"دير الحجر".. "الكرنك المصغّر" ينهض من رمال الداخلة (صور)
كتب : مصراوي
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
-
عرض 16 صورة
الوادي الجديد - محمد الباريسي:
نهض معبد "دير الحجر" في واحة الداخلة من تحت كثبانٍ صحراويةٍ أخفت أسراره قرونًا طويلة، ليعود اليوم شاهدًا متماسكًا على تلاقح الفن المصري القديم مع النفَس الإمبراطوري الروماني. وعلى مسافة تتراوح بين 15 و20 كيلومترًا من قرية القصر، وما يقارب 47 كيلومترًا من مدينة موط عاصمة مركز الداخلة، يقف هذا الأثر حجرًا فوق حجر كأنه كتاب مفتوح: تصميم على طراز الدولة الحديثة، وزخارف تحمل خراطيش أباطرة روما، واسم مصري قديم دافئ الإيقاع: "ست واح" أي "مكان الطمأنينة والسكون المقدس".
من نيرون إلى دوميتيان
يقول الخبير الأثري بهجت أبو صديرة، مدير الآثار المصرية السابق في الوادي الجديد، لـ"مصراوي"، إن قصة المعبد بدأت في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، حين شُيّد من الحجر الرملي بأمر الإمبراطور نيرون (54–68م) لعبادة ثالوث طيبة: آمون رع، وموت، وخنسو.
ومنذ تلك اللحظة لم يتوقف البناء الرمزي؛ فقد تعاقب أباطرة روما على الإضافة والتزيين: أتمّ فيسباسيان (69–79م) زخارف الحرم، وأُنشئ الرواق الأمامي في عهد تيتوس (79–81م)، فيما زيّن دوميتيان (81–96م) مداخل المعبد وبوابته بزخارف تُظهر افتتان السلطة الرومانية بميراث طيبة.
يؤكد أبو صديرة أن تخطيط "دير الحجر" يحاكي في خطوطه العامة معابد طراز الدولة الحديثة، خصوصًا عند المدخل، حيث طريق الكباش وقاعدة التمثال البرونزي لآمون رع التي كانت تُقدَّم عندها القرابين.
اسم ومكان وهوية
لم يأتِ اسم "دير الحجر" مصادفة؛ فالمبنى كله من الحجر الرملي، ما يميّزه وسط معابد صحراوية أخرى شُيّدت بالطوب اللبن. أما الاسم الأقدم "ست واح" فليس مجرد تعبير شاعري، بل دلالة وظيفية على مكانٍ مكرَّس للسكينة والعبادة.
يقول أبو صديرة: "جرت العادة أن تُختار مواقع العبادة على تخوم الاستقرار الزراعي، وهنا اكتسب دير الحجر وظيفة مزدوجة: قدسية المكان من جهة، وتشجيع الاستيطان الزراعي من جهة أخرى". وكان الإله ست، رب العواصف والصحراء، حاضرًا إلى جانب ثالوث طيبة في مشهد العبادة.
عمارة تحاكي الكرنك.. بحجم إنساني
يوضح الخبير الأثري أن مخطط المعبد، ولا سيما عند المدخل، يشبه ما نعرفه في "الكرنك بالأقصر": طريق كباش، ساحة استقبال، ثم حرم مغلق يزداد قدسًا كلما تقدّم الداخل. يحيط بالمعبد سور من الطوب اللبن تبلغ أبعاده نحو 40×80 مترًا، بينما تبلغ مساحة القاعة الداخلية نحو 7.3×16.2 مترًا، في نموذج مصغّر لكنه شديد التركيز والبيان.
وفي مشاهد الجداريات، يظهر الإمبراطور تيتوس وهو يقدّم "عين وجات" إلى ثالوث طيبة، بينما يرفع فيسباسيان القرابين لآمون وموت. كما تُرى إشارات إلى جحوتي رب الحكمة والكتابة، ونحم تأنيت ربة القانون والعدالة، في انعكاسٍ لمنظومة عقائد محلية متشابكة مع الخطاب الإمبراطوري الروماني.
من دفنٍ طويل إلى أول العائدين
يقول الأثري محمد إبراهيم، مدير عام الآثار المصرية في الوادي الجديد حاليًا، إن المعبد دُفن تدريجيًا تحت الرمال بعد قرونٍ من الاستخدام الطقسي، وبقيت منه أطرافٌ ظاهرة أغرت الرحّالة الأوائل.
في عام 1822 وصف أرشيبالد إدمونستون المعبد وسقفه الذي كان قائمًا جزئيًا، ثم رسم جون جاردنر ويلكنسون أول مخطط له عام 1825، قبل أن يقدّم هربرت وينلوك أول وصفٍ شامل عام 1908.
أما البعثة الألمانية بقيادة جيرهارد رولفس عام 1874 فكانت الأكثر تأثيرًا، إذ أزاحت الرمال عن الحرم وكشفت نقوشًا فلكية وصورًا دينية، وسجّلت أسماء أفرادها على أحد الأعمدة. وعلى جدران الباحة ما تزال نقوش يونانية تركها رحّالة القرن التاسع عشر، لتتحوّل الجدران إلى سجلّ زياراتٍ يدوّن أيضًا مستوى ارتفاع الرمال في تلك الحقبة.
تنقيبات مصرية وخطة إنقاذ
في ستينيات القرن العشرين، قاد الأثري المصري أحمد فخري أعمالًا أمام الرواق. ثم عاد المعبد إلى الحياة في تسعينيات القرن الماضي عبر "مشروع واحة الداخلة" بالتعاون مع "المجلس الأعلى للآثار"، حيث جرى ترميم أجزاءٍ وإعادة بناء عناصر إنشائية، وكُشف عن تفاصيل معمارية مثل دعامة قارب داخل الحرم، وبقايا خشب السنط وشظايا تيجان.
يوضح مدير الآثار أن مرحلة التسعينيات كانت فاصلة؛ فقد جرى تعزيز العناصر الحاملة وتثبيت الكتل الحجرية ومعالجة طبقات الجص، إلى جانب إدخال حلول هندسية للحفاظ على استقرار البنية المعمارية.
أثر يستحق ما يوازيه
على امتداد الصحراء الغربية يقف "دير الحجر" كجملةٍ تاريخيةٍ مكتملة: تأسيس روماني على منهج مصري، زخارف تروي سيادة الإمبراطور وروح طيبة، ودفن طويل انتهى بترميم علمي محكم.
اليوم، ومع فتح الموقع وتزويده بالإضاءة وسلالم الوصول، تبقى الخطوة التالية واضحة: مزيد من العناية بخدمات الزوار والتفسير البصري، حتى يستعيد "الكرنك المصغّر" مكانه المستحق على خريطة السياحة الثقافية في مصر — لا كأثرٍ وحيدٍ في صحراء ممتدة، بل كقلبٍ نابضٍ لحكاية واحةٍ صبرت طويلًا حتى يُسمع صوتها.
تسلسل زمني موجز
54–68م: تشييد المعبد في عهد نيرون من الحجر الرملي لعبادة ثالوث طيبة.
69–79م: زخارف الحرم في عهد فيسباسيان.
79–81م: إنشاء الرواق الأمامي في عهد تيتوس.
81–96م: تزيين المداخل والبوابة بخراطيش الأباطرة.
القرن الثالث الميلادي: آخر النقوش المؤرّخة على جدران المعبد.
1822–1825: وصف إدمونستون ورسم مخطط ويلكنسون.
1874: بعثة جيرهارد رولفس تكشف الحرم والنقوش الفلكية.
1908: وصف شامل لوينلوك.
الستينيات: أعمال أمام الرواق بقيادة أحمد فخري.
التسعينيات: ترميم شامل ضمن "مشروع واحة الداخلة" و"المجلس الأعلى للآثار".