إعلان

ولا في الأفلام.. "محمد" فقد الذاكرة وعاد لأسرته بالشرقية بعد 33 عامًا

كتب : مصراوي

07:10 م 07/09/2025

تابعنا على

الشرقية - ياسمين عزت:

وقف أفراد العائلة أمامه، يبحثون في ملامح رجل قارب الخمسين عن وجه طفل غادرهم وهو في الخامسة عشرة. الملامح هي نفسها، لكنها تحمل قسوة ثلاثة عقود من الغياب.

حاولوا تذكيره بالماضي، سألوه عن اسمه، عن قريته، لكنه نظر إليهم بعيون غريبة، فلا شيء في ذاكرته يدل عليهم. "الدم يحن"، كما يقول ابن عمه علي سلامة، فقد شعر بالطمأنينة نحوهم، لكنه لم يتذكر شيئًا، فجوة سوداء سببها حادث مأساوي سرق منه هويته وحياته.

لم يكن هذا اللقاء مجرد عناق عابر، بل كان نهاية رحلة بحث مضنية استمرت 33 عامًا كاملة، قصة بدأت في قرية صغيرة بمركز أبو كبير شمال محافظة الشرقية وانتهت في شوارع بورسعيد.

قصة اعتقد الجميع أنها انتهت بوفاة الابن "محمد السيد علي سلامة"، لكن الأب والأم تمسكا بخيط أمل رفيع لم ينقطع حتى بعد رحيل الأم التي ماتت وهي تردد اسمه، ليتحقق رجاؤها بعد وفاتها بأيام قليلة، وتبدأ العائلة تحديًا جديدًا: كيف يعيدون الحياة والذاكرة لرجل عاد جسدًا بلا ماضٍ؟

رحلة بدأت ولم تنتهِ

يحكي علي سلامة، ابن عم محمد، قصة بدأت قبل أكثر من ثلاثة عقود. كان "محمد" فتى يافعًا في الخامسة عشرة من عمره، يخرج من قريته قاصدًا بورسعيد حيث يعمل كبائع متجول ليساعد نفسه وأسرته. كانت رحلاته معتادة، يذهب ويعود دون مشكلة، "إلا أنه ذات مرة خرج ولم يعد"، يقول علي لمصراوي.

منذ تلك اللحظة، بدأت رحلة بحث لم تتوقف. شهور تحولت إلى سنوات، وسنوات إلى عقود. بحثت العائلة عنه في كل مكان يمكن تخيله، من الشرقية إلى بورسعيد، دون كلل أو يأس.

مر عقد، ثم الثاني، ثم الثالث، وبدأ العقد الرابع والابن لا يزال غائبًا. فقد الجميع الأمل إلا الأم، التي ظلت على حالها حتى آخر يوم في حياتها، تسأل عنه وتؤكد أنه ما زال على قيد الحياة، مطالبة بالعثور عليه قبل أن ترحل.

صدفة في شرم الشيخ

تدهورت الحالة الصحية للأم ورقدت في فراش الموت، وكان رجاؤها الأخير هو لقاء ابنها.

وفيما كانت العائلة تستعد للأسوأ، كانت الأقدار ترسم نهاية مختلفة. يروي علي سلامة: "بمحض الصدفة، كان زوج ابنة عمي يعمل في شرم الشيخ، والتقى بزميل له كان موظفًا سابقًا في قسم شرطة ببورسعيد". دار حديث عابر بينهما، حكى فيه زوج الابنة عن مأساة العائلة قائلاً: "حماتي تموت وكل أملها أن ترى ابنها".

بعد أيام قليلة، رحلت الأم وهي تحمل رجاءها الذي لم يتحقق. وبينما كانت العائلة غارقة في أحزانها، عاد زوج ابنتهم بخبر أشبه بالمعجزة. يقول علي: "عاد بخبر مفرح للجميع قائلاً: زميلي جاب لي خبر إن محمد لا يزال حيًا في بورسعيد".

كانت الصفات والملامح التي وصفها الزميل تنطبق تمامًا على الابن التائه، الذي يعيش في شوارع المدينة، يعمل تارة ويتوقف أخرى، ويعيش على عطف أهالي بورسعيد.

"ابننا.. لكنه لا يتذكرنا"

لم تتردد العائلة لحظة. تجمعوا على قلب رجل واحد، وذهبوا إلى بورسعيد حيث يقيم محمد. طابقوا صوره القديمة بملامحه الحالية، فوجدوا تطابقًا كبيرًا. يقول ابن عمه: "هو نفس الشبه، ولكن ملامحه الآن لرجل كبير على مشارف الخمسين".

لكن فرحة اللقاء كانت ممزوجة بالصدمة. "عند وصولنا لمحمد، لم يتعرف علينا"، يستكمل علي حديثه. حاولوا تذكيره بالماضي، بسرد القصص القديمة، لكن بلا جدوى.

أكد لهم أنه تعرض لحادث مأساوي منذ زمن بعيد، ضربة قوية على رأسه أفقدته الذاكرة والوعي، وحجبته عن معرفة هويته أو طريق العودة لأهله.

معركة إثبات الحياة

على الرغم من أن "محمد" لا يتذكر شيئًا، إلا أن ملامحه كانت "تصرخ وتقول إنه ابن عمنا وابننا"، كما يصف علي. تعرف عليه والده وشقيقته الكبرى، وهو نفسه شعر بانجذاب غريزي نحوهم.

والآن، تواجه العائلة تحديًا من نوع آخر. يقول علي: "نسعى لإنهاء أوراقه الثبوتية لاستخراج بطاقة هوية شخصية". فقد تم قيد محمد في السجلات الرسمية كمتوفى، حين أراد شقيقه الوحيد البقاء لرعاية والديه بدلاً من أداء الخدمة العسكرية.

تختتم العائلة قصتها بمعركة جديدة، معركة لإعادة ابنها إلى الحياة رسميًا، وتعويضه عن سنوات الضياع، والأمل في أن يكون له أسرة وأبناء يعوضونه عما فاته. قصة تبقى شاهدة على أن الصبر والأمل يمكن أن يحققا ما يبدو مستحيلاً.

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان