أقدم نحاس في بلبيس.."عم محمد" 80 سنة كفاح:طول ما فيّ نَفَس مش هأمد إيدي لحد
كتب : ياسمين عزت
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
في أحد أزقة مدينة بلبيس العريقة، حيث يمتزج ضجيج الشوارع برائحة الأصالة، يجلس "عم محمد صابر" أمام ورشته الصغيرة، محاطاً بقطع النحاس والألومنيوم التي شاخت معه.
"عم محمد صابر" ليس مجرد صنايعي، بل هو حكاية كفاح تمتد لثمانية عقود، بطلها رجل ثمانيني يرفض الاستسلام لراحة الشيخوخة، متمسكاً بمطرقة "النحاس" كأنها سر حياته وبقائه.
بدأت رحلة عم محمد (85 عاماً) في مطلع أربعينيات القرن الماضي، ويتذكر بابتسامة حانية كيف اصطحبه والده للورشة وهو ابن ست سنوات؛ هناك تعلم أن "الدق على النحاس" هو الموسيقى التي ستحفظ كرامته.
ويقول لـ"مصراوي": "كنت طفلاً يلهو تارة ويراقب والده تارة أخرى، حتى أتقنت الصنعة بمرور السنين، وتحولت من صبي صغير إلى صاحب ورشة تحملت مسؤوليتها وحدي بعد وفاة والدي".
رغم تراجع صحته وتغير الزمن الذي جعل حرفة النحاس "تندثر" تدريجياً، إلا أن مبادئ عم محمد لم تتغير، ويتحدث بفخر لا يخلو من حكمة الشيوخ: "طول ما أنا قادر أتحرك وأشتغل مش هأمد إيدي لحد.. بفضل الله بصرف على نفسي وعلى زوجتي من عرق جبيلي"، ويضيف بجملة تختصر فلسفته في الحياة: "الراجل لو عاوز زوجته تطيعه وتصونه، لازم يكفيها ويصرف عليها من شقاه".
بينما يخلد أقرانه للراحة، يبدأ يوم "عم محمد" مع إشراقة الصباح؛ يسير على قدميه إلى ورشته في التاسعة تماماً، لا طلباً للمال فحسب، بل طلباً للحياة.
هناك، وسط جيرانه من الصنايعية القدامى، يقضي وقته بين إصلاح الأواني والإشراف على العمل بمساعدة ابن شقيقه، بينما تتخلل يومه أكواب الشاي وأحاديث الذكريات التي لا تنتهي.
مع حلول العصر، يطوي عم محمد صفحة يومه بصلاته في المسجد، ليعود إلى منزله هادئ النفس، راضياً بما قسمه الله له، ليجلس مع أحفاده وزوجته رفيقة الدرب.
يختتم "شيخ النحاسين" حديثه مؤكداً أن خروجه للعمل هو "إكسير الحياة" بالنسبة له؛ فالسعادة بالنسبة له ليست في الراحة، بل في أن يظل "منخرطاً في الشارع، وفياً لبيته، وشامخاً بعمله حتى آخر يوم في عمره".