المنصورة وشارك في ثورة 1919 أثناء عمله بالنيابة فعاقبه الانجليز بالنقل إلي مدينه أسيوط وترقي سنه 1920 إلي منصب وكيل النائب العام وفي نفس العام انتقل إلي تدريس القانون في مدرسة القضاء الشرعية، ثم سافر إلي فرنسا عام 1921 في بعثه علمية لدراسة القانون بجامعة ليون وهناك تبلورت عنده الفكرة الإسلامية.

''السنهوري'' نادي بوضع قانون مدني جديد واستجابت له الحكومة وشغل منصب وزير المعارف أربع مرات ثم عين رئيس لمجلس الدولة من عام 1949 وحتى عام 1954، حيث أيد ثورة يوليو وشارك في مشاورات خلع الملك فاروق مع الرئيس الراحل محمد نجيب وجمال سالم وأنور السادات.

 كما بذل جهود كبيرة في مشروع الإصلاح الزراعي وطلب إرساء الديمقراطية وحل مجلس قيادة الثورة وعودة الجيش إلى الثكنات إلا أن المظاهرات العمالية هدمت أفكاره، وقد توفي السنهوري في 21 يوليو عام 1971.

 مؤلفاته

للسنهوري مؤلفات كثيرة منها مشروعات القوانين المدنية والدساتير كالقانون المدني المصري ومذكرته الإيضاحية وشروحه الوسيط وهو في حقيقته مبسطو لا وسيط والوجيز، إضافة إلي القانون المدني العراقي ومذكرته الإيضاحية، والقانون المدني السوري ومذكرته الإيضاحية، وقانون البيانات بما فيه ممن قواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية.

إضافة إلي دستور دولة الكويت وقوانينها التجاري والجنائي والإجراءات الجنائية والمرافعات وقانون الشركات وقوانين عقود المقاولة، والوكالة عن المسئولية التقصيرية وعن كل الفروع وهي التي جمعت فيما بعد في القانون المدني الكويتي، إضافة للقانون المدني الليبي ومذكرته الإيضاحية ودستور دولة السودان، ودستور دولة اتحاد الإمارات العربية

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج